فيلم دفاتر مايا.. قصص الحب في زمن الحرب بلبنان

فيلم دفاتر مايا للخرجة جوانا حاجي
"دفاتر مايا" يستند بالفعل لسيرة ذاتية وعامة للمخرجة جوانا حاجي توما وزوجها خليل جريج (مواقع التواصل)

في الندوة الافتراضية التي أقيمت بعد العرض الأول لفيلم "دفاتر مايا" يوم 26 مايو/أيار الجاري في فعاليات أيام القاهرة السينمائية الممتدة حتى 21 يونيو/حزيران المقبل، قالت المخرجة جوانا حاجي توما إن الفيلم مبني على دفاتر حقيقية كتبتْها بين سنة 1982 إلى 1988 لصديقتها التي ذهبت إلى فرنسا أيام الحرب الأهلية اللبنانية، على وعد بينهما أن تكتبا لبعضهما بشكل يومي، فكانت تكتب نحو 50 صفحة يوميا.

يستند "دفاتر مايا" بالفعل لسيرة ذاتية وعامة للمخرجة جوانا حاجي توما وزوجها خليل جريج، إذ جمع كل منهما أرشيفه المكون من أشرطة وصور وغيرهما، على مدار سنوات شبابهما، إلى قصة حقيقية عن اكتشاف مجموعة رسائل وأشرطة كاسيت كانت "حاجي" أرسلتها إلى صديقتها خلال سنوات المراهقة في ثمانينيات القرن الماضي وقت الحرب اللبنانية المدمرة آنذاك.

في سياق درامي نعيش بين الخيال الكثير والواقع الأقل عندما تدخل المراهقة أليكس -الابنة الوحيدة لـ"مايا"- عالم مراهقة والدتها الصاخب والشغوف خلال الحرب الأهلية اللبنانية، فتحاول أن تستكشف ألغازا من هذا الماضي من خلال خيالاتها المبنية على الرسائل.

نتعرف على أُم عزباء تعيش حاليا في مدينة مونتريال الكندية، ففي ليلة عيد الميلاد تتلقى الأم وابنتها شحنة غير متوقعة على الإطلاق، عبارة عن دفاتر وأشرطة وصور أرسلتها مايا إلى صديقتها المقربة من بيروت في الثمانينيات.

ترفض مايا فتح الصندوق خوفا من العودة إلى عالم يمثل إليها كل شيء قديم وجميل، لكن أليكس الابنة تبدأ سرا في فهمه وفهم ماضي والدتها التي ترفض في كل مرة أن تخبرها عنه.

بين الماضي والحاضر

تقول المخرجة في لحظة زمنية قاسية، "كنا نتراسل هذه الدفاتر والرسائل وأشرطة الكاسيت تأريخا لكل ما حولنا، وبعد فترة افترقنا، إلى أن التقينا بعد 25 سنة، وكنا نحتفظ بكل الأرشيف، وفجأة فكرنا في تحويل هذه القصة لفيلم سينمائي، يحكي عن اليوم وكيف نربط الماضي بالحاضر، لتطلع عليه الأجيال الجديدة، لأن تلك الرسائل لا تعني على الإطلاق أن الماضي أفضل أو أقبح بالنسبة لي، لكن أحببت أن تقدم الشخصية عندما تبدأ بقراءة دفاتر أمها على تصورها بطريقتها، باستخدام الأشياء الجديدة، مثل الهاتف، حتى تعيش حياة أمها بين الخيال والواقع".

ثمة تساؤل أولي يطرحه "دفاتر مايا": هل يحتمل أي بلد عربي كل هذا الكم من الحب والحرب في سياق متداخل حي كالذي اعتدنا أن نستقبله من البلد المدمر المليء بالحب؟ بالتأكيد لا، تلك الروح التي تغطي مثل تلك الأفلام أصبح حتى المشاهد العادي يتوقع قدومها من لبنان قبل أن يدرك لغة أبطالها.

فيلم دفاتر مايا للخرجة جوانا حاجي
الفيلم يبدأ منذ اللحظة التي تقع فيها البطلة مايا في حب الشاب رجا على خلفية الأحداث المضطربة (مواقع التواصل)

بداية الحكاية

يبدأ الفيلم فعلا منذ اللحظة التي تقع فيها البطلة مايا في حب الشاب رجا على خلفية الأحداث المضطربة، وتتطور تلك العلاقة لتشكل عالمهما الصغير غير المدرك لويلات ما تعيشه الدولة لتصبح حياة شخصية أكثر رحابة وحرية في مقابل حياة عامة مفروضة على الجميع.

وفي اللحظة التي تتطور فيها علاقتهما، يحدث ذلك على أصداء الحريق الكبير الذي أصاب لبنان كله وأصبح حديث العالم العربي. تداخلات تلك العلاقة كانت تشكل عالما شخصيا لحياة أصحابه لا يصلح للتأريخ العام على الرغم من كونه الأكثر قربًا وإنسانية من إظهار كل تلك السنوات باعتبارها سنوات صراع فقط.

يقول المخرجان إنهما جمعا كل ما لديهما من كتابات الزوجة وصور الزوج التي تصل إلى 60 ألف صورة، فقد كان يلتقط صورا عدة للبنان خلال مرحلة التغيير، ثم جرى تصوير الفيلم عام 2019، قبل انهيار لبنان الاقتصادي وكذلك انفجار مرفأ بيروت، بينما انتهت مرحلة المونتاج بعدها بعام تقريبا، فينقلنا إلى النظر أكثر حول المعادل البصري الحديث الذي خدم استخدام كل الصور.

في الفيلم تجد تقاطعات بصرية أكثر حداثة كانت أكثر مناسبة لنرى جميعا تلك الحياة القديمة من خلال عيون البطلة المراهقة التي ترى من خلال خيالاتها المحملة بمعادلات بصرية ملونة أكثر من "سنابشات" أو أشباهه، وهو ما سيظهر تعمّده بعد ذلك.

التنويعات البصرية الحداثية أعطت للعالم المراهق الذي نشاهد لبنان كله من خلاله أكثر مرونة في مشاهدته، إلى جانب شريط صوت مليء بالأغاني اللبنانية والأجنبية القديمة التي كانت مسار الأحاديث والتجمع.

وثيقة ذاتية

فيلم "دفاتر مايا" هو وثيقة ذاتية تصلح للحديث العام حول كيف كان يعيش المراهق اللبناني في لحظة تاريخية فارقة حُرقت فيها دولته بينما كانت كل أحلامه في الحب والحياة.

ربما تمثل مايا الصغيرة التي نشاهدها كمهاجرة تسرق لحظات سعادتها عن طريق الارتباط بإنسان تخاف أن تخبر أهلها عنه فلا نشاهده سوى في الظلام، قطاعا واسعا بلبنان غير المرئي: فتاة تحلم بالعمل كمصورة صحفية تنقل تراثها المذهل أو ويلات حرب أجبرت عليها فتنتهي بها أحلامها بقضاء حياتها كلاجئة.

"دفاتر" مايا المغلقة هي لعنة لا يمكن الهروب منها أبدا ليس لأنها تمثل ماضي الوالدة التي لا تريد أن تواجه هزيمتها المتجاوزة لكل شيء، لكنها دفاتر توثيقية لحياة ذبحتها الأسلحة والدمار الذي لم يعد من الممكن مواجهة قسوته سوى بالحبر الذي ينقله للأجيال الجديدة.

كل هذا الحب الذي يحمله الفيلم مثلما يحمل كل هذا الدمار، كثيرا ما شاهدنا شبيها له في عدد من الأفلام التسجيلية اللبنانية، بينما اختار "دفاتر مايا" أن يأخذ منحى دراميا تخييليا ربما فقط لتنتهي أحداثه بلحظة سعيدة مسروقة في بلد ما زال يعاني حتى الآن من ويلات حروب داخلية وخارجية بينما يختار أيضا أن يعيش ويحب.

المصدر : الجزيرة