كيف ألهمت كوكو شانيل سلفادور دالي؟

كانت فلسفة كوكو شانيل في عالم الموضة ارتداء الملابس على أساس التواضع والبساطة والقدرة على التكيف.

كوكو شانيل وسلفادور دالي
مصممة الأزياء الشهيرة كوكو شانيل والفنان سلفادور دالي (مواقع التواصل)

كانت باريس في مطلع القرن العشرين، ومرورا بالحربين العالميتين؛ حاضنة للكثير من الفنانين الذين وجدوا فيها مرتعا خصبا لنشر وتبادل الأفكار، ويمكن لمتابع فيلم "باريس في منتصف الليل" (Midnight in Paris) أن يرى كيف صهرت العاصمة الفرنسية كثيرا من الرسامين والأدباء والمفكرين وصانعي السينما والموضة في بوتقة واحدة.

سلفادور دالي ليس استثناءً في هذا الصدد؛ فقد انتقل للعيش في باريس عام 1926، بدافع انتمائه إلى الحركة السريالية التي كانت باريس حاضنة لها، وعندما وصل باريس كانت مصممة الأزياء الشهيرة كوكو شانيل "أيقونة" للموضة ولها اسمها التجاري المعروف؛ فقد كانت متحررة فكريا ومتمردة على كثير مما كان يعد روتينيا بالنسبة لأي امرأة آنذاك.

وربما لهذا السبب صار دالي وشانيل أصدقاء رغم الاختلافات الكبيرة بين مساريهما؛ فدالي -الذي عُرف عنه الجنون وغرابة الأطوار- وجد في شانيل رفيقة أنيقة ومتحررة ومستوعبة لكثير من الأفكار غير المنطقية التي يفكر فيها السرياليون، وتعود جذور تلك الصداقة بالفضل للمصممة إلسا سكياباريلي.

فقد تعاون دالي مع سكياباريلي في عروض أزياء مسرحية مختلفة، وكانت سبب دخوله عالم الموضة، إذ تعرف لاحقًا على شانيل التي كانت تتردد على نفس الصالونات والدوائر الإبداعية المتنوعة التي انتشرت في باريس خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.

خلافات ديناميكية وعلاقات رومانسية

كانت شانيل المتحررة الراقية في الثلاثينيات من القرن الماضي لا تميل للزواج، بل للحياة الحرة من أي التزامات غير التي تريدها، وكان تمردها هذا في حد ذاته سببا في إعجاب دالي بها رغم ارتباطه بزوجته جالا. فشانيل بالنسبة لدالي مثلها مثل السريالية؛ تمتعت بقدر كبير من الغموض وقدرة غير عادية على قلب المسلمات رأسا على عقب، حتى أن بيتها كان المكان الذي وصلت فيه سريالية دالي إلى أعلى مستوياتها في التعبير.

استضافت شانيل دالي في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي في منزلها الخاص على الريفييرا الفرنسية، وأعطته مساحة خاصة من منزلها ليستطيع فيها التركيز والعمل على لوحاته، وبالفعل نجح دالي في تلك الفترة (عام 1938) في تقديم "شبح وجه وصحن فاكهة على الشاطئ" (Apparition of Face and Fruit Dish on a Beach)، إذ تميزت اللوحة بمناظر طبيعية رملية مليئة بطبقات متعددة من الأوهام البصرية والصور المزدوجة.

ويهيمن على العمل تصوير لشبح وجه بشري على الكأس الفضي الذي يتوسط اللوحة. هذا الوهم البصري ظهر مرة أخرى في إحدى لوحات دالي اللاحقة، وهي "اللغز الذي لا نهاية له" (The Endless Enigma)، التي تعد واحدة من أغنى الأعمال التصويرية للأفكار اللاواعية وإرهاصات العقل الباطن لسلفادور دالي؛ فاللوحة شأنها شأن كافة اللوحات السريالية حاول فيها دالي -الذي كان مفتونا بالعبث في طبيعة الأشياء- استحضار عالم اللاوعي من خلال الصورة التي قدمت التحولات والتجاور غير المتوقع للأشياء بطريقة أكثر إثارة للإعجاب.

ويقول دالي "كانت أصالة شانيل عكس ما لدي، ولطالما عرضت أفكاري بلا خجل، لكنها لم تكن تخفي أفكارها ولا تُظهرها، بل تلبسها بدل ذلك، لديها أفضل جسد وروح على وجه الأرض".

عطر جوهر دالي (مواقع التواصل)

ارتداء السريالية

تبادل المنافع بين شانيل ودالي لم يقتصر على انتفاع دالي منها بوصفها ملهمة له؛ فقد أسهم دالي بدور في كثير من التصميمات الفنية للأزياء والإكسسوارات، وحتى قنينات العطور التي أطلقتها شانيل وحققت نسب مبيعات كبيرة حول العالم، ولا يزال بعضها يُباع حتى اليوم.

واستوحت شانيل من دالي فكرة عطر "جوهر دالي" (The Essence of Dali) الشهير. وقام دالي بنفسه بتصميم العبوة التي تميزت بصورة شاربه الأيقونية، كما أسهم في تصميم عدد من المجوهرات والحلي التي أنتجتها دار الأزياء مثل دبوس "عين دالي" (The Dali Eye)، الذي كان شبيها بعينه.

ذلك لأن البصمة السريالية لدالي لم تكن حكرا على عالم الفنون التشكيلية فقط، بل امتدت لتشمل الموضة والمسرح وحتى الأفلام. وبوصفه فنانا طليعيا في باريس حينذاك، فقد حارب دالي بشراسة ليثبت لمجتمع الصفوة أنه قوة إبداعية لا يستهان بها، وعبر هو نفسه عن ذلك قائلا "الذكاء من دون طموح كطائر من دون جناحين".

التحرر من طغيان الكورسية

أسرَّت شانيل لسلفادور دالي أن كل ما فعلته طوال حياتها هو تغيير ملابس الرجال إلى ملابس نسائية: السترات وربطة العنق والمعاصم. وكانت فلسفتها في عالم الموضة ارتداء الملابس على أساس التواضع والبساطة والقدرة على التكيف؛ إذ كانت ترى أن حبس أجساد النساء في الكورسية محض تعذيب.

ويذكر موقع غوغل للفنون والثقافة أن الثوب البسيط المريح الذي قدمته شانيل في ذاك الوقت كان أشبه بثورة على تقاليد عتيقة، استمرت قرونا، من الفساتين المنفوشة الثقيلة التي كان يتجاوز وزنها في بعض الأحيان 10 كيلوغرامات، لكن شانيل استبدلت كل هذا الثقل ببدلة ذات قماش خفيف مكونة من قطعتين أو 3 وعملية ومريحة للغاية.

ورأى دالي في ذلك امرأة لا تخضع لمعايير الطبقة الأرستقراطية الفرنسية؛ كانت ثائرة ومندفعة وعازمة على التخلص من كافة أشكال الثياب التقليدية التي أثقلت كاهل كثير من النساء لعقود، وبهذا وقع الرسام السريالي في غرام أشهر مصممة أزياء فرنسية، واستمرت صداقتهما حتى أواخر حياتيهما.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية