حياة الفنانة نيكي دي سانت فال.. حينما يكون الفن شفاء من الألم النفسي

آلة الحلم في ساحة الفن المعاصر بالرباط (الجزيرة)

الرباط- بألوان متعددة زاهية، تجمع بين جسم أنثوي ضخم بدون رأس وما يشبه عربة حصان أو دراجة، في محاكاة ميكانيكية لحركة دائرية، منحوتة ضخمة الحجم بأبعاد "280 × 346 × 120 سنتيمترا" تسمى "آلة الحلم"، ازدانت بها ساحة متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بعاصمة المملكة المغربية.

"آلة الحلم" واحدة من أعمال الفنانة الفرنسية الأميركية نيكي دي سانت فال، إحدى أبرز فناني القرن الـ20، ترمز لأحلام وطموحات المرأة، وصُمّمت عام 1970، لتضاف لثيمة أعمال الفنانة صاحبة المنحوتات الضخمة المعروفة في جميع أنحاء العالم بأشكالها وألوانها الزاهية، والتي تسمى منحوتات نانا.

من هي نيكي دي سانت فال؟ وما قصة رحلتها من العلاج النفسي والصدمات الكهربائية إلى الإبداع الفني والعالمية؟ وما قصة منحوتات نانا؟

فنانة استثنائية

ولدت نيكي دي سانت فال أو كاترين ماري دي سانت فال عام 1930من أم أميركية وأب فرنسي، وهي فنانة تشكيلية ورسامة ونحاتة وصانعة أفلام، بدأت حياتها المهنية كعارضة أزياء وممثلة.

تعتبر دي سانت فال واحدة من الشخصيات النسائية التي تركت بصمتها في التاريخ، واعتبرت فنانة استثنائية. ووفق ما جاء في بحث "القصة المخفية وراء نانا نيكي سانت دي فال" (الصادر بالفرنسية) فإنها "نسوية عصامية، تتميز أعمالها بجوانب مبتكرة للغاية منذ البداية، التزمت بالقضايا الأساسية للقرن الـ20، ومَثّل فنها مزيجا بين حالة امرأة وخليط من المواد المختلفة".

بعد انهيار سوق الأوراق المالية، انتقلت عائلتها إلى نيويورك في عام 1933 وعادت إلى فرنسا عام 1951. بدأت الرسم عام 1952 وأنتجت مجموعاتها الأولى عام 1956.

الفنانة نيكي دي سانت فال (مواقع التواصل)

غضب ملون

تم إدخال نيكي دي سانت فال في سن الـ22 إلى مستشفى في الطب النفسي مع تشخيص مرض انفصام الشخصية أو الاكتئاب الشديد، وكانت لديها أفكار الانتحار والقتل.

خلال فترة مكوثها في المستشفى، اكتشفت موهبتها، وكانت لديها "رغبة ملحة في الرسم"، بدأت في فعل ذلك بطريقة محمومة، وأدركت أنه يخفف من مخاوفها، وقررت تكريس حياتها للفن، و"اعتنقت الفن كخلاص وكَضرورة".

أمضت فترة قصيرة تحت إشراف نفسي صارم، وخضعت لـ10 صدمات كهربائية.

اشتهرت عام 1961 حين كانت تطلق الرصاص من بندقية على جيوب صباغة تتفجر ألوانا.

قصة ملهمة

كانت نيكي منزعجة وكانت بفعلتها تبرز "شياطينها الداخلية" ضد المجتمع وضد والدها. وجاء من بين أقوالها "توجد في قلب الإنسان رغبة في تدمير كل شيء، التدمير هو التأكيد على وجود المرء رغم كل الصعاب". وسبب انزعاجها ومخاوفها ستكشفه حين تجاوزت الـ60 من عمرها، والذي كان تعرضها لاعتداء جنسي في صغرها.

اعتُبرت طريقة سانت دي فال طريقة جديدة للرسم تصدرت المشهد الفني العالمي آنذاك، حيث كانت تحول طاقة العنف داخلها لإبداع، وحظيت قصتها بالكثير من الاهتمام واعتبرت نموذجا للانعتاق عن طريق الفن.

ومن أشهر أقوالها "لقد أتيحت لي الفرصة لمقابلة الفن، لأنني، على المستوى النفسي، كان لدي كل ما أحتاج لأصبح إرهابية".

القوة لنانا

في ستينيات القرن الـ20 ستصبح نيكي دي سانت فال عضوا في مجموعة "الواقعيين الجدد" (New Realists)، وتأخذ اتجاه "البوب آرت" وتستكشف التمثيل الفني لدور المرأة، وتبتكر دمى بالحجم الطبيعي بعنوان "نانا"، وهي عبارة عن منحوتات نساء ملونة ممتلئة بالبوليستر والشبك والورق المعجن.

وعبرت نيكي دي سانت فال عن نفسها بتماثيل نانا الضخمة ذات الأنوثة الطاغية المرحة الراقصة بألوان زاهية في أحجام فوق الطبيعية، وأصبح تعبير "نانا" في الفرنسية يعبر عن هيئة أنثوية حديثة، واثقة بنفسها، معتزة بشخصيتها وجاذبة. ومن مأثورات نيكي قولها "إن القوة لِنانا"، وتزامنت أعمالها مع الحركة النسائية لتحرير المرأة.

أنتجت أول تماثيل للمرأة الضخمة في عام 1965 وعرضتها بباريس. وبعض أعمال "نانا" معروضة بشكل دائم في هانوفر بألمانيا.

في عام 1966، أنشأت مع جين تينغلي الذي أصبح زوجها الثاني في عام 1971 "هون" امرأة ضخمة طولها 28 مترا وارتفاعها 6 أمتار وعرضها 9 أمتار، بمتحف موديرنا في ستوكهولم.

اشتهرت نيكي حين كانت تطلق الرصاص من بندقية على جيوب صباغة تتفجر ألوانا (مواقع التواصل)

أعمال للتاريخ

توفيت نيكي في 2002، وتركت وراءها زخما فنيا، وكانت قد أنتجت مع زوجها نافورة "إيغور سترافينسكي" في باريس، وتعتبر اليوم من المعالم التراثية 16 منحوتة، خصصت لها باريس 1.6 مليون يورو كميزانية لترميمها والعناية بها ضمن برنامج لتجديد التراث تصل كلفته 32.5 مليون يورو خلال 2022.

ومن بين أشهر وأهم منجزات نيكي -استغرقت لإتمامها 15 سنة- حديقة تاروت في توسكانا بإيطاليا، والتي تجمع بين المنحوتات الضخمة، منها الصالح للسكن.

ووفق المهدي قطبي رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب، سيتمكن عشاق الفنون من مشاهدة تحفة نيكي دي سانت فال، بفضل سخاء جامع التحف الشهير مايكل بنابو، أحد المغرمين بالمغرب.

وأضاف قطبي في تصريح للصحافة حين تنصيب واحدة من منحوتات نانا الشهيرة، أنها ستتيح لكافة سكان مدينة الرباط وكل المغاربة على مدى عامين وربما أكثر، فرصة مشاهدة "آلة الأحلام".

المصدر : مواقع إلكترونية