بين سوريا وشمالي لبنان.. منظومة معقدة لشبكات الهجرة غير النظامية

قوات اليونيفيل تتفقد قارب مهاجرين غير نظاميين قرب السواحل اللبنانية (أسوشيتد برس)
قوات اليونيفيل تتفقد قارب مهاجرين غير نظاميين قرب السواحل اللبنانية (أسوشيتد برس)

تراود اللبنانية بارعة صفوان الجندي أمنية مستحيلة بأن يعود الزمن قبل ليلة 23 أبريل/ نيسان 2022، لتمنح ابنتيها رانيا وسلام مزيدا من الأحضان والقبل، قبل غرقهما المفجع في قارب هجرة غير نظامية، كان هذا القارب المنكوب يحمل أيضا مهاجرين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وابتلعته الأمواج في عرض البحر المتوسط قبل أن يصل إلى وجهته المفترضة في إيطاليا.

في تلك الليلة القاسية، نجت  بارعة مع ابنيها إبراهيم ومصطفى وصهرها ناجي من بين 48 آخرين، لكنهم عادوا من دون رانيا وسلام اللتين فقدتا مع 33 شخصا، وعثر على جثامين 6 أشخاص فقط من بين 88 مهاجرا كانوا في المركب.

لا تخفي قسمات وجه بارعة علامات الحزن واللوعة وهي تتأمل صورة المركب على هاتفها مسترجعة لحظات الفاجعة: "كان البحر كالبلاطة، تعطل جهاز "جي بي إس" (GPS) القبطان قبل 15 دقيقة من تجاوز المياه الإقليمية اللبنانية، سلّط فجأة نحونا كشاف ضوئي قوي من مركبين مطاطيين لخفر سواحل الجيش اللبناني، لم نستجب لمطالباتهم بالعودة، فبدأت عملية مطاردتنا دائريا، تدفقت المياه داخل مركبنا، سمعنا احتكاكه بضربة قوية، تعالت أصوات الصراخ وغبت عن الوعي..".

انتهت تلك الحادثة المؤلمة بلا رواية رسمية عن ملابساتها. استقر المركب بعمق 459 مترا بعد فشل غواصة هندية انتشاله في أغسطس/آب، فتعذر الكشف الجنائي عنه، وطمست بالتالي ملابسات غرقه ومصير المفقودين.

تعذر الكشف الجنائي عن المركب الغارق (أسوشيتد برس)

وجسّدت تلك الفاجعة تكثيفا سياسيا وأمنيا وإنسانيا لمأساة المهاجرين بـ"قوارب الموت" المنطلقة من شمالي لبنان، كما كشفت التداخل العميق بين عمليات الهجرة بحرا من لبنان والهجرة برا مع سوريا عبر شبكة مهربين وسماسرة شكلوا نواة اقتصاد ضبابي غير منظم تتحرك فيه ملايين الدولارات في بلد يعاني أصلا من أزمة اقتصادية وشحّ في العملة الصعبة.

عدد من ضحايا "مركب طرطوس" المنكوب كانوا من سكان من مخيم نهر البارد (الجزيرة)

مأساة الفقر والحرب واللجوء

يقاسم كثيرون من أهالي القرى اللبنانية المهمشة في الشمال بارعة الأحزان نفسها، لا يخلو بيت من قصة فاجعة مماثلة، كما في المخيمات الفلسطينية. كان هذا القارب المنكوب الذي حمل ابنة بعلبك وأبناءها، أحد اثنين ابتلعهما البحر المتوسط في عام 2022.

غرق القارب الثاني قبالة ساحل طرطوس السوري، في 23 سبتمبر/أيلول بعد إبحاره من ساحل بلدة "المنية" الشمالي، وكان يقل 150 مهاجرا من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، عثر لاحقا على نحو 100 جثة، ونجا 20 مهاجرا، وكانت تلك أعلى حصيلة ضحايا منذ بدء نشاط حركة الهجرة غير النظامية عبر لبنان.

كان من بين المهاجرين على "مركب طرطوس" نحو 35 فلسطينيا من مخيم "نهر البارد"، نجا بعضهم ورووا لنا شهاداتهم، بينهم الممرض "محمد إسماعيل" الذي فقد زوجته وأطفاله الثلاثة في الحادث.

عند الدخول إلى مخيم "نهر البارد" الواقع ضمن بلدية "المحمرة" في محافظة عكار، والمطل على الحدود اللبنانية، تفسّر الأوضاع المعيشية الصعبة دوافع موجات اللجوء بحرا، والتي أصبح لبنان أحد أبرز منصاتها في المنطقة.

كان قبطان "قارب طرطوس" المنكوب فلسطيني يدعى "أسامة حسن"، مات غرقا مع زوجته وأطفاله الأربعة بعد إبحاره تحت التهديد بسلاح المهرب اللبناني بلال ديب الملقب بـ"أبو علي نديم" وفق شهادات الناجين، وهو أحد كبار المهربين ممن أوقفتهم السلطات اللبنانية، وكان يتقاضى 6 آلاف دولار عن الفرد.

يعرف أهالي المخيم أن التهريب أضحى "مصلحة" يمتهنها العشرات بعكار غير بلال ديب، وتحديدا في كبرى بلداتها "ببنين" التي تفصلهم عنها كيلومترات قليلة.

شواطئ بعض قرى الشمال اللبناني باتت نقاط انطلاق لقوارب الهجرة غير النظامية (الجزيرة)

بشكل عام، بات الساحل الشمالي اللبناني من "المدفون" وحتى أقصى "العريضة" الحدودية مع سويا، عبارة عن نقاط انطلاق رحلات الهجرة غير النظامية طلبا للجوء في البلدان الأوروبية. ذاع صيت المهربين بالداخل السوري، جاذبا آلاف الحالمين بالهروب من جحيم بلادهم.

أثناء مقابلتنا لأحد سماسرة الهجرة غير النظامية اللبنانيين، قال بلهجة واثقة وساخرة أيضا: "التهريب بمنطقتنا سهل للغاية، عملية ممكنة بتدابير مقدور عليها ليلًا، وليس فيلما بوليسيا".

ضمن آخر رحلات الهجرة غير النظامية ليلة 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، استقل السوري "مصطفى" (اسم مستعار/ مطلوب أمنيا بسوريا) مركبا من شاطئ "سلعاتا الشمالي"، بعد أن دخل لبنان خلسة، لكن المركب الذي يفترض أن يتوجه إلى إيطاليا، كاد يغرق وعلى متنه 232 مهاجرا.

يقول مصطفى: "دفعت 6 آلاف دولار لمهرب سوري يعمل بلبنان نجح سابقا بإيصال بعض معارفنا السوريين إلى أوروبا. وفي ذلك اليوم، طلب منا الاستعداد لنقلنا، فتجمعنا ببلدة "دير عمار" في عكار، ونقلنا بباصات إلى شاطئ سلعاتا. وبعد إبحارنا بنحو نصف ساعة تعطل المحرك، وبدأت عمليات الاستغاثة، فأنقذنا الجيش واليونيفل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) وأعادونا للمرفأ شمالًا".

يخشى مصطفى العودة إلى سوريا لأنه معارض للنظام، ولا يريد البقاء في لبنان جراء الوضع الاقتصادي، ويقول بقلق "اختفى المهرب، ولم يتواصل معنا لمعرفة مصير أموالنا، وأحلم أن يعوضنا برحلة ثانية، وأخشى فراره بعدما بعت له كل ما أملك.. سأبقى أحاول الهروب بحرا مع الكثير من معارفي السوريين".

قارب صيد متروك على شاطئ العريضة (الجزيرة)
بعض المنازل قرب شاطئ عكار تستعمل كمأوى للمهاجرين غير النظاميين قبل إبحارهم (الجزيرة)

قرى الشمال.. بؤرة المهربين والسماسرة

على مدار أشهر من عام 2022، ضج شمال لبنان بأخبار قوارب الهجرة غير النظامية المتجهة إلى السواحل الأوروبية، يقول بعض الأهالي: "لم تمر ليلة إلا ويبحر خلالها مركب أو اثنان نحو أوروبا، أما الهدوء السائد حاليا فسببه سوء أحوال البحر خلال الشتاء، ويتم التحضير لموجة جديدة أكبر".

وشهدت بلدة "ببنين" الممتدة من جرود "القيطع" إلى شاطئ "العبدة"، ذروة موجات اللجوء ونشاط المهربين والسماسرة والملاحقات الأمنية، ونشأت قربها عشرات المخيمات العشوائية للاجئين السوريين، ويشتهر أهلها بالزراعة وصيد الأسماك وخبرتهم الواسعة في شؤون البحر وصناعة المراكب.

وطوال السنوات الماضية، تمكنت شريحة واسعة من أبناء هذه القرية من الوصول إلى أوروبا، فشكل ذلك حافزا لكل الساعين إلى الالتحاق بهم. بشكل ما ينسى الضمير الجمعى هنا المآسي والأحزان الناجمة عن غرق العشرات من أبناء القرية أيضا خلال محاولات الهجرة، وتحضر بالمقابل سرديات النجاح.

في بيوت "ببنين" وأحيائها رصدنا قصصا كثيرة لمآسي الهجرة غير النظامية، بعض العائلات فجعت بموتى ومفقودين بالبحر، وأخرى علق أبناؤها بتركيا أو اليونان، أو نجوا بالكاد من الموت. وترتسم علامات القلق على وجوه نسوة "ببنين" خوفا على مصائر أبنائهن. تقول أم أحمد: "لا نملك سوى الدعاء.. أولادنا أخذوا قرارهم، ومعظم من بقي سيركب البحر هذا الصيف أو بعده.. إنها مسألة وقت".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، دخلنا منزلا على تلة صغيرة تطل على البحر، يجتمع فيه رجالات "ببنين"، يطرح أحدهم سؤالا يبدو أقرب إلى تبرير عمليات الهجرة غير النظامية، فيقول: "ماذا تنتظرون ونحن نعيش بذلّ في مناطق نائية محرومة؟"، ولا يفتأ أن يجيب نفسه: "نحن أهل ببنين وعكار أمامنا البحر، نتنفس منه، نعمل فيه ونسافر عبره".

ضمن هذا السياق، استطاع المزارع "هيثم الحاج"، في يونيو/ حزيران 2022 إرسال أولاده في قارب هجرة نحو أوروبا. وصل توفيق وزوجته السورية وطفلاهما إلى اليونان، بينما وصل كل من يوسف وإسحاق إلى ألمانيا، حيث يعيشون أوضاعا مستقرة كما يقول.

ساعد "الحاج" بجلب زبائن لمهرب الرحلة الذي أبحر مع 200 مهاجر من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين في مركب طوله 14 مترا فقط، ولا ينكر تخطيطه لرحلة مماثلة: "أستعد للهجرة بحرا مع بقية أفراد عائلتي خلال الصيف القادم، وهناك المئات هنا يحضّرون لركوب البحر غير مكترثين بالموت".

نجح أبناء "هيثم الحاج" في الوصول إلى مبتغاهم، في حين فشل الكثيرون ممن نجوا من موت محقق أو وصلوا إلى الوجهة الخطأ. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شهدت طرابلس وعكار تحركات للأهالي يطالبون بإعادة عشرات المحتجزين اللبنانيين بتركيا، أبحروا بقاربين من عكار، وعادوا تباعا للبنان، ومن بينهم "مرعي الحاج".

استغل "الحاج" علاقته بمهرب سوري يدعى "بو علي"، جلب له زبائن قبلوا بدفع 5 آلاف دولار، فحصل وعائلته (زوجته و4 أطفال) على خصم بقيمة 10 آلاف دولار، أغراه العرض ببيع سيارته وأثاث منزله ومجوهرات زوجته، وانطلق من قرية "المنية" على متن قارب طوله 25 مترا: "كان القارب يتسع لـ 300، لكن بوعلي الطمّاع وضع فيه نحو 430 مهاجرا، معظمهم سوريون، فوقع الحادث".

كحالة "هيثم الحاج"، يستدين الراغبون في الهجرة غير النظامية في شمالي لبنان أو يبيعون ممتلكاتهم وأراضيهم لتوفير ثمن الرحلات، كما يعمد آخرون إلى تقديم مساعدات للمهربين أملا في حسومات أو رحلة مجانية. ومن هؤلاء العسكري "حسن حسين" (27 عاما)، ابن قرية "ببنين" الذي وصل إلى اليونان.

وفي اتصالنا معه، يروي أنه فر من الخدمة العسكرية عام 2021، لأن راتبه بعد الأزمة لم يعد يغطي حتى كلفة التنقل لمكان عمله في بلدة "عرسال". عمل بعدها سرا بمشغل تجميع الحديد وفي البحر، وفي مايو/ أيار 2022، استقل قاربا كان يفترض أن يتوجه إلى إيطاليا، تاركا زوجته وابنه، فوجد نفسه لاجئا يعيش ظروفا بائسة في اليونان، ورفض طلب لجوئه أكثر من مرة.

يقول: "كنت أعمل بشبك السمك، وجدت صدفة تحضيرا لرحلة غير نظامية إلى إيطاليا، عرضت مساعدتي بتحميل الأغراض مقابل ذهابي مجانا، فوافق منظم الرحلة وأبحرت معهم بقارب يكتظ بالمهاجرين، انتظرت تجاوزنا المياه الإقليمية، فأخبرت أهلي أنني في طريقي إلى إيطاليا، وبعد 4 أيام، اشتد الموج، فاستغثنا حتى تفاجأنا بخفر السواحل اليونانية، الذي نقلنا لأثينا".

العسكري "حسن حسين" على المركب أثناء رحلة الهجرة غير النظامية (الجزيرة)

يقول "حسين" إن قبطان رحلته "أبو محمد"، الذي ينحدر من طرابلس واستقر في "ببنين"، يقبع حاليا بسجون اليونان مع أبنائه الثلاث بتهمة الاتجار بالبشر. ومع كل ما حصل له يصر هذا الجندي الفار من الخدمة على استكمال مساره: "سأواصل تقديم أوراقي حتى يتوقفوا عن رفضي، وأعمل على استقدام زوجتي وابني لليونان الصيف المقبل برحلة مماثلة".

قارب متروك على شاطئ عكار (الجزيرة)

مراكب "أرواد" والعمق السوري

في المنطقة البحرية في "عكار" وصولا إلى نقطة "العريضة" الفاصلة مع سوريا التي تجولنا فيها، وباستثناء مرفأ صيادي "العبدة" الذي تتجمع فيه المراكب المسجلة لدى الجمارك اللبنانية، تبدو طبيعة الشاطئ الرملي منصة مثالية لنقل المهاجرين غير النظاميين. وعلى طول كيلومترات، تفصل الشاطئ عن اليابسة مساحات رملية رطبة طينية وشاسعة، بلا إضاءة ليلا، وبلا أسوار حديدية.

وتظهر على الرمال مراكب صغيرة خشبية صغيرة (فلوكة) متروكة وتالفة، وبيوت حجرية عتيقة، بعضها مهجور، وأخرى مأهولة بعائلات فقيرة. وبحسب شهود عيان، تحولت بعض تلك البيوت المهجورة إلى "مأوى مؤقت" للمهاجرين غير النظاميين، قبل انطلاق رحلاتهم.

في هذه المنطقة، أخبرنا بعض البحارة أن معظم مالكي القوارب يصنعونها بأنفسهم، ويتعاملون معها كقطعة ثمينة، ونادرا ما يقبلون بيعها لمنظمي رحلات الهجرة غير النظامية إلا بأثمان باهظة تصل أحيانا إلى 70 ألف دولار.

حدثنا صيادون أيضا، ومنهم "علي البس"، عن مراكب تستورد من جزيرة "أرواد" السورية، يتراوح ثمنها بين 30 ألفا و40 ألف دولار بهدف نقل المهاجرين غير النظاميين، وتقف هذه المراكب قبل ساعات من الرحلة على بُعد كيلومترات من شواطئ عكار، بانتظار "القارب" الذي ينقل جموع المهاجرين إليه.

منزل وقارب على شاطئ العريضة على بعد كيلومترات من طرطوس السورية (الجزيرة)

شبكات تهريب وسمسرة

أهالي ينتظرون انتشال جثامين الضحايا والعثور على ناجين عند غرق مركب طرابلس في أبريل/ نيسان 2022 (الجزيرة)
أهالي مهاجرين ينتظرون انتشال جثامين الضحايا والعثور على ناجين عند غرق مركب طرابلس في أبريل/ نيسان 2022 (الجزيرة)

تتشابك خيوط الهجرة غير النظامية في هذه المناطق شمالي لبنان لتفرز منظومة معقدة ومنظمة في آن، قوامها مهربون محترفون وسماسرة محترفون أيضا، ومئات الراغبين في الهجرة مقابل آلاف الدولارات. يسود تنافس شرس وعداوة أحيانا في "سوق الهجرة غير النظامية" هذه، يعرف المهربون والسماسرة بعضهم بعضا، ويتجولون علنا ويعرفهم معظم الناس، وكل واحد منهم يتصرف كـ"ملك سرّ المصلحة".

قابلت معدة التحقيق سماسرة و3 مهربين، وروى بعضهم قصصا عن عناصر أمنية قبلوا وبصفتهم الشخصية، وخلافا لتعليمات قياداتهم، مغريات مادية وعينية مقابل توفير غطاء أمني لعبور المراكب، ودرجوا على تسميته بـ"المطب". وهذه المسألة تنفيها رسميا مديرية مخابرات الجيش اللبناني، لدى تواصلنا معها.

يعرف السمسار "أبو فهد" (اسم مستعار)، ابن بلدة ببنين، ما يسميه "سر المهنة"، وتربطه شبكة علاقات بالمهربين والسماسرة وطالبي الهجرة. ويقول إن المهاجرين غير النظاميين يجتمعون بـ"المنزل"، قبل نحو 48 ساعة من الرحلة، وهو يبعد نحو 10 كيلومترات عن نقطة "المطب"، أي الانطلاق.

ويتحدث "أبو فهد" عن أرباح طائلة بآلاف الدولارات يجنيها أصحاب هذا "المنزل"، عن كل ليلة لإيواء المهاجرين، الذين "ينتظرون ليصبح البحر ملائما للإبحار أو لوصول المركب الرئيسي من أرواد". ويقر بأن سماسرة الرحلات يتقاضون نحو ألف دولار عن كل مهاجر يأتون به للمهرب إذا سدد ما يقارب 6 آلاف دولار.

في يوليو/ تموز 2022، قابلت معدة التحقيق في "ببنين" كل من "أحمد ومحمد" (اسمان مستعاران)، وهما يعملان بتهريب اللاجئين منذ 2019، رفضا توثيق حديثهما بالصوت أو الصورة لأنهما ملاحقان أمنيا، فسجلنا الملاحظات ورقيا.

نفذ المهربان -بحسب أقوالهما- نحو 7 رحلات إلى قبرص ودول أوروبية مستفيدين من خبرتهما البحرية، ولم يغرق أي مركب شاركوا في إبحاره، باستثناء حادث حصل في فبراير/ شباط 2021: "حينها، أطلقنا نحو قبرص مركبا يحمل 250 مهاجرا، معظمهم سوريون، فتعطل المحرك، وكان يقوده قبطان سوري ملاحق أمنيا فقام بإصلاحه ثم توجه إلى قبرص".

يشتري هذان المهربان المراكب من سوريا، حتى لا تكون مسجلة ومراقبة في لبنان، وتمكنا -كما يقولان- من تهريب المئات، معظمهم سوريون مع لبنانيين وفلسطينيين. وهما يشترطان على المهاجرين أن يأتوا بكفيل عند حجز مكان على المركب: "يدفعون نصف المبلغ، وعند تجاوز المياه الإقليمية اللبنانية أو الوصول، يسدد الكفيل النصف الثاني، وهذا ما يفعله معظم المهربين". أما في حالة أوقف الجيش المركب، "يبقى المبلغ المدفوع ساريا بانتظار رحلة أخرى"، ويضيف محمد بسخرية: "نعمل بذمة وضمير".

لا يخفي كل من "أحمد ومحمد" أنهما حققا أرباحا بمئات آلاف الدولارات، يستثمرانها في رحلات أخرى، ويقران بتعرضهما أحيانا لاحتيال من مهاجرين أو سماسرة، لأن عملهما يعتمد على اتفاق شفهي ودفع نقدي بلا إيصالات، كما يقولان: "إنها مغامرة، في رحلاتنا الثقة شبه مفقودة، والكل يخشى من الاحتيال".

ورث أحمد "مصلحة التهريب" من والده، وهو أحد كبار المهربين وسجن عدة مرات، قبل أن يوحد أعماله مع شريكه "محمد". وفي "ببنين" وحدها -كما يقولان- يوجد نحو 10 مهربين من "الرؤوس الكبيرة"، كما يسمونهم في عكار، وهناك أيضا عشرات المهربين الأقل شأنا يعملون لديهم أو بشكل فردي.

تستعمل المراكب الصغيرة لنقل المهاجرين غير النظاميين من الشواطئ إلى قوارب داخل البحر (الجزيرة)

في هذه المنطقة من شمالي لبنان، ثمة عشرات النقاط التي تحولت إلى "مطبات" متحركة لانطلاق القوارب، بحسب المهرب "محمد". وما يسهل العملية أن "المراكب الآتية من سوريا، تنتظر على بعد كيلومترات منها، وننقل الركاب إليها على دفعات بالفلوكة".

وضمن تكتيكات العمل، يحرص المهربان، على إرسال القبطان مقنعا، "لأن خفر السواحل بالدول الأوروبية يسأل أولا عن قبطان المركب، ويقبض عليه بتهمة الاتجار بالبشر"، لكن "القبطان الماهر يتقاضى نحو 40 ألف دولار بالرحلة" على حد قولهم.

يتعامل المهربان الشريكان مع سماسرة بلبنان وسوريا لجلب المهاجرين، مقابل مبالغ تتراوح بين 5 آلاف و7 آلاف دولار، و"نقدم للبنانيين عروضا وخصومات، ومن لا يملك المبلغ كاملا، يرهن سيارته أو أي شيء من أملاكه".

معظم معابر تهريب السوريين إلى شمال لبنان في منطقة وادي خالد (الجزيرة)

تداخل الحدود ومصالح المهربين

خلال تتبعنا لشهادات المهاجرين والمهربين والسماسرة، ظهرت خيوط بين الداخل السوري وتصاعد موجات الهجرة شمالي لبنان، ويتجاوز هذا التشابك استقدام قوارب من "أرواد"، إلى استقدام مئات السوريين من الداخل بواسطة سماسرة ومهربين عبر المعابر البرية غير النظامية، للهجرة من السواحل اللبنانية.

ولم يكتمل ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين، وتربطهما برا وفق تقديرات غير رسمية، أكثر من 120 معبرا غير نظامي. وينشط عبرها تهريب السلع والأفراد منذ سبعينيات القرن الماضي، وأثناء انتشار جيش النظام السوري بلبنان، وبلغت ذروتها بعد الحرب السورية، ثم اشتدت مع الأزمة في لبنان منذ 2019.

يشرح "أحمد الشيخ"، وهو أحد شيوخ العشائر ورئيس بلدية قرية "العماير" الحدودية بـ"وادي خالد" أقصى شمال لبنان الشرقي، ذلك بأن الجغرافيا لديهم متداخلة بقرى سورية، "عززت نشاط المهربين والسماسرة بين البلدين، ويتعامل بعضهم مع الفرقة الرابعة للجيش السوري وفق رصدنا".

وعبر منطقة "وادي خالد"، يدخل نحو 200 سوري يوميا، وفق الشيخ، الذي يضيف خلال حديثنا معه: "خلال الأشهر الأخيرة، دخل مئات السوريين للهجرة بحرا من سواحلنا، ويجلبهم مهربون ينشطون ببلدة ببنين، نظرا لخبرتهم بإعداد القوارب".

منازل بدائية يسكنها مجموعة لاجئين سوريين في لبنان (الجزيرة)

حسب الشيخ، يعد جسر "قمار" المعبر الرسمي الوحيد في "وادي خالد". أما أبرز 7 معابر جبلية غير نظامية بلا حضور أمني لبناني وسوري، وينشط عبرها تهريب البضائع والبشر، فهي: "خط البترول"، "الجسر الغربي"، "أبو جحاش"، "عبيدان"، "عويشات"، "المعاجير"، "وادي الواويات" بالإضافة إلى معبر "قرحة".

ويقول إن المعبرين الملاصقين: "أبو جحاش" و"عبيدان"، ينشط فيهما تهريب البشر، ويطلان على النهر، وقريبان من الجسر الدولي لطرطوس-حمص، كما أن شبانا من وادي خالد يعملون سائقين ووسطاء بين السماسرة السوريين والمهربين بلبنان، ولا ينطلق أي مركب من لبنان بلا مهاجرين سوريين، لأنهم يسهلون دخوله لأوروبا، ويتنافس المهربون على استقطابهم طمعا بأموالهم.

ويذيع صيت الفرقة الرابعة بالجيش السوري بقيادة ماهر الأسد، وما يجنيه ضباطها من أموال طائلة كرشى تسهيلًا لعبور السوريين، لأنها موكلة أمنيا عند الحواجز والمعابر السورية مع لبنان.

ووفقا لمعلومات أمنية وميدانية استقصيناها من مهربين وسماسرة وبعض العابرين إلى لبنان للهجرة بحرا، حصلنا على بعض خطوط العبور وأساليبها. ويتولى السمسار في سوريا تجميع السوريين عند نقطة محددة للانطلاق بحافلات، على أن يتراوح عددهم بين 15 و25 راكبا، وإذا اجتمعوا عند جسر "جرمانا" السوري بريف دمشق مثلا، يعبرون عند أول حاجز "حرستا"، فيعطي السائق كلمة سر لأحد ضباطه من الفرقة الرابعة.

تعطى كلمة السر "معي عمال إلى عدرا" مثلا، فيعبر الباص بلا تفتيش مقابل مبلغ عن كل راكب، ثم يواصل حتى حاجز "حسياء" بحمص، عندها يأخذ السائق هويات الركاب وبينهم مطلوبون أمنيا، ويسوي الوضع عند العسكريين بالحاجز بتقديم رشى، فتسلك الحافلة مجددا طريقها نحو إحدى "المنازل" في قرية "حديدة" المطلة على "سهل البقيعة" وجبال عكار.

طرق جبلية وعرة يسلكها الهاربون من سوريا وصولا إلى لبنان (الجزيرة)

وفي هذا "المنزل الآمن" يتجمعون مع آخرين عبروا بطريقة مماثلة، ويتم فرزهم حسب أسماء المهربين الذين استقدموهم إلى لبنان، ثم تنقلهم الحافلات إلى معبر جبلي يقطعونه مشيا نحو وادي خالد، ويستغرق بعضها 3 ساعات، ومنه ينتقلون لوجهاتهم المحددة بواسطة السائقين والمهربين.

وتفيد المعلومات التي حصلنا عليها بأن السوريين يدفعون نحو 150 دولارا للعبور، يتقاسمها السمسار والمهرب والسائق وأصحاب الحواجز. ولا يهدأ العمل على هذه الخطوط والمعابر غير النظامية، وتتراوح أرباح ضباط وعسكريين بالفرقة الرابعة بين 300 ألف ليرة و500 ألف ليرة سورية يوميا (بين 40 و60 دولارا)، وهو ما يعادل راتبهم الشهري تقريبا.

يفضّل السوريون الهجرة إلى أوروبا عبر لبنان، لأن كلفتها أقل من العبور شمالا إلى تركيا عبر حلب، خصوصا إذا كانوا من مناطق سيطرة النظام. في حين يتطلب العبور من دمشق إلى حلب بالمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ومنها إلى تركيا برا دفع مبالغ تتراوح بين 500 و800 دولار عند المعابر غير النظامية. كما ساهمت التشديدات الأمنية على المهاجرين السوريين في تركيا، وسيطرة القوات الروسية على الساحل السوري في إنعاش الخط اللبناني.

"أبو جعفر".. مهرب البر والبحر

وفق المعطيات التي حصلنا عليها من عدة مصادر، ينحدر معظم السوريين الذين يهاجرون بشكل غير نظامي من لبنان إلى أوروبا من مناطق الجنوب المحاذية للحدود اللبنانية، كدرعا وريف دمشق وحمص، وهم يبيعون ممتلكاتهم لهذه الغاية، حسب ما يؤكده المهرب "أبو جعفر" (اسم مستعار).

في مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2022، قابلت معدة التحقيق "أبو جعفر"، وهو أحد كبار المهربين على خط لبنان-سوريا، ووثقنا اللقاء بالفيديو، مشترطا عدم إظهار وجهه وتعديل صوته.

يعمل "أبو جعفر" منذ 8 سنوات في تهريب السوريين إلى لبنان والعكس، خصوصا من تخلف عن الخدمة العسكرية أو لديه مشاكل أمنية، ويقول: "نضطر لإدخاله عبر المعابر غير النظامية ونسلمه إلى أهله في لبنان فيدفعون الحساب. ونتأكد أنه ليس مطلوبا أمنيا، حتى لا يلحقنا منه وجع رأس".

ومنذ 3 سنوات، انخرط "أبو جعفر" في عملية تهريب مزدوج برا وبحرا. ويقول إن مئات السوريين بالداخل يعلمون عبر أقاربهم في لبنان بوجود رحلات ستنطلق من شواطئ الشمال، فيقصدون مهرّبا بعينه. ويضيف: "أنا من هؤلاء المهربين، وقد نقلت بمفردي سنة 2022 نحو 300 مهاجر من الداخل السوري، وهناك عشرات المهربين قاموا بالأمر نفسه".

يدفع هؤلاء مبالغ مرتفعة، حسب مناطقهم وظروفهم، فمن يكون مطلوبا للخدمة العسكرية في سوريا مثلا، يتم تهريبه إلى لبنان مقابل 250 دولارا حسب "أبو جعفر". ويتحدث عن آخر تجاربه بتجهيز مركب للهجرة، وصل إلى إيطاليا صيف 2022. يقول: "اشتريت مركبا من أرواد بطول 14 مترا، وأمنت له نحو 87 مهاجرا، معظمهم سوريون، مع لبنانيين وفلسطينيين". لم يحقق أبو جعفر ربحا كبيرا في هذه الرحلة، على حد تعبيره: "كان المفروض يطلع لي كثير، فطرأت مصاريف، وربحت 20 ألف دولار فقط".

يصف هذا المهرب المتمرس القرى الحدودية بين لبنان وسوريا، حيث يكثر تهريب البضائع والأشخاص، بأنها "الجنة"، ويقول "إن الدولة السورية تشرع حدودها، وبعض العساكر يُحمّلون أغراض الهاربين برا معنا، ولولا رضاها لا نستطيع تهريب أحد. ونحصل على تسهيلات ممن نسميه صاحب المعبر، الذي يأخذ الجزء الأكبر من المبلغ".

قارب يحمل مهاجرين من لبنان أثناء اعتراضه من قبل البحرية التركية (الأناضول)

إحصائيات الجيش.. أرقام مفاجئة

في يوليو/تموز 2022، حصلت معدّة التحقيق من مديرية التوجيه بالجيش اللبناني على إجابات رسمية مكتوبة عن معظم أسئلتنا حول الهجرة غير النظامية، باعتبارها الجهة الأمنية الموكلة على أمن البحار بلبنان عبر قواتها البحرية. وجرى تحديث بعض الأرقام منتصف ديسمبر/ كانون الأول  2022.

وقالت المديرية: "من المحتمل أن تكون سنة 2021 وبسبب الوضع الاقتصادي، قد شهدت ذروة الهجرة غير النظامية نظرا إلى العدد الكبير من المهاجرين الذي تم توقيفه. وهذا عائد لتطور قدرات القوات البحرية برصد الأهداف واعتراضها قبل مغادرة المياه الإقليمية اللبنانية".

وتوضح المديرية أن إجراءات الجيش بحق المهربين هي توقيفهم والتحقيق معهم بإشراف القضاء المختص، وإحالتهم وفقا لإشارته للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، لاستكمال تحقيقها معهم بحسب الصلاحية". وأقرت أن "معظم الذين تم توقيفهم هم من الجنسية السورية، مع مهاجرين من الجنسية اللبنانية والفلسطينية".

وتشير المديرية إلى أن "أعداد المهاجرين المذكورين لا تمثل عدد المهاجرين الفعليين خلال الأعوام الماضية، إنما الذين أوقفتهم القوات البحرية. فهناك مهاجرون تمكنوا من مغادرة المياه الإقليمية اللبنانية لعدم قدرة القوات البحرية على اعتراضهم بسبب الإمكانيات المتوفرة لديها (مراكب قديمة)، ومن المحتمل أن تكون مراكب أخرى قد غادرت ولم ترصدها القوات البحرية".

وفي عام 2015، أوقف الجيش مركبين و88 مهاجرا. ثم هدأ الوضع نسبيا حتى 2018، حيث أوقف خلاله 7 مراكب مع 160 مهاجرا. ومنذ 2019، شهد نسق الهجرة غير النظامية تطورا دراماتيكيا، بحسب أرقام حصرية حصلنا عليها من الجيش:

وبالاعتماد على أرقام الجيش كعينة رسمية، نجد أن السوريين يتصدرون أعداد إجمالي المهاجرين، مما يعزز فرضية قدوم شريحة واسعة منهم من الداخل السوري، وفق ما تظهره الأرقام الحصرية التي زودتنا بها مديرية التوجيه بالجيش اللبناني، بحسب جنسيات المهاجرين الذين أوقفهم عند تعقب القوات البحرية للمراكب.

ويظهر من إجمالي أعداد المهاجرين الذين أوقفهم الجيش اللبناني أن نحو 77% منهم يحملون الجنسية السورية. وحول نقاط انطلاق قوارب الهجرة غير النظامية، أشارت المديرية إلى أنه "لا يمكن تحديد النقاط لأن معظم المراكب التي تم توقيفها كانت تنطلق من مرافئ غير شرعية أو عبر الشاطئ".

وبحسب الأرقام تم في عام 2021 انتشال جثة واحدة وفق القوات البحرية. وخلال 2022 وإثر غرق مركب قبالة طرابلس تم انتشال جثث 6 ضحايا، مع مفقودين لم يعرف عددهم بعد. وقد يكون هناك ضحايا أو مفقودون لم يعرف مصيرهم على متن مراكب غادرت المياه الإقليمية اللبنانية ولم تتمكن القوات البحرية من رصدهم أو توقيفهم، ولا تتوفر أي معلومات عنهم، وفق ما ذكرته المديرية..

قبور لغرقى قارب طرطوس في مخيم نهر البارد (الجزيرة)

الملف القضائي.. أخطر من الاتجار بالبشر

بحسب جدول اطلعنا عليه حصريا، يوجد بحوزة القضاء اللبناني 20 ملفا مفصولا بقضايا الهجرة غير النظامية خرج من يد قاضي التحقيق، وتتضمن عشرات المتهمين صدرت بحقهم أحكاما وجاهية وغيابية. وبالمقابل، يوجد 51 ملفا قيد النظر، وفيها عشرات الموقوفين والملاحقين من لبنانيين وسوريين، وتشمل جميعها مستويين من التهريب، برا بين لبنان وسوريا، وبحرا من لبنان إلى أوروبا.

قابلت معدة التحقيق مرجعا قضائيا لبنانيا يمسك بملف الهجرة غير النظامية، وهو مدرج تحت بند "الاتجار بالبشر"، "لأن منفذي العمليات يتوقعون نتيجة الغرق ويستمرون بالفعل"، كما يقول.

بلال ديب المسؤول عن كارثة مركب طرطوس موقوف مع شقيقه (مواقع التواصل )

وبحسب محاضر التحقيقات لدى المرجع القضائي، يؤكد أن "القضية تتعدى مسألة تهريب لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، وقد ضبطنا تباعا كميات أموال طائلة وصادمة، ومن الهاربين عثرنا على ملاحقين بقضايا إرهاب وتجارة أسلحة ومخدرات، وسيظهر ذلك مستقبلا للرأي العام".

وبحسب المرجع، لم يتم توقيف كبار المهربين الناشطين في لبنان -بسبب بطء الملاحقات وعمليات الجلب للقضاء من الأجهزة الأمنية الموكلة- باستثناء المهربين اللبنانيين بلال ديب وشقيقه عبد الله المسؤولين عن غرق قارب طرطوس، و"كانا سابقًا متهمين بالاتجار بالسلاح". ويقول المرجع: "صدرت مذكرة غيابية بحق بلال ديب لتوقيفه بتهمة التحضير لرحلات هجرة، ولم يتم جلبه للقضاء سريعا، وإلا كنا تفادينا الكارثة".

ويفيد المرجع بأن أهم حكم قضائي صدر في سبتمبر/ أيلول 2020 ضد منظمي عملية هجرة انطلقت من شاطئ "المنية"، وأسفرت عن غرق قارب على متنه 26 شخصا عثرت عليه عناصر من اليونيفيل، بالإضافة إلى جثة قبالة الشواطئ اللبنانية.

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، صدر حكم قضائي ظني عن قاضي التحقيق الأول في الشمال "سمرندا نصار" بحق 6 مهربين لبنانيين، استنادا إلى المادتين 549 (تعاقب المتهم بالإعدام على القتل عمدا) و586 (تتعلق بالاتجار بالأشخاص وتصل عقوبتها إلى السجن 15 عاما). ويفيد المرجع القضائي بأن من الموقوفين بالقضية "أحمد صوفان" أحد كبار المهربين اللبنانيين، أفرج عنه لاحقا بعد استئنافه الحكم وتغيير الوصف الجرمي، فصار محكوما بالمادة 550 كجرم غير قصدي بدل المادة 549.

نسخة عن القرار القضائي الصادر لأول مرة في قضية غرق مركب عام 2020 (الجزيرة)

يختزل الشاب الجامعي اللبناني براك الكسار (22 عاما) من ببنين، الذي فشل في محاولات هجرة غير نظامية سابقا الدوافع الاجتماعية والاقتصادية للإصرار على الهجرة بقوله: "لو تخرجت لن أجد وظيفة، أحلم باللجوء إلى أوروبا للخلاص، ولن أتمكن إلا عبر البحر، وهو ما سأسعى إليه بالصيف مع مئات الشبان والعائلات".

ومع بداية 2023، يترقب كثيرون وتيرة مرتفعة لموجات الهجرة في موسم جديد، من المتوقع انطلاقها مع انحسار فصل الشتاء، وفي هذه الأثناء يرتب المهربون والسماسرة أوراقهم وينجزون صفقاتهم ضمن منظومة متكاملة ومتشابكة تستثمر في مظاهر التردي الاقتصادي في الشمال اللبناني والداخل السوري.

المصدر : الجزيرة