تعيش الحواضر العربية التي دمرتها الحروب تدهورا أمنيا ينذر بالخطر، ويقدم سكانها الأصليون على بيع منازلهم والهجرة إلى تركيا أو دول أوروبا، تاركين وراءهم فراغا سكانيا كبيرا.
ربيع الحافظ
باحث وكاتب عراقي متخصص في العلاقات الإستراتيجية العربية التركية
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
الجديد الذي يحدث اليوم هو انهيار الدولة والمجتمع معاً وتهجير الناس واستبدال شعوب محلهم (العراق وسوريا واليمن ولبنان)، مما يعني اختفاء المجتمع بدلالتيه الثقافية والسكانية.
حين تلمس أناملك لوحة مفاتيح حاسوب الأرشيف العثماني، تتملكك رهبة، فأنت على تماس مع 150 مليون وثيقة لتفاصيل الأحوال الاجتماعية لمجتمع امتد على 5 قرون و3 قارات.
تميزت الحقبة السلجوقية بدخول السلاجقة الأتراك والعباسيون العرب في تحالف لانقاذ بغداد من الاحتلال البويهي الشيعي بمبادرة من الخليفة العباسي القائم بأمر الله “للتدخل ونشر العدل وإصلاح الرعية
الفرق بين الموصل وبيروت هو أن الأخيرة ظلت حاضرة في حسابات القوى الدولية التي من أجلها وجد لبنان بالأساس كصيغة محاصصة طائفية دولية وهذه القوى تثبّت موقفها من المحاصصة عند كل حدث كبير.
أفضى مشهد آيا صوفيا إلى فتح اجتماعي حينما قرر السلطان الفاتح أن تكون عاصمة مملكته (استانبول) مجتمعا تتعايش فيه الأديان والاعراق وتحتضن اقتصاداً تساهم فيه كفاءات الأمم أو ما يعرف اليوم (cosmopolitan).
قرار الموصل بالانضمام للدولة العراقية في استفتاء 1918 كان أساسه وجود دولة ومجتمع، وقد أدت الحكومة المركزية بالدولة الفتية آنذاك دوراً هاماً في رعاية تعايش غنيّ بين مجتمعات وأديان مختلفة.
مثّل تصدي الشعب التركي -بمختلف مشاربه- للانقلاب بنزوله واعتصامه في الشوارع أسابيع، ورفضه الانصراف قبل زوال الخطر الذي هدد الإصلاحات السياسية والخدمية؛ ظاهرةً جديدةً في سلوك الشعوب مع الأنظمة السياسية.
الحصيلة السياسية لمعركة الموصل هي عودتها للمربع الأول، وإلى النظام السياسي الذي سلبها حقوقها ورفض مطالبها السلمية، وانسحب منها وسلمها لـ”داعش”. نتائج هذه المعركة -في حجم التدمير- فاقت كل خيال.
فتح قرار الحكومة العراقية منح الأكراد الحكم الذاتي في عام 1970 -بعد تمرد مسلح- شهية أكراد تركيا لحمل السلاح ضد الدولة عام 1984، والتقدم بمطالب تتراوح بين الحكم الذاتي والانفصال.