فيلم "ذا كارد كاونتر" يفضح المزيد من أسرار أبو غريب

أوسكار إيزاك بطل فيلم "ذا كارد كاونتر" (مواقع التواصل)

عرض في مهرجان فينيسيا السينمائي مؤخرا فيلم المخرج بول شريدر الجديد "ذا كارد كاونتر" أو "عداد البطاقات" (The Card Counter) من بطولة أوسكار إيزاك وتيفاني هاديش وتاي شيريدان وويليام ديفو.

وحقق الفيلم تقييمات عالية نسبيا وصلت إلى 87% على موقع "الطماطم الفاسدة" (Rotten tomatoes)، ويُعرض حاليا بصورة تجارية حول العالم، ليقدم لنا على عكس عنوانه فيلما ليس عن مقامر غشاش، بل هو شهادة جديدة ضد سجن أبو غريب.

أبو غريب بعيون سجانيه

تدور أحداث "عداد البطاقات" حول ويليام تيل المقامر المحترف، الذي يعيش حياته متنقلا بين المدن الصغيرة، يحيا في النزُل الحقيرة، ويقامر في الكازينوهات المتخصصة، ويكسب مكاسب متواضعة لا تجذب إليه الأنظار، ثم يغادر إلى المدينة التالية وهكذا، يحيا بلا روح ولا حماس ولا حتى طموح في الثراء، حتى يقابل في إحدى جولاته شابا يدعى كيرك ليصبح المفتاح الذي يجعلنا نلقي نظرة على الماضي المرعب لتل.

جمع بين ويليام ووالد كيرك ماض مشترك، حيث عمل كلاهما في سجن أبو غريب مجنديْن في الجيش الأميركي، وقاما بالفعل بتعذيب السجناء بوحشية بالغة. وعند افتضاح أمر أبو غريب حول العالم قدما ككبشي فداء للقادة الكبار، وسجنا في سجن عسكري لعدد كبير من السنوات، ليجترا خلالها شعورهما بالذنب ومواجهة النفس، فيخرج والد كيرك ليعذب ابنه وزوجته بالضرب ويدمن على الكحول ثم ينتحر، ويقرر ابنه الشاب ملاحقة القائد العسكري جون جوردون الذي فلت من الفضيحة والسجن -على الرغم من كونه المحرض الرئيسي على التعذيب- لينتقم منه.

ومن هنا تبدأ نقطة اللقاء بين كيرك والكهل بيل تل، الذي يحاول تحسين مسار حياة الشاب، ووهبه المال اللازم لبدء مستقبل أفضل بعيدا عن مصيره ووالده، وخلال ذلك نتعرف على قصة جنود أبو غريب.

الانحدار نحو الوحشية

ارتكز الفيلم على وجهة نظر جديدة لما حدث في سجن أبو غريب، فعلى عكس الشائع فإن تجاوزات الجنود وحوادث التعذيب والاعتداءات ليست عمليات فردية، بل نتيجة لتمارين من قادة الجيش، الذين دربوا المجندين على طرق الضغط على المساجين حتى أخرجوا أكثر ما يمكن من وحشية لديهم.

شرح ويليام لكيرك هذه العملية بما أسماه "Tilt"، وهو تعبير في اللغة الإنجليزية يعني الانحدار أو الانجراف، مفسرا الضغوط التي تعرض لها الجنود، وكيف انجرفوا تحت عبء هذه التمارين والضغط والغضب، فاتحين الباب لأكثر جوانب نفوسهم توحشًا من دون أي رادع أو رقيب، مما حوّلهم إلى حيوانات ضارية مُعَذِبة.

لم يحاول بيل تل التطهر من أفعاله حتى بعدما سُجن لأجلها، كان عقابه الذي اختاره لنفسه العيش تحت عبئها وجلد الذات بسببها، ولكن في الوقت ذاته يدين القيادات التي مرّنته على القيام بها، والحكومة الأميركية التي كافأت هؤلاء القادة وحافظت على سريتهم.

بول شريدر وهموم الجندي المجهول

اشتهر بول شريدر قبل بدئه مسيرته بوصفه مخرجا سينمائيا باشتراكه في كتابة 4 من أشهر أفلام المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، واحد منها يعتبر من الأفضل في تاريخ السينما وهو "سائق التاكسي" (Taxi Driver)، وكل من "عداد البطاقات" و"سائق التاكسي" يدور حول شخصية رئيسية بالتركيبة نفسها تقريبا.

فهما رجلان عائدان من الجيش، تحولا بسبب ضغوط الحرب والقسوة إلى مهووسين، أحدهما نبذ المجتمع وعمل في قيادة سيارات الأجرة ليلا فقط بعيدا عن ضغوط الحياة النهارية، والآخر كرّس حياته للمقامرة رافضا العلاقات العاطفية والأسرية.

ثم اختار كل من البطلين القيام بفعل عنيف تجاه قائد سياسي أو عسكري، تعبيرا عن وجهة النظر نفسها، إنهما لم يكونا إلا بيدقيْن في أيدي سياسات عليا أكثر سلطة، وبعد احتراقهما أتى الدور عليهما حتى يحققا انتقامهما الأخير.

ولكن على الرغم من أن بناء الشخصيتين متقارب وكاتب السيناريو واحد، فإن هناك فارقا كبيرا بين الفيلمين يرجع إلى المخرج ذاته، والتميز في رؤية مارتن سكورسيزي الفنية التي أضفت على القصة أبعادا مختلفة جعلت الفيلم في قوائم الأفضل على الإطلاق.

فيلم بول شريدر تميّز بشكل كبير بسبب أداء أوسكار إيزاك للشخصية الرئيسية وحفاظه طوال الوقت على الوجه الفولاذي عديم التعابير، فيما عدا عينيه اللتين حملتا الألم والذنب وعذابات الماضي كلما تذكر أبو غريب وأحداثه.

ويبقى في النهاية هذا السجن فصلا وحشيا في تاريخ البشرية، أظهر المدى الذي قد تصل إليه قسوة الإنسان على أخيه الإنسان لو تُرك لغضبه وقدراته العنان بعيدا عن قيود المدنية الحديثة، وعلى الرغم من كثرة الأفلام الأميركية التي تناولت ما حدث في أبو غريب، فإن صناع الأفلام الأميركيين لا يزال لديهم الكثير ليقولوه حول هذه الوصمة التي لا تنسى.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية