جمهور بلا أفلام.. السينما في السودان تقاتل تحديات المجتمع والسياسة

في السنوات الأخيرة تعطلت دور العرض السينمائي بالخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى إما بالإغلاق أو الهدم

أبطال فيلم الست يخاطبون الحضور في سودان فيلم فاكتوري ـ الجزيرة نت
أبطال فيلم الست يخاطبون الحضور في سودان فيلم فاكتوري (الجزيرة)

تأمل الممثلة السودانية رابحة محمد محمود المولودة عام 1947 أن يمتد بها العمر لتخوض تجربتين سينمائيتين على الأقل، في بلد تعاني فيه صناعة الفن السابع بشدة، مما حصر تجربتها في 4 أفلام سينمائية فقط رغم بلوغها 74 سنة.

وأدّت رابحة دور البطولة في الفيلم القصير الذي يحمل اسم "الست"، كما كانت ضمن أبطال فيلم "ستموت في الـ20" الذي حصد عددا من الجوائز المعتبرة.

ورغم البداية المبكرة للسينما في السودان منذ 1940 لكن هذا الضرب من الفنون واجه صعوبات عدة حالت دون انطلاقه.

وبلغ الأمر تقلص دور العرض من نحو 55 دار عرض إلى 20 دار عرض إبان النظام السابق، فضلا عن هجرة السينمائيين السودانيين ونشوء سينما المهجر التي أنتجت أفلاما قصيرة.

وبذهاب الرقابة المشددة التي سبق أن منعت الفيلم التسجيلي القصير عن الحياة البرية "لأن أرداف النعامة موحية"، حسب تقرير رسمي، ما زالت ثمة عوائق بعد الثورة حالت أيضا دون عرض فيلم "ستموت في الـ20" للجمهور في السودان.

سينما السيارات في مهرجان الفيلم السوداني الأوروبي ـ منصات تواصل
سينما السيارات في مهرجان الفيلم السوداني الأوروبي (مواقع التواصل الاجتماعي)

نضال مضن

ويناضل المهتمون بالسينما في السودان لإحياء النشاط السينمائي بعد عقود من الإهمال أصابت هذه الصناعة ودور العرض في محاولة للاستفادة من الأجواء التي وفرتها الثورة، وهم يأملون من السلطة والقطاع الخاص إيلاء الدعم اللازم.

ويقول طلال عفيفي، منتج سينمائي ومؤسس "سودان فيلم فاكتوري"، إنهم محبوسون في مثلث من العوائق التي تحول دون تطور السينما السودانية.

ويشرح -في حديث للجزيرة نت- أن السينما من القطاعات التي يصعب أن تموّل من رجال الأعمال، ولا توجد أموال مرصودة من الحكومة، كما أنها تعاني غياب البنية التحتية المتعلقة بالأستديوهات ودور العرض والكاميرات والمعدّات، فضلا عن انعدام التعليم السينمائي في معاهد متخصصة.

ويضيف أنهم للتغلب على هذه العوائق والاستمرار في النشاط اتجهوا نحو بدائل لا تمثل وضعا مثاليا، "مثل الاضطرار إلى عرض الأفلام في قاعات غير ملائمة، وإرسال الدارسين إلى الخارج، وخوض تجارب الإنتاج مع شركاء أجانب".

طلال عفيفي مؤسس سودان فيلم فاكتوري والممثلة مهاد مرتضى بطلة فيلم الست ـ الجزيرة نت
طلال عفيفي مؤسس سودان فيلم فاكتوري والممثلة مهاد مرتضى بطلة فيلم الست (الجزيرة)

أموال جبانة

وتقول الممثلة رابحة محمد محمود إنها تمكنت من خوض 4 تجارب سينمائية فقط لأن "رأس المال في السودان ضعيف وجبان، إذ يتجه كثيرون فقط للاستثمار في الأكل والشرب والسيارات".

وتنصح -في حديثها مع الجزيرة نت- رجال الأعمال بالاتجاه نحو الإنتاج السينمائي، لأن الربحية فيه عالية جدا إذا أُنتجت الأفلام بالطريقة الصحيحة.

وتشير إلى أن فيلم "ستموت في الـ20" الذي كانت إحدى أبطاله، حصل في أول ضربة على كمّ من المال من جائزة أسد المستقبل من مهرجان البندقية فينيسيا السينمائي الدولي وسدد كل خسائره، ثم حصل على 50 ألف دولار بفوزه بالنجمة الذهبية في مهرجان الجونة.

وتقول إنها تتحسّر على تعطل السينما بالسودان، وتأمل أن ترى في حياتها كل دور السينما تعمل وتعرض أفلاما سودانية، وأن يسعفها الزمن لخوض تجربة أو تجربتين سينمائيتين.

وفي السنوات الأخيرة تعطلت دور العرض السينمائي بالخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى إما بالإغلاق أو الهدم أو تغيير غرض المباني، ومسّ ذلك دورا عتيقة مثل سينما كلوزيوم بالخرطوم والسينما الوطنية بالخرطوم بحري.

شاشة العرض في سودان فيلم فاكتوري ـ الجزيرة نت
شاشة العرض في سودان فيلم فاكتوري (الجزيرة)

محاولات حكومية

ثمة محاولات حكومية للنهوض بقطاع السينما لكن الاهتمام الحكومي ما زال ضعيفا، وقد تغيّب أحد أعضاء مجلس السيادة الانتقالي حين دُعي لعرض خاص نظمته مؤسسة "سودان فيلم فاكتوري" أمسية السبت الماضي.

وعُرض فيلمان قصيران هما "الست" الحائز جائزة "كانال بلس" (Canal plus) بمهرجان كليرمون فيران بفرنسا، و"حفنة تمر" الحائز جائزة الامتياز في مهرجان (Best Shorts Competition) وجائزة مهرجان (International Digital Film Festival)، فضلا عن اختياره للمشاركة في مهرجانات أخرى.
لكن ثمة بارقة أمل يتمسك بها المهمومون بصناعة السينما تتمثل في خطط حكومية لإعادة تأهيل دور عرض وإجازة قانون جديد للسينما.

وقال وكيل أول وزارة الثقافة والإعلام الرشيد سعيد يعقوب لدى تشريفه فعالية "سودان فيلم فاكتوري" إن ثمة مشروعا لإعادة تأهيل 16 دار عرض في العاصمة والولايات عن طريق وكالة التنمية والتعاون الفرنسية. وأكد أن الوزارة تأمل إجازة مشروع خاص بدور السينما في يونيو/حزيران المقبل.

ويقول طلال عفيفي إنهم في "سودان فيلم فاكتوري" يهتمون بمنحى أشمل بأن تضع الوزارة سياسة ثقافية كاملة من ضمنها قوانين تكفل إعفاء مدخلات الإنتاج من الضرائب والجمارك.

سينما السيارات

وكدليل على الصعوبات التي تواجه السينما بالسودان لم يتمكن السودانيون حتى الآن من التمتع بفيلم "ستموت في الـ20" بعد أن راج أنه تعرض للمنع من جهة ما.

ويقول مخرج الفيلم أمجد أبو العلا "هو ليس منعا واضحا بمعنى المنع، بل تلكّؤ وسيطرة لعدد قليل من دور العرض. مطلوب تغيير القوانين وإلزام هذه الدور بتسهيل عرض الأفلام السودانية، وتشجيع رجال الأعمال لإنشاء دور منافسة".

وحسب طلال عفيفي، فإن لجنة المصنفات أجازت الفيلم، ورسميا لا يوجد ما يفيد المنع لكن سودان فيلم فاكتوري كجهة عرض كانت خياراتها محصورة في قاعتي الصداقة ومول عفراء لتوفر معايير الصوت المطلوبة، بيد أن الإغلاق المتكرر بسبب كورونا والصيانة حالا دون عرض الفيلم للجمهور.

ولم يجد وكيل وزارة الثقافة والإعلام سوى الاعتذار مما أسماه "الفشل" في عرض الفيلم قائلا إن جائحة كورونا ليست سببا كافيا لعدم عرضه حتى الآن.

وإزاء قلة دور العرض وقلة المنتج من الأفلام السودانية تقول مهاد مرتضى التي اختبرت السينما لأول مرة في فيلم "الست" إنها تتمنى سينما تعبّر عن السودانيين، وأن تذهب الأسر كل نهاية أسبوع لمشاهدة أفلام سودانية.

وضمن محاولات بثّ الروح تحايل مهرجان الفيلم السوداني الأوروبي على جائحة كورونا بتنظيم عروض لما سمّاها "أول تجربة لسينما السيارات بالسودان".

وحتى 4 مارس/آذار ستعرض على مسرح معرض الخرطوم الدولي الذي تصطف السيارات والجمهور بداخله، أفلام عدة منها الفيلم السوداني "ظلال في الظلام".

المصدر : الجزيرة