قوائم سود وخيانات للصداقة.. تاريخ معقد بين سينما هوليود والعاصمة واشنطن

خلال الحرب العالمية الثانية انغمست صناعة الأفلام في المجهود الحربي، وعملت جنبا إلى جنب مع إدارة الرئيس روزفلت لإنتاج أفلام تدريبية للجيش، وأفلام وطنية للجماهير الغفيرة في المنازل.

epa03065609 A photo of the Hollywood sign in Hollywood California , USA, 01 November 2007. Two Los Angeles dog walkers made a grisly discovery when they found a severed head underneath the famous
بين عامي 1911 و2017 تلقى أكثر من 800 فيلم روائي دعما من وزارة الدفاع الأميركية (وكالة الأنباء الأوروبية)

لطالما كانت الحكومة الأميركية وهوليود مقربتين، وكانت واشنطن العاصمة مصدرا لحبكات مثيرة لصانعي الأفلام، لكن ما مدى الترابط بينهما؟ الإجابة هي أن الترابط بينهما كبير جدا، فالعلاقة بين الأمن القومي للولايات المتحدة وهوليود أعمق بكثير مما يعتقد أي شخص.

منذ عام 1948 أنشأ البنتاغون مكتب اتصال ترفيهيا، ثم أنشأت وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" (CIA) مكتبا مشابها عام 1996، كان للمكتبين دور ورقابة على النصوص المكتوبة، إذ كانا يطلبان أحيانا تغييرات في النص لتلائم السياسة الأميركية، كما كان لهما دور في التواصل مع صناع الأفلام عند استخدام المواقع الحربية والمعدات مثل حاملات الطائرات والغواصات الحربية وما إلى ذلك.

تظهر الوثائق التي نشرت من خلال قانون حرية المعلومات الأميركي، أنه بين عامي 1911 و2017 تلقى أكثر من 800 فيلم روائي دعما من وزارة الدفاع الأميركية، وهو رقم أعلى بكثير مما أشارت إليه التقديرات السابقة.

ومن ضمن هذه الأفلام "ترانسفورمرز" (transformers) و"آيرون مان" (iron man) و "ذا تيرمنيتور" (the terminator)، من جانبها ساهمت وكالة الاستخبارات الأميركية في 60 عرضا سينمائيا وتلفزيونيا منذ نشأتها في عام 1947، وهو رقم أقل كثيرا من مساهمات وزارة الدفاع، لكن يبقى لها دور مهم.

مزاج متغير

خلال الحرب العالمية الثانية، انغمست صناعة الأفلام في المجهود الحربي، وعملت جنبا إلى جنب مع إدارة الرئيس روزفلت لإنتاج أفلام تدريبية للجيش، وأفلام وطنية للجماهير الغفيرة في المنازل، وبعد انتهاء الحرب تغيّر المزاج في هوليود وواشنطن.

مع ظهور جلسات الاستماع المناهضة للشيوعية في لجنة مجلس النواب للأنشطة غير الأميركية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وصلت مذكرات الاستدعاء إلى جميع أنحاء هوليود، وطالبوا العديد من شخصيات هوليود، سواء المشهورين على الشاشة أو العاملين وراء الكواليس، بالحضور إلى واشنطن للإدلاء بشهادتهم حول علاقاتهم الشيوعية الماضية والحالية، الأمر الذي اعتبره العديد من أهل هوليود معارضة خطيرة للحريات المدنية.

بدءا من ظهور ما أطلق عليه "الرعب الأحمر" في أواخر الأربعينيات من القرن  الماضي، انقسمت هوليود إلى أولئك الذين تعاونوا مع تحقيقات الكونغرس وأولئك الذين لم يتعاونوا، إما رفضا لمبدأ التعاون من الأساس، وإما لأنهم لم يتخلوا عن ماضيهم الشيوعي.

في ذلك الوقت قضى 10 من كتاب ومخرجي هوليود عاما في السجن الفدرالي بتهمة ازدراء الكونغرس، وكانت جريمتهم "رفض إخبار اللجنة بحقيقة انتمائهم إلى الحزب الشيوعي"، وبعد إطلاق سراحهم وجد بعضهم عملا في أوروبا أو عملوا في أفلام دون الحصول على الأجور المناسبة، ثم ظهرت قوائم سودٌ للأشخاص المشتبه في كونهم شيوعيين، وفي بعض الحالات كان ثمن الاستمرار في العمل هو خيانة الصداقة، وأخرجت تلك القوائم العديد من الشخصيات عن مسارها المهني الناجح في هوليود.

ميدان- صناعة الأفلام
العلاقة بين الأمن القومي للولايات المتحدة وهوليود قوية جدا (مواقع التواصل الاجتماعي)

السرد القصصي والسياسة

عندما ألقى الرئيس الأسبق باراك أوباما خطابه الرئيسي في مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 2004، وهو الخطاب الذي وضعه على أول الطريق للبيت الأبيض، قدم سردا لحياته، وتحدث عن نشأة والده في كينيا وعن والدته المولودة في كانساس، وعن حبهما القوي وتقاسمهما الإيمان العميق بإمكانيات أميركا.

قال أوباما "أقف هنا مدركا أن قصتي جزء من القصة الأميركية الأكبر"، أكمل ويداه ممدودتان نحو الجمهور والكاميرا "أنا مدين لجميع من سبقوني، هذه القصة غير ممكنة في أي بلد آخر على وجه الأرض".

لم يكن تكراره لفكرة القصة من قبيل الصدفة، فالسرد القصصي والسياسة متشابكان جدا، حيث يستخدم المرشحون السرد للتعريف بأنفسهم وشرح العقبات التي تغلبوا عليها، ولماذا هم الأشخاص المناسبون للمناصب؟ يحكي القادة قصص البشر العاديين لتحفيز الشعوب وتحويل الأفكار غير الملموسة إلى قصص واقعية، ويقدم الشعبويون تاريخا انتقائيا للبلاد، ويتخيلون مستقبلا مجيدا، حتى الشخصيات السياسية التي تتجنب الخطاب الراقي النبيل مثل دونالد ترامب، يستخدمون الحكايات لتحفيز المستمعين.

مشاهير السياسة في عالم الفن

تبقى العلاقة بين رواية القصص والسياسة قوية وخاصة في أميركا، حيث وصل الممثلون ونجوم تلفزيون الواقع إلى أعلى المناصب في البلاد، فقد لعب رونالد ريغان أدوار البطولة في أفلام الغرب الأميركي وأفلام الحرب والكوميديا، قبل الانتقال من لوس أنجلوس إلى واشنطن، وكان يعرف بالمحاور العظيم بسبب لغته الواضحة وقدرته الكبيرة على التحدث أمام الحشود.

يذكر أن ستيفن منوشين وزير الخزانة في عهد ترامب قد عمل في إنتاج وتمويل الأفلام، وينسب إليه الفضل كمنتج تنفيذي في أفلام مثل "ليغو موفي" (lego movie) و"إيج أوف تومورو" (edge of tomorrow) و"أميركان سنايبر" (American sniper)، كما اعتبر ستيف بانون نفسه محركا لصناعة السينما قبل أن يصبح رئيس الحملة الانتخابية لدونالد ترامب وكبير مستشاريه للشؤون الإستراتيجية.

وفي الآونة الأخيرة زاد اتجاه السياسيين للعمل في مجال الترفيه، فقد أسس أوباما وزوجته شركة إنتاج وأطلقا عليها اسم "هاير غراوند"، أنتجت الشركة العديد من الأفلام الوثائقية بالتعاون مع "نتفليكس" (Netflix)، وفي عام 2020 انضم جون كيري وزير خارجية أوباما إلى شركة كونتنت للإنتاج بصفة مستشار أول ومنتج تنفيذي، كما أنشأت هيلاري كلينتون مشروعها الخاص "هيدين لايت بروداكشن" (hiddenlight productions) الذي أصدر سلسلته الأولى بعنوان "إذا كان بإمكاني إخبارك بشيء واحد فقط" الذي عرض في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي على "يوتيوب" (YouTube).

تستمر كلينتون في التأكيد على أفكارها النسوية ومؤهلاتها كشخص مناصر للمرأة، فهي تسعى من خلال اختياراتها الإنتاجية إلى تعزيز تلك الفكرة عنها، بالإضافة إلى محاولة التأثير في مشاعر المشاهدين.

ترتيب مفيد للطرفين

يبدو أن هذا التبادل مفيد للطرفين، فمن الجيد أن يحصل صناع الأفلام على تمويل لأعمالهم من شخصية شهيرة بكل ما تملكه من سلطة وتأثير، كما يمكن للمشاهير الذين يتحولون إلى صناعة السينما والترفيه أن يستمروا في الدفاع عن القضايا التي تهمهم بعد ترك مناصبهم، بالإضافة إلى كونها فرصة مناسبة لبقائهم في دائرة الضوء.

المصدر : الجزيرة