جاسوس أم بطل قومي.. وثائقي جديد عن حقيقة أشرف مروان؟

أشرف مروان
فيلم "الملاك" تناول القصة الحقيقية لتورط أشرف مروان مع الموساد ودوره في حرب أكتوبر (مواقع التواصل)

حسام فهمي

هل كان أشرف مروان جاسوسا لإسرائيل أو كان بطلا قوميا، وهل قدم الرجل لإسرائيل معلومات كافية لإنقاذها من مفاجأة حرب 1973، أو أنه خدعهم بإخفاء موعد الحرب الحقيقي وبذلك منح الفرصة للمصريين في استعادة أرضهم؟

كل هذه الأسئلة تتجدد مرة أخرى مع عرض الفيلم التسجيلي المعنون "الجاسوس الذي سقط على الأرض" (The Spy who fell to Earth)، من إخراج وكتابة "توم ميدمور" الذي تدور أحداثه عن العلاقة التي جمعت الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي "أرون بريجمان" بأشرف مروان، وكيف استطاع بريجمان أن يكشف شخصية الجاسوس المثالي الذي كان يتم ذكره في الكتب التي ألفها كبار رجال الموساد عن الفترة التي سبقت حرب أكتوبر.

في تقريرنا اليوم نحاول أن نقدم الإجابات التي احتوى عليها هذا الفيلم، كما سنقارن أيضا بين محتواها وبين الفيلم الروائي الذي أطلقته نيتفلكس في نهاية عام 2018 والذي حمل اسم "الملاك" (The Angel) ودارت أحداثه أيضا عن القصة الحقيقية لتورط أشرف مروان مع الموساد، ودوره في حرب أكتوبر، الذي يعتبره المصريون والإسرائيليون أحد أبطالها، كلٌّ على طريقته.  

جاسوس أم عميل مزدوج.. إسرائيل تحسم روايتها
يقدم هذا الفيلم التسجيلي شهادات حقيقية غاية في الخطورة، كونها صادرة عن ضباط سابقين بالموساد، يتفق معظمهم أن أشرف مروان كان أفضل جاسوس حصلت عليه إسرائيل طوال تاريخها.

على الرغم من هذا فإن المؤرخ "أرون بريجمان" يبدو مقتنعا وحتى النهاية أن مروان كان عميلا مزدوجا، وأنه قد أخفى موعد الحرب الحقيقي عن إسرائيل نتيجة تعليمات صادرة من الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، ويستلهم بريجمان هذه النظرية من خلال تواصله مع مدير الموساد في الفترة التي سبقت حرب أكتوبر وهو "إيلي زعيرا" الذي ما زال مؤمنا حتى اليوم أن مروان كان عميلا مزدوجا.

ما يؤكد عليه الفيلم في هذه النقطة هو أن هذا الخلاف قد تم حسمه داخل الموساد لصالح وجهة النظر التي تؤكد أن مروان كان عميلا مخلصا لإسرائيل، حيث إن زعيرا قد واجه الضابط "زميرا" وهو الضابط الخاص بالتواصل مع أشرف مروان في الفترة التي سبقت حرب أكتوبر، وذلك من خلال محاكمة داخلية في الموساد، تم إعلام نتائجها في النهاية ضد زعيرا، الذي لم يهتم بالقدر الكافي بالمعلومات الثمينة التي قدمها مروان لإسرائيل.

على الرغم من ذلك يظهر الفيلم استمرار إيمان "بريجمان" بإخلاص مروان لمصر، وتواصله معه في الأيام الأخيرة التي سبقت سقوطه من شرفة منزله في لندن، وذلك من خلال مقاطع صوتية لمكالمات هاتفية أبدى فيها مروان خوفه على حياته نتيجة ما ينشره الإسرائيليون عنه.

لأن الملاك لم يكن ملاكا
نقطة الاختلاف الأكبر إذن بين هذا الفيلم الوثائقي وبين فيلم "الملاك" الذي أنتجته نيتفلكس وقام بصناعته فنانون إسرائيليون، أن هذا الفيلم يظهر مروان عميلا مخابراتيا، ربما عمل لصالح إسرائيل مقابل المال، وربما تلاعب بإسرائيل نتيجة تعليمات مصرية، في حين أن فيلم "الملاك" يظهر مروان وكأنه ملاكا قد قرر بدافع شخصي أن يتلاعب بمصر وإسرائيل ليجبرهما في النهاية على الوصول لاتفاقية سلام.

نقطة الاختلاف الأخرى أيضا أن هذا الفيلم لا يغفل وجاهة الطرح الذي يتبنى وجهة نظر أن مروان ربما حصل على تعليمات من السادات بالتواصل مع الإسرائيليين، حيث إن صناع الفيلم ورغم رفض السلطات المصرية للتواصل معهم، وانسحاب أسرة مروان من التصوير بعد إبدائها موافقة سابقة، قد ذكروا وجهة النظر تلك من خلال تصريحات سابقة على لسان "منى عبد الناصر" زوجة مروان، ومن خلال بعض المؤرخين المصريين.

والآن: أين الرواية المصرية؟
يبدو السؤال الآن موجها للسلطة المصرية، للإفراج عن المعلومات التي في جعبتها، والتي قد تشكل رواية مغايرة لما يطرحه الجانب الإسرائيلي، هكذا يختتم الصحفي والمؤرخ المصري "خالد فهمي" تصريحاته من خلال هذا الفيلم الوثائقي.

يبدو الأمر غريبا للغاية ولكنه يبدو متصلا بعدم إيمان السلطات المصرية بمبدأ الشفافية وحرية تبادل المعلومات، ولكن هذا المبدأ لم يعد مجديا اليوم، خصوصا في مثل هذه القضايا التي يتم طرحها بمنتهى الشفافية من أطراف أخرى.

وقد تحمل الرواية المصرية عناصر تغير المعادلة بالكامل، تلك الرواية التي لا نملك منها بشكل رسمي الآن سوى مقطع فيديو يظهر تكريم السادات لأشرف مروان في مراسم غير معلنة عقب حرب أكتوبر، بالإضافة لتصريح الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عقب وفاة أشرف مروان، والذي تضمن شهادة مبارك أن هذا الرجل قد قدم خدمات جليلة لمصر لكن الوقت لم يحن بعد للكشف عنها.

يستمر الغموض رغم كل هذا، الغموض الذي أحاط بهذا الرجل في حياته وحتى مماته، والذي حدث بطريقة مشابهة جدا لوفاة عدد من المشاهير المصريين في لندن خلال فترة حكم مبارك، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الفنانة الكبيرة سعاد حسنى…

ويبدو السر الآن إذن بين يدي مبارك، فهو من حضر مراسم تكريم مروان من السادات بصفته نائبا للرئيس، وهو من صرح أيضا بوطنيته حين وفاته، فهل يمكن أن يخبرنا مبارك بالرواية المصرية يوما ما؟!

المصدر : الجزيرة