تاريخ فني حافل وجنازة متواضعة.. سيد درويش الذي ذاب عشقا في تراب مصر

سيد درويش صاحب النشيد الوطني الثائر وصاحب النهضة الموسيقية في القرن الـ20

اسطوانة مدمجة بالالحان الوطنية لسيد درويش
سيد درويش صاحب الرحلة الفنية القصيرة وصاحب التأثير الأهم في موسيقى القرن الـ20 في مصر (الجزيرة)

نقل الموسيقى من ألحان "همدانة.. نائمة" إلى لون مختلف ممتلئ بالنشاط والقوة. بذلك وصف الفنان نجيب الريحاني الثورة الموسيقية التي أحدثها موسيقار الشعب سيد درويش، في تسجيل صوتي نادر، تحدث فيه عن الصداقة التي جمعت بينهما، وذلك في أثناء احتفال بذكرى ميلاده في الـ17 من مارس/آذار 1892.

بيئته المحلية

سيد درويش صاحب رحلة فنية قصيرة، إذ توفي وعمره 31 عامًا، لكنه استطاع بغزارة إنتاجه وتنوعه أن يكون صاحب التأثير الأكبر والأهم في الموسيقى في القرن الـ20، متأثرًا ببيئتة المحلية ونشأته في حي كوم الدكة بمدينة الإسكندرية التي أثّرت في تكوينه الفني والثقافي.

وفي مقال لحفيده محمد البحر بعنوان "تاريخ حياة سيد درويش"، قال إن جده امتلك أذنا موسيقية قبل أن يكمل 40 يومًا، فكان ينتبه إلى الموسيقى وهو لا يزال رضيعًا، وكان الذكر الأول لأسرته بعد 3 شقيقات، وقد اهتم كثيرا بالموسيقى، حتى ألحقه والده وهو في الـ5 من عمره بكتاب سيدي أحمد الخياشي.

كما درس في المعهد الديني بالإسكندرية، وبدأ العمل وهو لا يزال في الـ16 إذ تزوج في هذا العمر، واضطر إلى العمل في  فرقة جورج داخور التي كانت تعمل بقهوة إلياس، وبعد حلّ الفرقة اضطر إلى العمل في البناء، وفي أثناء عمله كان سيد درويش يدندن بالألحان، حتى عرض عليه السفر إلى الشام فوافق على الفور، وهي مرحلة بداية توجهه نحو الفن فتعلم أصول كتابة النوتة الموسيقية ولم يكن قد أكمل الـ20 من عمره.

ثورة بالموسيقى

القوة والنشاط في كلمات وألحان سيد درويش لم يكونا على سبيل المصادفة، فميلاده في أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، ووجود حركة وطنية قوية في مصر كان لهما بالغ التأثير في أعماله، فانتقد قرارات الملك فؤاد الأول بأغنيات مثل "الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية"، و"أهو دا اللي صار"، و"شد الحزام"، وامتدت إسهاماته الفنية إلى ثورة 1919 إذ قدم أغنيات شهيرة مثل "قوم يا مصر مصر دايما بتناديك"، و"يا بلح زغلول"، وهو ما منحه لقب "فنان الشعب" الذي استحقه بجدارة، فاختلاطه بالحواري والقرى وتنوعه الثقافي بين الشمال والجنوب جعله الأقرب إلى المصريين في تلك المرحلة.

التنوع

لم تكن السياسة هي الهم الوحيد الذي شغل سيد درويش، فبجانب أعماله الوطنية التي لم تضاهها أي أعمال أخرى في تلك المرحلة، والتي استطاع بها ليس فقط أن يشارك في ثورة سياسية بل أن يحدث ثورة موسيقية بتمرده على اللون الموسيقي السائد في مصر في ذلك الوقت، فقد عبّر فنان الشعب بموسيقاه أيضا عن المجتمع بطريقته التي اتّسمت بالعفوية والبساطة.

فقدم اللون العاطفي في أغان مثل "أنا هويت"، و"زوروني كل سنة مرة"، و"أنا عشقت"، كما شارك مع الفرق الشهيرة آنذاك ومنها فرقة نجيب الريحاني، وقدم كثيرًا من الأوبريتات الغنائية والمسرحيات، فمنذ مجيئه إلى القاهرة عام 1917 وبداية احترافه الفن وحتى وفاته عام 1923 قدم ألحان 22 أوبريت، و17 موشحا منها "يا شادي الألحان"، و"يا بهجة الروح"، و"يا صاحب السحر الحلال"، و50 طقطوقة، والفصل الأول لأول أوبرا كان قد شرع في وضع ألحانها بعنوان "كليوباترا ومارك أنطونيو".

فشل فرقته وسوء الإدارة

ورغم موهبة سيد درويش الكبيرة، فإنه لم يكن موهوبا في الإدارة، فقد كان الفشل مصير الفرقة التي كونها للهرب من المعاملة الاستغلالية لأصحاب الفرق الأخرى، فقدم مع فرقته مسرحيتين هما "شهرزاد" و"البروكة" ومثّل فيهما، لكنه سرعان ما حلّ الفرقة لأن الإقبال عليها كان ضعيفا، وعاد إلى التعاون مع الفرق الأخرى مجددا.

جنازة متواضعة

في منتصف سبتمبر/أيلول عام 1923 كان سيد درويش موجودًا في الإسكندرية من أجل استقبال سعد زغلول العائد من المنفى، وكان قد ألّف نشيدا موسيقيًا بهذه المناسبة حفظه لطلاب وطالبات المدارس، لكنه أصيب بنوبة قلبية فتوفي في منزل شقيقته، وأقيمت له جنازة متواضعة لم يحضرها سوى القليل من الأهل والأصدقاء إذ كان الأغلبية منشغلين بالاحتفال بعودة سعد زغلول.

النشيد الوطني

وأصبح اللحن الأخير الذي جهزه لاستقبال الزعيم العائد هو النشيد الوطني لمصر "بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي" الذي استلهم كلماته من أقوال الزعيم مصطفى كامل.

 

نجوم أعادوا أغنياته

ومع أنه توفي منذ أكثر من 98 عامًا لكنّ نجوم الغناء في مصر والوطن العربي حريصون على إعادة تقديم أغنياته، فقدمت المطربة اللبنانية فيروز أغنية "زوروني كل سنة مرة"، وقدم علي الحجار "أهو ده اللي صار"، وكذلك المطرب محمد محسن الذي يحرص على المشاركة في تقديم تراث سيد درويش في حفلاته الغنائية، فضلًا عن حفيد سيد درويش الفنان إيمان البحر درويش.

المصدر : الجزيرة