القاهرة في لوحات.. كيف كانت حياة المصريين في ظل الإمبراطورية العثمانية؟

الاستشراق والمصريين: مصر القديمة في لوحات

لوحة المدرسة للرسّام اليهودي لودفيغ دويتش (مواقع التواصل)

كانت أفريقيا والشرق الأوسط على مدار قرون وجها للعديد من الرسّامين الأوروبيين الذين وفدوا للمنطقة بحكم البعثات الاستشراقية والحملات الاستعمارية. ترك أولئك الرسّامون عددا لا يحصى من اللوحات التي تُسجّل بشكل وثائقي وروائي سنن وعادات العرب والمسلمين في ظل الدولة العثمانية. وقد كانت مصر واحدة من بين الدول التي واظب مستشرقون عدة على الوفود لها مسجلين نمط وطبيعة الحياة فيها.

وتمثل تلك اللوحات العائد الأكثر وضوحا لتاريخ طويل من التجارة والحرب والاستعمار والسياحة المستمرة حتى يومنا هذا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان الرسّام اليهودي لودفيغ دويتش (13 مايو/أيار 1855-9 أبريل/نيسان 1935)، نمساوي فرنسي، واحدًا من أولئك الذين دأبوا على تسجيل طبيعة الحياة بالإمبراطورية العثمانية، وكانت مصر واحدة من بعض الوجهات التي اعتاد توثيق ونقل حياة أهلها لأوروبا.

ونرى في لوحته الشهيرة "في المدرسة" عام 1900، عددا من طلاب العلم في الكُتّاب يتدارسون العلم وعليهم عمائم علماء الدين. اللوحة مرسومة بألوان دافئة وأسلوب واقعي، وتتمتع بقسط وافر من العناية بالتفاصيل التي توثق طبيعة الحياة التعليمية في مصر تلك الفترة.

لوحة أخرى لدويتش هي "كاتب الخطاب" والتي تظهر كاتبا يجلس متأملا بعض الكتب والأوراق الملقاة على الأرض. اللوحة ثرية بالتفاصيل من أول شال الكاتب المزركش وثوبه وعمامته، مرورًا بالديكور الداخلي للمكان الذي يجلس والذي تظهر فيه طبيعة المباني والأنماط المعمارية الإسلامية تلك الفترة.

لوحة "كاتب الخطاب" للودفيغ دويتش (مواقع التواصل)

الوظائف التي رصدها المستشرقون لا تقتصر على الكتابة والتعلم. فقد سجل النمساوي تشارلز وايلدا (20 ديسمبر/كانون الأول 1854- 11 يونيو/حزيران 1907) في لوحته "بائع التحف" عام 1884، رجلا مصريا يقف أمام تماثيل فرعونية ويبيع بعض التحف. اللوحة تعج بالتفاصيل وقد أحسن وايلدا في نقل النقوش الفرعونية التي تزين الأعمدة والبائع فاتح فاه وكأنه ينادي على سلعته لحظة رسم اللوحة.

لوحة "بائع التحف" للمستشرق النمساوي تشارلز وايلدا (مواقع التواصل)

النساء والأسواق

قدم المُستشرق البريطاني روبرت جورج تالبوت كيلي (1896-1971) في لوحته "تُجار على ضفاف النيل" عددا من الفلاحات يحملن قدورهن ويتبادلن أطراف الحديث على النيل. النسوة في اللوحة يرتدين جلاليب ويبعن السمك وبعض منتجات الألبان.

لوحة المُستشرق البريطاني روبرت جورج تالبوت كيلي "تُجار على ضفاف النيل" (مواقع التواصل)

لوحة أخرى تعكس حياة الطبقة العاملة من النساء هي "الحكاءة النوبية" للمستشرق الأميركي فريدريك آرثر بريدغمان (1847- 1928). تجلس فيها امرأة نوبية في ساحة بيت ومن حولها نسوة من أهل الدار تحكي لهن حكاية وهن ينصتن لها بإمعان. الديكور الداخلي وثياب النساء وتعابير وجوههن على الحكاية كلها تنصهر معا في مشهد درامي ثري بالتفاصيل وممتع للبصر.

لوحة "الحكاءة النوبية" للمستشرق الأميركي فريدريك آرثر بريدغمان (مواقع التواصل)

وتعكس اللوحتان أعلاه طبيعة حياة المرأة العاملة في مصر العثمانية حيث النسوة يعملن في مهن مرتبطة عادة بسياقهن الاجتماعي. فالأثرياء لا يسمحوا لنسائهن عادة بالعمل. ويجلبون معلمين لتدريسهن في الدار. أما النسوة الأقل حظًا من حيث المال والثراء، فكن يعملن في مهن تقليدية وبسيطة لكنها كانت كافية لسد رمق العيش.

المباني والأثاث

تظهر الأنماط المعمارية للقاهرة القديمة بارزة في اللوحات كجزء من حياة السكان والحياة اليومية. ويقدم المستشرق البلجيكي كاريل أومز (1845- 1900) الذي عُرف بمشاهده ومناظره الشرقية، في لوحته "فانتازيا في مصر" سباق خيول يدور أمام مسجد ضخم، أغلب الظن أنه قلعة محمد علي، حيث تظهر القباب الإسلامية واضحة في محيط مليء بالديناميكية والحركة.

لوحة المستشرق البلجيكي كاريل أومز  "فانتازيا في مصر" (مواقع التواصل)

نرى أيضًا في لوحة "لاعبو النرد" للمستشرق التشيكي رودولف ويزي، عددا من المصريين مجتمعين حول لعبة النرد. بعضهم منهمك في اللعب وآخرون يعبرون الطريق، كلهم على خلفية من الجدران الأسمنتية والأرابيسك الإسلامي.

وقد كانت مشاهد الحياة اليومية مصدر اهتمام خاص للرسامين المستشرقين لما فيه من ممارسات حقيقية للمجتمع المراد استعماره أو غزوه. كذلك ركزت بعض الصور على فرد واحد بينما تفاعلت صور أخرى مع حشد. واختلفت المشاهد من صور هادئة وتأملية إلى درامية جامحة مثل الموجودة بلوحة فانتازيا في مصر أعلاه.

لوحة "لاعبو النرد" للمستشرق التشيكي رودولف ويزي (مواقع التواصل)

ومما لا شك فيه أن الفن الاستشراقي كان عدسة الاستعمار التي تنقل طبيعة وسنن المجتمعات المستهدفة لأوروبا للدراسة كما للمتعة البصرية. وكانت صور المسلمين المنخرطين في دينهم، سواء في الصلاة أو أداء فريضة أو الدراسة أو حتى صور النسوة في بيوتهن أو العاملات منهن، سمة أساسية من سمات الرؤية الاستشراقية التي تحاول فهم آليات عمل هذا المجتمع وقيمة العلم والعمل فيه.

"الاستشراق عين الاستعمار التي بها يبصر ويحدق. ويده التي بها يحس ويبطش، ورجله التي بها يمشي ويتوغل، وعقله الذي به يفكر ويستبين، ولولاه لظل في عميائه يتخبط"، محمود محمد شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.

المصدر : مواقع إلكترونية