الأدوار الثانوية وأغاني الراديو في سينما عاطف الطيب.. دروس في عبقرية الإخراج

عكست أفلام عاطف الطيب حالة خاصة ومختلفة تحمل أيضا كثيرا من المتعة والإبداع.

عاطف الطيب
عاطف الطيب الملقب بمخرج "الغلابة" وصاحب المدرسة الواقعية الجديدة (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة – أعطى المخرج عاطف الطيب ممثلي الأدوار الثانوية حقهم في النجاح، ولم يغفل المؤثرات الصوتية حيث إن التفاصيل الصغيرة هي الركيزة الأساسية وسر التوليفة الناجحة التي ميزت أفلام الطيب الذي تمكن من أن يحقق نجاحا جماهيريا ونقديا على السواء.

وتمر اليوم 23 يونيو/حزيران الذكرى 26 لوفاته، حيث توفي في عام 1995 بخطأ طبي غير مقصود بعد أن رفض السفر للعلاج في ألمانيا، وقد رحل قبل عرض آخر أفلامه "جبر الخواطر" الذي لم يكن قد انتهى منه بعد، تاركا إرثا سينمائيا جعله واحدا من أهم مخرجي السينما المصرية، على الرغم من قصر مشواره الفني الذي امتد لـ16 عاما منذ أن أخرج فيلمه الأول "سواق الأتوبيس" وأفلام أخرى عمل بها مساعد مخرج مع نهاية الستينيات.

ارتبط اسم الطيب في أفلامه بالاهتمام بالقضايا التي تهم المواطن المصري المهمش الذي يعاني من قهر الظروف المحيطة به.

 

أداء تمثيلي متكافئ

عكست أفلام الطيب حالة خاصة ومختلفة تحمل أيضا كثيرا من المتعة والإبداع، تمكن في التفاصيل أهمها التمثيل، فكان رهانه دائمًا على الممثل الذي يمكن الاستفادة من قدراته التمثيلية، فالتكافؤ على مستوى الأداء التمثيلي كان يشغل الطيب وهو يختار ممثلي الأدوار الثانوية، التي لا تقل أهمية عن الأبطال الرئيسيين للعمل، مهما اقتصر ظهور تلك الشخصيات على مشاهد قليلة.

فإلى جانب النقلة التي تحققت للفنان نور الشريف بتقديمه شخصية حسن الذي يعمل سائقا في "سواق الأتوبيس" 1982 مع الطيب في أول فيلم من إخراجه، استطاع الفيلم أن يقدم شخصيات ثانوية مؤثرة في الأحداث مثل عوني (حسن حسني) الذي حصل في الفيلم على فرصته في تقديم شخصية ثانوية مؤثرة بعد سنوات من الشخصيات الهامشية، ولكن "عوني" أظهر قدراته التمثيلية من خلال الفاسد الذي جاء ليعمل في الورشة وهو لا يملك شيئا ليحقق مكاسب بطرق غير شريفة.

وعوني ليس الشخصية الوحيدة المؤثرة في الأحداث، فأيضا اختيار المنتصر بالله في شخصية "ماهر" ابن خال ميرفت أو زوجة البطل التي رفضته من أجل الزواج بحسن، وبعد عودة ماهر من الخليج يحاول أن يغريها بالمال الذي حققه، إلى جانب المشاهد القليلة للحاج سلطان صاحب الورشة والتي أجبرت الطيب على أن يسند الدور إلى عماد حمدي ليتناسب مع قوة وتأثير الشخصية المحركة للأحداث خلال الفيلم.

الشخصيات الثانوية بطلة الأحداث

شخصية "دندراوي" في فيلم "البدرون" والتي جسدها الفنان جلال الشرقاوي تعتبر أيضا من الشخصيات البارزة في العمل، فالفيلم الذي قدم الشخصيات الرئيسية فيه سهير رمزي وليلى علوي وممدوح عبد العليم، أظهر أيضا شخصيات مؤثرة، ومنها أيضا شخصية الطبيب أو فؤاد خليل، والشيخ قيسون التي قدمها الفنان حسن حسني، والذي أجاد أيضا تقديم الضابط فهيم في "البريء".

وفي فيلم "الهروب" قدم عاطف الطيب الكثير من الأسماء في شخصيات مميزة منها الفنان صلاح عبد الله الذي قدم شخصية المزور، ومحمود البزاوي وأحمد آدم أو الصحفي، فالفيلم أعطى الفرصة لكثير من الممثلين لإظهار قدراتهم التمثيلية التي أهلتهم لاحقا لنيل البطولات والمشاركة في أعمال مميزة، ومنهم الفنان عبد الله مشرف في شخصية "عمران"، وبعدها قدم مع الطيب شخصية فرج الأكتع في فيلم "كتيبة الإعدام" .

 

أفلام عاطف الطيب لم تخل من الفرص التي منحها للممثلين، وهو ما ظهر بوضوح أيضا في فيلم "الحب فوق هضبة الهرم"، الذي كان مساحة لإظهار موهبة الفنان نجاح الموجي وعائشة الكيلاني وعلي الشريف وحنان سليمان، أما فيلم "الدنيا على جناح يمامة" فكان فرصة للممثلين محمد الشويحي وعثمان عبد المنعم.

المؤثرات الصوتية

تعتبر المؤثرات الصوتية أيضا من العناصر المميزة التي لم يغفلها الطيب في أفلامه، بل كان حريصا على أن تكون عنصرا قويا يضيف للمشهد، فصوت قرآن الفجر بصوت الشيخ محمد رفعت يصاحب البطل في رحلته اليومية التي يبدؤها في الرابعة صباحا قبل أن يذهب إلى عمله سائق أتوبيس (حافلة).

وأغنية "وياك" بصوت فريد الأطرش الذي عبّر عن مشاعر البطل تجاه زوجته "ميرفت" التي شعر بحرجه من مظهره سائقا أمام زملائها في الدراسة، وعلاقته المتوترة بزوجته عبرت عنها أغنية عبد الحليم حافظ التي يقول فيها "الدنيا من بعدك مرة".

وكذلك استخدامه صوت نشرة الأخبار في فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" في مشهد شقيقة البطل أحمد زكي وهي تعترض على ما تقرؤه عن الحكومة والمعارضة في الجريدة، واختيار أغنية أم كلثوم "أنت عمري" في مشهد لإقناع البطل أن يتزوج بامرأة تكبره في العمر بعد أن ترك خطيبته رجاء أو آثار الحكيم، ومشهد استحمام البطل وكأنه يتطهر من أخطائه على صوت درس الشيخ محمد متولي الشعراي.

واستخدم أيضا الطيب أغنية "السهرة تحلى" لمدحت صالح مصاحبة لمشهد البطلة ميرفت أمين في فيلم "الدنيا على جناح يمامة" لتعبر عن مشاعر عودتها للوطن بعد سنوات الغربة، وصوت بعض الإعلانات أيضا في المشاهد لتعبر عن المرحلة الزمنية المرتبطة بالفيلم، وهي نماذج استخدم خلالها عاطف الطيب التأثيرات الصوتية لتكون من أبطال المشاهد التي قدمها في أفلامه.

المصدر : الجزيرة