مناحيم بيغن.. الصهيوني منذ الصغر

f / FILES) File photo dated 26 March, 1979 shows Egyptian President Anwar al-Sadat (L), Israeli Premier Menachem Begin

بيغن (يمين) وكارتر (وسط) والسادات في حفل توقيع اتفاقية كامب ديفد (الفرنسية-أرشيف)

تربى مناحيم بيغن منذ سنوات شبابه الأولى على الأفكار الصهيونية وتشبع بأمل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وكرس حياته لخدمة هذا الهدف خصوصا أن البلدة التي ولد فيها عُرفت بكثرة مدارسها التلمودية حيث تلقى تربية أهلته ليصبح أحد أبرز مؤسسي وقادة إسرائيل.

في سن الثالثة عشر انضم بيغن إلى حركة "هشومير هتسعير"، وهي عبارة بالعبرية تعني "الحارس الشاب"، وبعدها بثلاث سنوات التحق بحركة "بيتار" التي أسسها زيئيف جابوتنسكي، والتي كثفت نشاطها في صفوف اليهود القاطنين بدول أوروبا الشرقية وأسست مراكز للتدريب العسكري في بعض هذه الدول ونظمت هجرة اليهود منها إلى إسرائيل.

وما كاد يتم عامه الرابع والعشرين في عام 1937 حتى عينته هذه الحركة ممثلا لها في تشيكوسلوفاكيا، وتولى فيما بعد زعامتها في بولندا عام 1939.


"
فور وصوله إلى فلسطين كون بيغن منظمة عسكرية صهيونية أطلق عليها اسم "أرغون"، التي كرست عملها لتهجير الفلسطينيين من ديارهم، وبالموازاة مع ذلك نشطت في تنظيم هجرة اليهود من أوروبا وروسيا إلى الأراضي الفلسطينية
"

نشاط سري عسكري
التكوين الدراسي والسياسي لبيغن -الذي ولد في مدينة بريست لتوفيسك في روسيا البيضاء يوم 16 أغسطس/آب 1913- ساعده على أن يمضي بعيدا في السياسة ويصبح عنصرا مؤثرا في اليسار الإسرائيلي ويتزعم المعارضة في إسرائيل ويمثلها في الكنيست (البرلمان) ثلاثة عقود، ثم يقودها لأول مرة إلى الحكم عام 1977 عندما تولى رئاسة الوزراء.

تلقى أولى مراحل تعليمه في مسقط رأسه، ثم سافر إلى بولندا عام 1938 لدراسة القانون في جامعة وارسو، وفي 1939 عاد إلى روسيا عقب الاجتياح الألماني لبولندا، وهناك اعتقلته القوات السوفياتية ونفته إلى صحراء سيبيريا عام 1940، وبعد عام من السجن أخلي سبيله والتحق بالجيش البولندي مترجما قبل أن يقرر الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية عام 1942.

وفور وصوله إلى فلسطين كون بيغن منظمة عسكرية صهيونية أطلق عليها اسم "أرغون"، التي كرست عملها لتحقيق نفس مبادئ حركة بيتار، حيث عملت على تهجير الفلسطينيين من ديارهم. وبالموازاة مع ذلك نشطت في تنظيم هجرة اليهود من أوروبا وروسيا إلى الأراضي الفلسطينية.

ومن أشهر ما خلفته هذه المنظمة العسكرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مذبحة دير ياسين يوم 17 سبتمبر/أيلول 1948 التي راح ضحيتها أكثر من 360 فلسطينيا، كما ذكر ذلك بيغن نفسه في كتابه "التمرد.. قصة أرغون".

كما اشتركت مع منظمتي "شتيرن" و"الهاغاناه" في اغتيال عضو العائلة السويدية المالكة ألكونت فولك برنادوت، الذي كان رئيسا للصليب الأحمر السويدي واختارته الأمم المتحدة ليكون وسيطا للسلام بين العرب والإسرائيليين.

وقد اغتالت هذه المنظمات برنادوت بسبب اقتراحاته لحل الصراع والتي اعتبرتها تضيقا للخناق على الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، ورأت أنه يريد أن يطلق يد العرب في القدس ويهمش اليهود.

وحتى بعد إعلان قيام دولة إسرائيل وحل السلطات الإسرائيلية جميع التنظيمات العسكرية وإدماجها في الجيش لم يتراجع نجم بيغن، بل واصل شق طريقه في العمل السياسي، فأصبح عضوا في الكنيست عام 1949 وأسس حركة "حيروت".


الطريق إلى الحكومة
تزعم في الخمسينيات من القرن الماضي حركة لرفض تعويضات من ألمانيا الغربية لضحايا ما عرف بالمحرقة اليهودية أو الهولوكوست، وقاد مظاهرة نشبت فيها أعمال عنف كلفته تجميد عضويته في الكنيست عدة أشهر.

وفي 1965 اندمجت حركة "حيروت" والحزب الليبرالي وكونا حركة "غاهال". وفي 1970 استقال من الحكومة التي كانت ترأسها غولدا مايير، وذلك لرفضه ما عرف بخطة روجيرس للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

شكلت حركة غاهال عام 1973 مع حركات أخرى تكتلا يساريا سمي حزب الليكود تزعمه بيغن، وهي الزعامة التي قادته بعد أربع سنوات إلى أن يصبح سادس رئيس وزراء لإسرائيل عام 1977 ويترأس الوفد الإسرائيلي في مباحثات كامب ديفد مع الجانب المصري في العام نفسه.


"
التكوين الدراسي والسياسي لمناحيم بيغن ساعده على أن يمضي بعيدا في السياسة ويصبح عنصرا مؤثرا في اليسار الإسرائيلي ويتزعم المعارضة في إسرائيل ويمثلها في الكنيست (البرلمان) ثلاثة عقود، ثم يقودها لأول مرة إلى الحكم عام 1977 عندما تولى رئاسة الوزراء
"

حرب بعد جائزة السلام
بعد نجاح بيغن في أن يجعل بين إسرائيل ومصر سدا منيعا من السلام، اقتسم مع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات جائزة نوبل للسلام عام 1978، كما حمله إلى قيادة حكومة إسرائيل من جديد عام 1981.

وسرعان ما وضع معاني هذه الجائزة جانبا فأمر بقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 وباحتلال جنوب لبنان في يونيو/حزيران 1982، وهو ما زاد من زخم منتقديه الذين استنكروا منحه جائزة نوبل للسلام وهو الذي أمضى القسط الأكبر من حياته في المنظمات السرية الصهيونية، حتى إن سلطات الانتداب البريطاني رصدت في الأربعينيات من القرن العشرين جائزة 15 ألف ليرة فلسطينية لمن يدلي بمعلومات عنه.

تداعيات الحرب التي شنها على لبنان وكان يعد بأنها لن تتعدى أياما فتحولت إلى احتلال وطالت سنوات وخلفت مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة، وتدهور صحته وموت زوجته عام 1983، كلها عوامل دفعت بيغن إلى أن يقدم استقالته من رئاسة الوزراء في أغسطس/آب 1983، ومنذ ذلك التاريخ انزوى واستمر صراعه مع المرض حتى مات في التاسع من مارس/آذار 1992 نتيجة أزمة قلبية.

وبموجب قانون تخليد ذكراه الذي أقره الكنيست عام 1998، أنشئ في القدس مركز يؤرخ لحياته اسمه "مركز إحياء تراث مناحيم بيغن"، الذي يضم مكتبة ومعرضا يؤرخان لحياته وللحركة الصهيونية التي تربى في أحضانها وينظم أنشطة دورية للتعريف به وبأفكاره.

المصدر : الجزيرة