ذكرى أكتوبر.. السينما المصرية من الحرب ضد إسرائيل للحرب على الإرهاب

فيلم الممر
يمكن تصنيف فيلم "الممر" كإعادة إنتاج لفيلم "أغنية على الممر" لكن بصورة مختلفة (مواقع التواصل)

حسام فهمي 

يرى بعض المؤرخين أن الجيش المصري من أقدم الجيوش النظامية التي عرفتها البشرية منذ آلاف السنين حينما صنع الفراعنة جيشهم الأول، وصولاً لعهد محمد علي حينما بدأ نظام التجنيد والذي تطور عبر السنين ليصل إلى ما يعرفه المصريون اليوم. 

ولكل جيش عدو كما هو معلوم بالضرورة، هذا العدو كان بلا شك "الكيان الصهيوني المحتل" منذ حرب 1948، مروراً بأكبر حربين في تاريخ مصر المعاصر وهما "نكسة 1967″ و"حرب أكتوبر 1973". 

تربت أجيال كثيرة على أفلام ومسلسلات تؤرخ لهذا الصراع وهذه العداوة، لكن محللين يرون أن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً ملحوظاً في أولويات الجيش المصري وصورته لدى الشعب، فقد تحول الخطر الرئيسي في مخيلة الجماهير من "العدو الإسرائيلي" المحتل لجزء من أرض الوطن العربي إلى "الإرهاب". 

وهذا المصطلح فضفاض عرفه العالم بشكل أوسع فترة ما بعد هجمات 11 من سبتمبر/أيلول 2001، عندما أعلن رئيس الولايات المتحدة السابق جورج بوش الابن بداية عصر الحرب على الإرهاب، والذي ارتبط في مخيلة الجماهير منذ ذلك الحين بالجماعات المسلحة الإسلامية المتطرفة. 

من زمن القتال في صحراء سيناء مع عدو نعرفه ويعرفنا، إلى زمن التيه والتخوين تدور حكايتنا اليوم، وكيف تغيرت شاشات السينما بين العهدين. 

"أغنية على الممر"
وهو من إنتاج عام 1972، وإخراج علي عبد الخالق وسيناريو مصطفى محرم عن مسرحية للكاتب علي سالم. وهنا نتابع رؤية جيل شباب الستينيات عن نكسة 1967، حيث نشاهد جنودا من خيرة شباب مصر المتعلمين والمثقفين محاصرين في ممر ضيق أثناء نكسة 67، يواجهون عدوا لا يرحم هو جيش الكيان الصهيوني، وأن وراءهم دولة فاسدة لا تدعمهم، كما تضيع أفضل سنين حياتهم في القتال. 

هنا نشاهد وبشكل واضح للغاية هوية الجيش الوطني المكون من شباب متعلم يقضي فترة تجنيده، وله عدو واضح هو إسرائيل، وهدف واضح هو الدفاع عن شعب مصر وأرضها، كما يظهر في الخلفية عدو آخر هو الديكتاتورية والفساد الذي يغرق البلاد في ظل حكم عسكري.

"الرصاصة لا تزال في جيبي"
هو الفيلم الرسمي لحرب أكتوبر وذكراها دون شك على التلفزيون المصري، ونحن هنا أمام عمل تم إنتاجه عقب الحرب بعام واحد، وتم من خلاله تسخير كافة إمكانيات القوات المسلحة لصنع محاكاة جديدة للعبور، بالإضافة لوجود أهم نجوم الصف الأول ضمن أبطاله، ونقصد هنا محمود ياسين وحسين فهمي جنبا إلى جنب، بالإضافة ليوسف شعبان ونجوى إبراهيم.

الفيلم عن قصة للكاتب إحسان عبد القدوس، ومن إخراج حسام الدين مصطفى، وسيناريو رأفت الميهي ورمسيس نجيب، وتدور أحداثه مرة أخرى عن شاب جامعي يعاني من سخرية أهل قريته منه عقب هزيمة 67، إلا أنه يستمر ليحقق النصر مع رفاقه في النهاية، في نفس التوقيت الذي تتعرض فيه حبيبته للاغتصاب بيد أحد الفاسدين من رجال السلطة في الداخل.

تستمر الهوية المصرية واضحة في عصر السادات، ويظل العدو بوضوح هو الكيان الصهيوني، ويظل الحلم هو تحرير الأرض، كما تظل الإشارة واضحة لوجود فساد داخل السلطة.

"الطريق إلى إيلات"
قد يكون أحد أكثر الأفلام الحربية المصرية عرضاً على التلفزيون أثناء ذكرى أكتوبر وتحرير سيناء، على الرغم من ذلك فهو يدور في زمن حرب الاستنزاف، وقد تم إنتاجه عام 1993 في عهد الرئيس حسني مبارك، لكننا نلمح فيه نفس الهوية الواضحة للجيش المصري الذي يعلم ببساطة أن عدوه الرئيسي هو الكيان الصهيوني.

كما نشاهد فيه أيضا ملمحاً مهما عن الوحدة العربية، حيث يشارك في تسهيل القيام بمهمة الجنود المصريين رفاق من الأردن وفلسطين المحتلة.

الفيلم يدور حول قصة مجموعة من الجنود والضباط المصريين الذين قاموا بمهمة تفجير سفينة شحن ورصيف ميناء إيلات، وقد قام بإخراجه بامتياز إنعام محمد علي عن سيناريو الكاتب فايز غالي. 

"حراس الوطن"
هو فيلم تلفزيوني نرى من خلاله التحول الأهم لهوية الجيش بالأفلام المصرية عقب أحداث يوليو/تموز 2013، والتي وصل من خلالها وزير الدفاع في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي لكرسي الحكم، وهو من إنتاج عام 2017 وفيه نشاهد فيلماً دعائياً من بطولة الممثل محمد رمضان.

ونشاهد من خلاله أداءً مفتعلاً، له غاية واحدة هي تلميع صورة المؤسسة العسكرية من خلال مجموعة من المشاهد التمثيلية التي يعرف كل من أدى الخدمة العسكرية الإجبارية أنها غير واقعية.

لكن الخيط الأهم أن هذا الفيلم الدعائي يتغاضى وبشكل مقصود عن أي ذكر للعدو التاريخي، فلا يذكر الكيان الصهيوني بالتصريح أو حتى التلميح، ليبدو كل شيء معدا لإكمال السيناريو الذي تعيش فيه البلاد في الست سنوات الأخيرة، وهي حرب مستمرة مع "الإرهاب" الذي تم تصويره وكأنه الوحش الذي سيفترس مصر لولا جيشها.

"الممر"
من إنتاج 2019، وإخراج شريف عرفة وسيناريو "أمير طعيمة". نرى من خلاله ما يمكن تصنيفه كإعادة إنتاج "أغنية على الممر" لكن الفارق الرئيسي هنا أن صورة الجيش مختلفة تماما عن الفيلم الأصلي، نشاهد جيشا قويا، لا يعاني من الفساد المؤسسي أو رجال السلطة في الداخل، بل على العكس تبدو المعاناة الرئيسية من فساد الشعب وانعدام همته.

.
المصدر : الجزيرة