هل يستطيع ماجد الكدواني وحده إنقاذ فيلم "برا المنهج"؟

الفيلم المصري "بره المنهج"
ارتكز "برا المنهج" بصورة كبيرة على كاريزما بطليه ماجد الكدواني والطفل عمر شريف (مواقع التواصل)

بعد عرضه في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بالسعودية، بدأ عرض فيلم "برا المنهج" للمخرج المصري عمرو سلامة بصورة تجارية، وهو أحدث أعماله بعد مسلسل "ما وراء الطبيعة" الذي عُرض في 2020 على منصة "نتفليكس" (Netflix)، وقد كان آخر أفلامه السينمائية هو "شيخ جاكسون" إنتاج 2017.

عاد سلامة في فيلم "برا المنهج" إلى مجموعة من الثيمات التي يحاول عبرها بناء لغته السينمائية، ولكن في ظل سوء حظ كبير، أو بشكل أدق سوء تخطيط من شركة التوزيع، صدر الفيلم في ذات الأسبوع الذي عرض فيه فيلم "سبايدرمان: لا طريق للوطن" والذي استحوذ تقريبا على كل إيرادات الشباك في دور العرض السينمائية المصرية والعالمية أيضا، ما أدخل فيلم "برا المنهج" في مثلث برمودا للأفلام المصرية التي تدخل وتخرج من الموسم السينمائي بدون أن يشعر بها الجمهور.

لكن بعيدا عن الموعد غير الملائم للعرض والمنافسة غير المنطقية، السؤال الذي يعرض نفسه هل لو عُرض "برا المنهج" في أي توقيت آخر أو موسم سينمائي ملائم كان سينافس بالفعل على شباك التذاكر؟

ظلُّ فيلم "لا مواخذة"

من أهم أعمال عمرو سلامة فيلم "لا مؤاخذة" إنتاج 2014 وبطولة الطفل -في ذلك الوقت- أحمد داش وكندة علوش، الذي تدور أحداثه حول طفل مسيحي من طبقة مرفهة، يضطر إلى ارتياد مدرسة حكومية بعد وفاة والده المفاجأة، وفيها يضطر إلى التعرف على عالم مختلف والاشتباك مع طبقات أخرى من المجتمع لم يتخيل وجودها، مع إخفائه لدينه خوفا من تنمر زملائه.

أطلق هذا الفيلم مسيرة داش التمثيلية، وثبت أقدام عمرو سلامة كثالث فيلم روائي طويل له، وفي "برا المنهج"، يحاول العودة مرة أخرى إلى فلك ذات النجاح، بفيلم يدور مرة أخرى في عالم الأطفال القاسي، حيث نتعرف هذه المرة على الطفل اليتيم نور، الذي يعيش في إحدى القرى في السبعينيات أو نهاية الستينيات من القرن الماضي.

يكافح كل يوم ليحظى باحترام مدرسيه وزملائه في الفصل الذين يتنمرون عليه لفقره الشديد، وضعف نظره ورائحة الطرق السيئة التي يمر عليها خلال رحلته الطويلة للمدرسة التي تلتصق بملابسه، ولا يجد أمامه حلا سوى استغلال معرفته بحقيقة الشبح المختفي في القصر أمام المدرسة، وهو رجل وحيد يخيف الأطفال منعا لفضولهم، فيخبر نور الجميع أنه الوحيد الذي يستطيع التعامل مع الشبح حتى تنمو بينهما علاقة تبدأ في تغيير حياة كل منهما.

الوضع في "برا المنهج" اختلف، أو يمكن أن نقول اختل، فالقصة في "لا مؤاخذة" تركز على معاناة الطفل الصغير مع التنمر ومفارقات الاختلاف بين المدرسة القديمة والجديدة، بينما في فيلم "برا المنهج" لم تكن واضحة، فلا يعلم المشاهد هل المراهق الصغير نور هو بطل الفيلم الذي نتابع رحلته لكسب الاحترام، أم الشبح أو الرجل المتخفي في ملابسه الذي يهرب من المجتمع؟

ولم يفلح عمرو سلامة بهذه الحيرة في تقديم أي عمق للشخصيتين، بل ظل هناك تراوح بين الرحلة الفردية لكل منهما، واللقاءات بينهما، بالإضافة إلى تشتيت الانتباه بمشاهد دخيلة، لقصص يحكيها الشبح لنور ليخفف عليه مصاعب حياته مستقاة من التاريخ المصري، منفذة بشكل كاريكاتيري، في محاولة فرض المزيد من العالم الطفولي على الفيلم، لكنها في الحقيقة أفسدت إيقاعه تماما وزادت من فوضاه.

خليط من كل شيء

حاول عمرو سلامة تقديم القليل من كل شيء فأنتج في النهاية خليطا غير منسجم. فانتقل من التنمر إلى العنف المنزلي ضد النساء والأطفال، والفقر، ثم غياب الأب المتمثل في والد الطفل نور، أما الإذاعي أو الشبح فقد زاد هذه الفوضى عندما أدخل خطا سياسيا بلا منطق إلى الأحداث، ما بين القصص المختلقة التي يحكيها لنور أو قصته الشخصية كإذاعي لفظه المجتمع بعدما خدع الجميع خلال نكسة عام 1967 عندما أذاع بيانات مغلوطة عن انتصار الجيش المصري، بلا أي منطق حقيقي يجعل هذا الشخص يدان من الأساس، في ظل كونه يذيع بيانات رسمية صادرة عن الدولة.

وفي ذات الوقت ارتكز الفيلم بصورة كبيرة على كاريزما بطليه ماجد الكدواني والطفل عمر شريف، والانسجام بينهما، وخفة الظل التي تنتج عن المفارقات بسبب خوف الأطفال من الشبح وتعامله الخاص مع نور، لكن في الحقيقة كل ذلك لم يكن كافيا لحل فوضى السيناريو، لأن مع هذه الحالة ليس أمامنا سوى مقاطع منفصلة قد تكون مضحكة لكنها غير كافية لتقديم فيلما كنسيج واحد.

هذا بالإضافة إلى الشخصيات الفرعية التي لم يتم التأسيس لها أو توضيح الداعي لوجودها، مثل معلمة الموسيقى التي تساعد نور، أو ابنة الإذاعي الشهير التي تظهر من العدم وتقرر هدم منزل والدها ولا تصدق بوجوده.

لذلك من بين أفلام عمرو سلامة السابقة يعتبر فيلم "برا المنهج" هو الأضعف سينمائيا، فلم يستطع تقديم عالم المراهقة والشباب كما في "شيخ جاكسون"، أو الطفولة مثلما حدث في "لا مؤاخذة"، هو فيلم حائر بين الأفكار والأهداف المختلفة، لم يستطع التمثيل إنقاذه أو حتى نوستالجيا الماضي التي كثيرا ما يلجأ إليها المخرج لإضفاء طابع خاص على أعماله.

المصدر : مواقع إلكترونية