
الإيمان بالدار الآخرة.. منهج حياة أم مجرد عقيدة نظرية؟
وفي جلسة حوارية خلال حلقة (2025/9/22) من برنامج "حكم وحكمة" تناول علماء ومفكرون هذا الموضوع من زوايا متعددة، مؤكدين أن نسيان الآخرة يؤدي إلى تفشي الظلم وانتشار البغي واستمرار الطغيان في المجتمعات.
وأكد الداعية الإسلامي عمر عبد الكافي أن غياب تذكر الدار الآخرة من حياة الناس يؤدي إلى ارتفاع السفلة وغياب الصالحين واختفاء القدوات من المشهد العام.
وفي هذا السياق، أشار عبد الكافي إلى أن الإسلام وضع آلية تذكير يومية من خلال تكرار عبارة "مالك يوم الدين" 17 مرة يوميا في الصلوات الخمس، مما يجعل المسلم يتذكر باستمرار أن الحياة الدنيا مرحلة مؤقتة.
ومن ناحية التأثير السلوكي، أكد عبد الكافي أن الدار الآخرة تعمل كوحدة قياس لضبط عمل الإنسان في الدنيا، مشبّها ذلك بالتسوق في السوبر ماركت حيث يختار الإنسان ما يشاء ثم يقف للحساب.
وهذا المفهوم يجعل الإنسان يقيس كل كلمة وفعل، متسائلا عما إذا كانت ستوضع في ميزان الحسنات أم السيئات.
وطرح الطالب أحمد تساؤلا حول كيفية تغيير الإيمان بالآخرة لنظرة الإنسان في الحياة الدنيا وتأثيره على السلوك اليومي.
وفي إجابته، أكد عبد الكافي أن الدنيا لا تصلح إلا بذكر الآخرة، مفندا الاعتقاد الخطأ بأن تذكر الآخرة يؤدي إلى اليأس أو عدم التمتع بالحياة، مشيرا إلى أن الله خلق زينة الدنيا وطيباتها للتمتع بها ولكن ضمن إطار الإيمان بالدار الآخرة.
واستفسر الطالب علي عن منازل الدار الآخرة وكيفية التمييز بينها، وما يمر به المرء بعد الموت من البعث والحساب، ليوضح عبد الكافي أن هناك درجات في الجنة ودركات في النار، حيث إن ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض، وأن أعلى درجة في الجنة هي الفردوس الأعلى.
وفيما يتعلق بمشاهد الآخرة، أوضح عبد الكافي تفاصيل النفختين في الصور، مؤكدا أن النفخة الأولى تؤدي إلى موت جميع الكائنات، بينما النفخة الثانية تعلن القيامة.
وأشار إلى أن الناس يخرجون من الأجداث سراعا إلى أرض المحشر التي وصفها بأنها بيضاء نقية كالفضة المذابة، لم تُرتكب عليها معصية قط.
وتناول ضيف آخر موضوع عدل الله في موازين الأعمال يوم القيامة، مؤكدا أن الله لا يظلم الناس أبدا، وأوضح عبد الكافي أن الله صاحب الفضل، وأنه لو حاسبنا بعدله لهلكنا، ولكن إذا حاسبنا بفضله أكرمنا، مشيرا إلى أن المعطي الأول والأخير هو الله، فهو الذي حبب للمؤمن الصلاة والزكاة وأعطاه الصحة ليتمكن من العبادة.
حب الوالدين
وتساءل أحد الضيوف عن كيفية التوفيق بين حب الله والخوف من الآخرة، وأجاب عبد الكافي، موضحا أن حب الوالدين ينبع من كونهما السبب في الوجود ومن عطائهما ورحمتهما، وأن الأمر نفسه ينطبق على حب الله مع الفارق الكبير في المقام.
وأكد أن من يحب الله يحبه الله، وأن هذا الحب يأتي مع النعم أو الابتلاءات المصحوبة بلحظات اللطف الإلهي.
كما أكد العالم والمفكر الإسلامي الشيخ يونس، أن الإيمان بالدار الآخرة يجب أن يكون له امتداد سلوكي في الدنيا، وليس مجرد عقيدة نظرية للترقيق أو كثرة الذكر.
وأوضح أن هذا الإيمان منهج حياة تطبيقي يؤثر على معاملة الناس والتعامل مع الحقوق والواجبات.
في حوار حول أسباب نسيان الناس للدار الآخرة، أشار عبد الكافي إلى أن كثيرا من الناس لا يتذكرون الموت والآخرة إلا عند وفاة قريب، ثم يعودون للغفلة.
وأرجع الشيخ يونس ذلك إلى داء الغفلة والأمن من مكر الله، حيث يظن الإنسان أن النعم التي يعيش فيها دليل على رضا الله عنه، متناسيا أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب.
وأوضح الشيخ يونس أن تذكر الآخرة يمكن أن يحدث في كل صلاة عند قول "اهدنا الصراط المستقيم"، مؤكدا أن من ثبت على الصراط المستقيم في الدنيا ثبته الله على الصراط يوم القيامة.
كما أشار إلى أهمية زيارة القبور لتذكر الموت، والوقوف عند الجنائز، وضرورة أن يكون للتذكر برنامج منتظم وليس مجرد صدفة.
وأكد الشيخ يونس أن الإيمان الحقيقي بالآخرة يجعل المَحاكم تخلو من القضايا، لأن الناس سيؤدون الحقوق لأصحابها خوفا من الحساب يوم القيامة.
وأشار إلى أن هذا الإيمان يخفف الألم عن المبتلين، ويجعل فاعل الخير لا ينتظر الثمرة من الناس، بل من الله، ويحول دون قسوة القلب وعدم الشعور بظلم الآخرين.
