من هو سبايك لي الذي ظهر على الملصق الإعلاني لمهرجان كان 2021؟

بعض النقاد "البيض" يرون أن فيلم "افعل الشيء الصحيح" يحض على العنف

الملصق الدعائي لمهرجان كان 2021 (الجزيرة + وكالات)

منذ أيام ظهر الملصق الإعلاني الرسمي للدورة الـ74 من مهرجان كان السينمائي، الذي ستنظم فعالياته خلال الفترة ما بين 6 و17 يوليو/تموز المقبل.

والبوستر باللونين الأبيض والأسود مع صورة من فيلم "افعل الشيء الصحيح" (Do the Right Thing) لرئيس لجنة تحكيم المهرجان لهذه الدورة سبايك لي، والذي قدمه عام 1989، فلماذا هذا الفيلم، ولماذا سبايك لي؟.

افعل الشيء الصحيح

فيلم "افعل الشي الصحيح" هو الفيلم الطويل الثالث في مسيرة سبايك لي الإخراجية، وأول فيلم يترشح به لجائزة الأوسكار، التي حصل عليها بعد ذلك بعدة عقود، ونقل المخرج الشاب من مرتبة اليافع الواعد إلى المتميز المتألق الذي تسلط عليه الأضواء.

وحظي الفيلم بمراجعات نقدية ممتازة، واعتبره روجر إيبرت وجين سيسكل الناقدان الكبيران أفضل أفلام عام 1989، ومن أفضل أفلام عقد الثمانينيات بالكامل.

في هذا الفيلم أكمل "لي" في الخط ذاته، الذي انتهجه لنفسه، وبقي عليه حتى اليوم، وهو تقديم أفلام معنية بمجتمعات الأميركيين من أصول أفريقية، أفلام بالفعل تشبههم، بما يحمله هذا المجتمع من تناقضات وقصص مختلفة وشخصيات متنوعة.

ومرة أخرى يعود أيضا إلى نيويورك وحي بروكلين؛ لكن بدلا من المجتمع المثقف نوعا ما الذي ركز عليه فيلمه الأول، هذه المرة محور الأحداث سكان شارع فقير، أغلب أطفاله وشبابه يقضون صيفهم في الشارع باحثين عن بعض المرح والقليل من المشاكل بالتأكيد، وحجر الزاوية للفيلم وسكان الحي هو مطعم بيتزا "سال"، وهو رجل أميركي من أصول إيطالية يمتلك المطعم منذ سنوات طويلة، ويديره مع ابنيه ويعمل لديه "موكي" -الذي يقدم دوره سبايك لي- في توصيل الطلبات للمنازل.

فيلم وملصق مناهضان للعنصرية

القصة تتماس بصورة مباشرة مع العنصرية الضمنية بين السود والبيض في الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن سال وأولاده هم البيض الوحيدون في الحي؛ إلا أنهم يتعاملون طوال الوقت على أنهم الأرقى.

شخصية سال على الأخص هي أكثر شخصيات الفيلم تعقيدا، فهو مرتبط بالحي ارتباطا وثيقا أكثر من مجرد كونه صاحب مطعم به، غير أنه يحنو على الفقراء، ويحب كونه شاهدا على أجيال مختلفة من الأطفال، الذين تحولوا إلى رجال بفضل البيتزا الخاصة به؛ لكن تختلط طيبة قلبه هذه بعنصرية شعوره بالتميز؛ لأنه الأبيض بين السود، والذي يقدم طعاما مختلفا لهم، وكذلك ليقينه أنه في حيه لن يستطيع ملاقاة هذا النجاح، لأنه سيكون مجرد أميركي إيطالي في حي كل من فيه يمتلك السمات نفسها.

يساهم سلوك سال هذا بصورة كبيرة في تفجر أزمة الفيلم، فهو على سبيل المثال يرفض وضع صور فنانين من أصول أفريقية على جدار مطعمه، ويفخر بأن كل الصور لمشاهير من أصول إيطالية، يرفض موسيقى الراب ذات الصوت العالي، يعامل زبائنه بفوقية مستمرة على الرغم من كونهم مصدر دخله الوحيد.

على الجانب الآخر يستسلم أغلب أهالي الحي لهذه المعاملة من سال في شعور تام باستحقاقهم لها؛ مما يرجعنا إلى ما أسماه المنظر الاجتماعي، بيير بورديو، "الهابيتوس"، ويعني هذا المصطلح إيمان فئة ما باستحقاقهم المعاملة السيئة أو التمييز العنصري ضدهم؛ لأنهم اعتادوا ذلك طوال عقود طويلة، فأصبح ذلك الطابع متأصلا في أنفسهم.

وتحدث الأزمة الكبرى عندما يبدأ عدد محدود من الأفراد في التمرد على أسلوب سال المهين، أولهم "بوجين" صديق موكي، الذي يطالب بوضع صور مشاهير من أصول أفريقية طالما أن المطعم كل زبائنه ينتمون إلى هذا العرق، وعندما يرفض سال بعنف يقرر مقاطعة المطعم، ويدعو سكان حيه إلى ذلك إلا أنهم يتجاهلونه، ولا يوافقه سوى "رحيم" و"سمايلي" ذي الاحتياجات العقلية الخاصة، والذي يدعو حيه لشراء صور تجمع بين "مارتن لوثر كينغ" و"مالكوم إكس" وكلاهما من أهم الناشطين في مواجهة التمييز العنصري ضد السود في الولايات المتحدة.

وتحتدم الأمور في التتابعات النهائية عندما يتوجه بوجين وراديو رحيم وسمايلي إلى سال معلنين مقاطعتهم للمطعم، ورفضهم لتصرفاته العنصرية، فيكسر كاسيت رحيم، وينتهي الموقف بقدوم الشرطة وقتل الأخير، ثم ثورة سكان الحي على سال.

ملصق ثوري

على الرغم من الاحتفاء النقدي الذي حظي به فيلم "افعل الشيء الصحيح" عند عرضه؛ إلا أنه حصل على بعض النقد السيئ في الوقت ذاته؛ لكن ذلك ليس لأسباب فنية، بقدر ما كان لاختيار "موكي" في النهاية، فقد رأى بعض النقاد "البيض" أن الفيلم يحض على العنف، وأن تتابعات النهاية قد تؤدي لشغب من أصحاب الأصول الأفريقية.

على الجانب الآخر والمثير للسخرية بالفعل من آراء هؤلاء النقاد، أن الفيلم مبني بالفعل على أحداث حقيقية، حيث هناك أكثر من واقعة قامت خلالها الشرطة بقتل مواطنين من ذوي الأصول الأفريقية في أحداث حتى أقل وطأة مما حدث في مطعم سال.

وحتى اليوم، ونحن في عام 2021 حدثت العام الماضي واقعة "جورج فلويد"، الذي قتله أحد أفراد الشرطة تحت قدميه أمام الشهود العيان في عصر الإنترنت، وبدأت من بعدها احتجاجات ومظاهرات من السود والبيض اعتراضا على العنصرية الأميركية المستمرة حتى اليوم، ليأتي هذا البوستر ليعزز من ثورية قرار القائمين على "كان"، الذين لم يختاروا فقط رئيس لجنة تحكيم ذا أصول أفريقية؛ بل كرموا أهم أفلامه بوضعه على الملصق الدعائي للمهرجان.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية