شعار قسم مدونات

مغالطات الصحفيين "الثوريين" في شرم الشيخ

blogs - منتدى الشباب مصر
مع انطلاق منتدى شباب العالم بمنتجع شرم الشيخ في جنوب سيناء في الرابع من نوفمبر/تشرين ثاني الجاري، اشتعلت محاور عديدة للجدل حول المؤتمر وما يدور فيه، لا سيما حالة البذخ في الإنفاق ومدى جدواها، فضلا عن أمور أخرى تتعلق بقضايا أثيرت خلال الجلسات عن ترشح السيسي وبعض تصريحاته الجدلية، إلا أن ثمة قضية أخرى قد تبدو هامشية قد أثيرت بين أوساط المهتمين بالثورة والمنادين بمبادئها ومن لهم موقف مضاد للقمع والاستبداد الذي تقوم به السلطات في مصر. 

كان محور الجدل يدور حول حضور بعض الأشخاص المنتدى من يخوضون غمار العمل العام ويطرحون أنفسهم بوصفهم "ثوار" أو على يسار السلطة الحالية والناقدين لها، وذلك بعد تلقي دعوة من منظمي المؤتمر أ المسؤولين أو المشرفين عليه، وكان محور الجدل ينصب حول مدى "نزاهة" فكرة حضورهم وأخلاقيتها مقارنة بما يطرحونه في المجال العام من خطاب مناهض للسلطة والنظام الحالي أو كثير من ممارساته، لا سيما أن أمر حضورهم كان ثمة محاولة لعدم ذكره وإخفائه، الأمر الذي يعني أنه لم يكن طبيعيا بالنسبة لهم.

إلا أن ثمة من دافعوا عن هذا القرار ودافع بعض أصحاب الشأن عن هذه الخطوة المتناقضة باعتبار أنهم "صحفيين" ومن حقهم حضور تلك المؤتمرات، فيما تكهن البعض الآخر بأن ثمة ضغوط ربما تكون قد مورست على هؤلاء أجبرتهم على الحضور على غير رغبة منهم.

دعوة صحفيين بعينهم إلى مؤتمر الشباب لا دور لهم غير فكرة تجميل وجه السلطة التي ترغب في إظهار انفتاحها على المعارضة أو على الشباب المحسوبين على الثورة، لا سيما أنها قادمة على انتخابات رئاسية
دعوة صحفيين بعينهم إلى مؤتمر الشباب لا دور لهم غير فكرة تجميل وجه السلطة التي ترغب في إظهار انفتاحها على المعارضة أو على الشباب المحسوبين على الثورة، لا سيما أنها قادمة على انتخابات رئاسية
 

ولأن الأمر قد شغل حيزا كبيرا من النقاش والجدل، فمن المفيد التعقيب على هذا الحديث، ذلك أنه يحتوي على مغالطات عديدة تتعلق بدور الصحفي، فضلا عن كون هذه الأحاديث كاشفة لأمور عدة يجب التوقف عندها للتدبر.

أولى المغالطات التي يطرحها أصحاب نظرية أن هؤلاء مجرد صحفيين قد حضروا، تتمثل في مخالفة السياق لهذا الطرح، فكلا من الشخصين المعنيين لم يعلن أنه ذاهب بتكليف من جهة عمله ولم تعلن جهة عمله أنها قد كلفته بتغطية المؤتمر، بل ذهبا في صورة أقرب للتخفي من العلن، وبناء على دعوة من منظمي المؤتمر دون معرفة دورهما في هذا المؤتمر، غير فكرة تجميل وجه السلطة التي ترغب في إظهار انفتاحها على المعارضة أو على الشباب المحسوبين على الثورة، لا سيما أنها قادمة على انتخابات رئاسية قريبة.

المغالطة الثانية تكمن في أن الصحفي الذي يقرر أن يمارس دورا حقوقيا أو أن يلعب دور الناشط ويطرح نفسه للجمهور بوصفه مناهضا ومخالفا لسياسات النظام، عليه أن يترك مسافة كافية مع هذا النظام، لا سيما حينما لا يكون هناك ضرورة للتعامل مع نظام يعتقل زملاءه الصحفيين ويقتل البعض الآخر وينكل بالجزء المتبقي، ويضع مصر في المرتبة الثانية من حيث قمع الحريات الصحفية بعد الصين بحسب التقارير الدولية للمنظمات الحقوقية، ومن ثم فهو يعلم أنه حتى لو ذهب بدون تكليف من مهني من مؤسسته فهو لن يفعل شيئا ذا بال ولن يفوته شيء هام لم يكن يدركه إذا لم يذهب، ومن ثم فقد قدم خدمة مجانية لهدف النظام الذي يعلم الجميع هدفه من هذه المؤتمرات، هذا ناهيك عن أنه لن يجرؤ على طرح أسئلة مزعجة في المؤتمر وسيستخدم كمجرد ديكور فقط.

من حق أي صحفي حضور أي فاعلية والتعامل مع المصادر كافة دون توريط نفسه بالانتفاع منها لا عبر أموال أو رحلات ومؤتمرات لا فائدة منها سوى الترفيه أو الانتفاع المادي

أما المغالطة الثالثة والمتعلقة بأن ثمة ضغوط مورست على هؤلاء الأشخاص وأجبرتهم على الحضور، فهنا علينا أن نذكر بأن كثيرين وجهت لهم دعوات ولم يردوا أصلا أو اعتذروا لأي سبب ولم يحدث لهم شيء، ناهيك أنه في هذه الحالة على هؤلاء أن يطرحوا أنفسهم بوصفهم "إصلاحيين من الداخل" دون استخدام الصحافة كمبرر أو الدخول في ألاعيب الحاوي ومنح نفسهم عدة صفات ما بين صحفي وناشط أو ثائر.

فإذا كنت قد قررت أن تحاسب غيرك وترفع شعار "يسقط كل من خان" فعليك أن تظهر للناس قدرتك على دفع ثمن مواقفك كغيرك من الزملاء، وإذا كنت غير قادر فيكفيك عدم المزايدة وادعاء أنك تملك البوصلة التي تحدد بها "من خان" ليسقط، لأنك في النهاية قد ذهبت لنفس مربع من انتقدتهم حينما رأوا السلامة في الطريق الذي اختاروه، ومن ثم فإن ادعاء الضغوط لا معنى له وهو أمر يبعث على الأسى والخذلان بأكثر من مبرر منطقي لحضور منتدى كهذا.

الصحفي إذا أراد أن يمارس دوره كصحفي فقط دون أن يتورط في ادعاء الزعامة أو التوجيه، يمكنه أن يتحرر من كل قيد، والصحفي الذي يعمل تحت ظل نظام قمعي ومستبد عليه أن يعلم أنه سيدفع ثمن لذلك خاصة إذا أراد أن يسأل أسئلة تحرج النظام ويكشف أشياء لا يراد لها كشفها، وإذا لم يكن قادرا على هذا الثمن، فيكفيه الصمت، لكن أن يقلب الآية ويجعل كل المواقف متساوية، فهذا يعني أنه لا ثمة مبدأ واضح يمكن أن نتحاكم إليه ويصبح الادعاء والافتعال رأي واحتراف.

مرة أخرى من حق أي صحفي حضور أي فاعلية للتغطية وأن يتعامل مع المصادر كافة دون أن يورط نفسه بالانتفاع منها لا عبرأموال أو رحلات ومؤتمرات لا فائدة منها سوى الترفيه أو الانتفاع المادي، وأن تكون صفته واضحة في الحضور أو مقابلة المصادر، وإلا فعليه ألا يقدم نفسه في هذه الحال بوصفه صحفي في مهمة، وإذا كانت لديه خشية من بطش مصدره فمن باب أولى ألا يدعي دائما أنه حر فيما يكتب ذلك أنه إذا كان استجاب لطغوط المصدر في حضور فاعلية له فالاستجابة ستكون ممتدة فيما يكتبه، وهو أمر سيفقده مصداقيته، والحال كذلك فيما رأينا ممن حضروا المؤتمر واستخدموا في تجميل وجه النظام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.