في وداع أسطورة التنورة بمصر.. ليلة خروج الفن على المعاش

Nagwan Lithy - الراقص الأشهر بالفرقة يعتزم تأسيس فرقة خاصة بعد تقاعده (الجزيرة) - في وداع أسطورة التنورة .. ليلة خروج الفن "على المعاش"
"عم عادل" الراقص الأشهر بفرقة التنورة يعتزم تأسيس فرقة خاصة بعد تقاعده (الجزيرة)

شيماء عبد الله-القاهرة

مئات تكدسوا أمام الباب القديم لقصر الغوري، حيث الوداع الأخير لأسطورة الصاجات، الرجل الذي رقص فأدار العقول، وضرب بصاجاته العريضة فتعلقت به القلوب، "عم عادل" الاسم الأشهر في فرقة التنورة، بقصر ثقافة الغوري بالقاهرة، الفرقة التي تأسست على كتفيه منذ عام 1987، واليوم يغادرها ليعلن مسرح التنورة أن رقصته تلك هي الأخيرة، وأصوات صاجات عم عادل لن تصدح مجددا داخل القصر الأثري، وأن الأربعاء 13 مارس/آذار هو "يوم طلوعه على المعاش".

سيارة أمن مركزي، وشرطة النجدة، حاصرت الحاضرين ممن تقاطروا على قبة الغوري، ليلجوا للحفل الأخير، المقاعد الشاغرة في أغلب الأحيان امتلأت عن آخرها، وضاقت الأرض بما حملت من محبي الرجل ذي الجلباب الأبيض، الدائر في الملكوت، والمسبح بحمد النعم، التف حوله المريدون من مشارق الأرض ومغاربها، منهم من أتى سائحا، ومنهم من أتاه مقبلا، في الليلة الأخيرة يهيمون شوقًا لجلسة في حضرة البهجة، ولليلة في ظلال التجلي، ولساعة أخيرة في رحاب "عم عادل لاعب الصاجات".

‪لأكثر من ثلاثة عقود ظلت فرقة التنورة قائمة على أكتاف عام عادل‬ (الجزيرة)
‪لأكثر من ثلاثة عقود ظلت فرقة التنورة قائمة على أكتاف عام عادل‬ (الجزيرة)

ليلة تقاعد الفن
"أنا لن أعتزل ومفيش فن بيطلع معاش"، يتحدث عم عادل للجزيرة نت مؤكدا أن ليلة الأربعاء الأخير يعتبرها من أسعد لياليه على مسرح قصر ثقافة الغوري، وأنه لم يتوقع ذلك الحشد الهائل من الناس والمحبين، الذين قدموا من كل مكان لتوديعه، "يمكن سأودعكم اليوم، لكنني سأعود مرة أخرى". مؤكداً عزمه على تأسيس فرقة خاصة.

ستون عاماً أتمها عادل، لا تفارقه الصاجات منذ كان عمره تسع سنوات، شُغف مع والده بحب التنورة، واستكمل فيه إرثه من أبيه، بخفة ورشاقة هائلة يدور في فلك فتيان التنورة، تميل ذراعاه للشمال واليمين، لأعلى ولأسفل، يضرب الصاجات بقوة، أو يدغدغها بحنان، في كل الحالات ينجح عادل في أن يبهر متفرجيه، يرسل له الأطفال إشارات القلوب، ويشجعه الكبار بعبارات الثناء "اشجينا يا أسطى"، يستجيب الرجل الستيني لمطالب الحضور، يدور ويدور، يعرف متى يتقدم للأمام ومتى يتراجع للخلف؛ ليسمح لغيره بالتقدم"، أوصيكم لا تتركوا الفرقة تعالوا كل أربعاء لتستمتعوا بالتنورة، سأبقى معكم وبينكم لكنني لن أقف على المسرح".

الرقصة الأخيرة
من مصر الجديدة لبت دعوته السيدة أمينة، تزور حفلته كل أربعاء، تأنس بصخب صاجاته، وتنتشي من بهجة صاحب الصاجات، منذ عشر سنوات لم تفوت موعدا، اليوم موعدها الأخير، حرصت على توديعه بالصور التذكارية، يعرفها بالاسم، فهي ابنته، كما يلقب العديد من الحضور، كلهن بناته، وجميعهم أبناؤه، فهم "عِشرة العمر" وصحبة التنورة ومحبوه.

‪رقصة فرقة التنورة بقصر ثقافة الغوري بالقاهرة‬ (الجزيرة)
‪رقصة فرقة التنورة بقصر ثقافة الغوري بالقاهرة‬ (الجزيرة)

يقول عم عادل "كل واحد من هؤلاء هو عم عادل الاسم الأشهر في فرقة التنورة، بقصر ثقافة الغوري بالقاهرة، واليوم يغادرها ليعلن مسرح التنورة أن رقصته تلك هي الأخيرة وله دين في رقبتي، هم من صنعوا اسم عادل يوسف.. أشعر الليلة وكأنني أم كلثوم على مسرحها حين كانت الجماهير تهتف لها عظمة على عظمة يا ست".

رغم الغياب المتوقع ومظاهر الحزن المخيم على الجميع، فإن الضحكة لم تغادر وجه "عم عادل"، وبقيت ابتسامته وحركاته الصاخبة وتحياته المداعبة لجمهوره تنهمر طيلة الحفل، حتى شارفت الليلة على الانتهاء، فنزل الأسطورة العجوز عن المسرح قبل الفقرة الأخيرة، أشعل سيجارته ونفث دخانها في كواليس القبة لآخر مرة، استراح على السلم الحجري، وأتاه راغبو التصوير يلتقطون الصور التذكارية مع صاحب الليلة، لكن عينيه كانت ترقب كل شيء، تتجول وحدها في أرجاء المكان.

كأنه يودع كل جزء من المسرح، فيقول "أنا عشت في هذه القبة أكتر مما عشت في بيتي، فراق الأحبة مرير، وكذلك المسرح والناس"، ثم يسترد الضحكة قائلاً "لا لن أفسد الليلة على الناس.. سأعود بالتنورة مرة أخرى"، يعتلي المسرح للحظات الوداع، كم هي ثقيلة تلك اللحظات، لكنه كان قادرا على أن يتخطاها ببهجته الحاضرة، ودعواته باستمرار مؤازرة فرقة التنورة طيلة أكثر من ٣٢ عاما على مسرح القبة العتيق.

المصدر : الجزيرة