كل الطرق تؤدي إلى روما.. كيف تخطط لزيارة إيطاليا؟
ربما لا توجد بقعة على الأرض نابضة بالحياة في كافة أشكالها مثل إيطاليا التي تجمع بين التاريخ العريق، والعمارة الكلاسيكية والطعام الشهي بمكوناته الطازجة، وأهلها الذين تشعر بينهم بالبساطة والود، واللغة الإيطالية الموسيقية التي تضفي طابعًا مميزًا على التجربة.
كانت إيطاليا في القدم موطن الإمبراطورية الرومانية التي حكمت العالم القديم من قلب عاصمتها روما، وتركت تلك الحقبة التاريخية بصماتها التي لا تمَّحي في العمارة وفنون نحت التماثيل التي تكاد تدب فيها الحياة من فرط تفاصيلها.
وقد تأثرت بعض مدن جنوب إيطاليا بالثقافة العربية خلال العصور الوسطى، حيث تشير الشواهد الأثرية إلى وجود صلات بين ملوك إيطاليا وسلاطين الخلافة الفاطمية، والتي تركت آثارها على جدران سقف كنيسة كابيلا بلاتينا في باليرمو التي تزينها الحروف العربية، جنبًا إلى جنب مع رسوم القديسين المسيحيين.
المأكولات الإيطالية
عند ذكر إيطاليا، تتبادر إلى الذهن مشاهد تدعونا للاستمتاع بمباهج الحياة؛ فالطعام الإيطالي الشهي والمتنوع خُلِّد في الفيلم الشهير "طعام صلاة حب" (Eat Pray Love) لجوليا روبرتس، حيث تناولت أشهر أطباق المطبخ الإيطالي مثل البيتزا والباستا، وكان ركنا أساسيا في استعادة شغفها بمستقبل أفضل.
كما تتمتع إيطاليا أيضًا بثقافة موسيقية غنية وتاريخ عريق من الأغاني الخالدة مثل أغنية "الإيطالي" (L’Italiano) التي تعود لعام 1983، وحققت نجاحًا كبيرًا في إيطاليا والعالم، وتُعبّر كلمات الأغنية عن جمال إيطاليا وثقافتها وتاريخها.
وقد حظيت أغنية "وداعا يا جميلة" (Bella Ciao) الإيطالية بشهرة واسعة في العالم، وهي من الأغاني التي رددها الثوار الإيطاليون خلال الحرب العالمية الثانية.
سمات المطبخ
لا عجب إذن أن تصبح إيطاليا رابع أكبر دولة سياحية في العالم، ومن أفضل وجهات السفر في أوروبا، فهي وجهة محببة ومثالية للرحلات الفردية أو برفقة العائلة أو الأصدقاء، كما تعد من الدول الآمنة للسفر والملائمة من حيث النفقات اليومية والتنقل وتكاليف الطعام.
إذ يمكن الحصول على إفطار إيطالي مكون من فنجان قهوة الإسبرسو -التي تعد أبرز سمات المطبخ المحلي لإيطاليا- وأحد المخبوزات بحوالي 3 يوروات في الأماكن العامة، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع الأسعار وتباينها في المناطق السياحية المزدحمة. ووجبة غداء لذيذة مكونة من الباستا بالصلصلة أو بيتزا مارغريتا كفيلة بأن تشعرك بالشبع بقيمة تُقدر بحوالي 10 يوروات أو تزيد.
أما إذا كنت تريد تجربة عشاء "حلال" يحتوي على قدر من البروتين، فستجد العديد من المحلات الصغيرة التي تُقدم "الدونر"، وهو يشبه ساندويتش شاورما الدجاج، مع إضافة العديد من السلطات والبطاطا المقلية، وتتراوح قيمته ما بين 5-7 يورو، ولا تنسي أن تجرب الحلوى الأكثر شهرة في إيطاليا "التيراميسو"، أو تستمع بنكهات لم تسمع عنها من قبل من الجيلاتو (الآيس كريم الإيطالي).
التخطيط للسفر
ولتخطيط مثالي لرحلتك حدد نوع الرحلة التي تفضلها، سواء كانت عائلية، مع الأصدقاء، أم استكشافية فردية بين المدن يتخفف فيها المسافر من أعباء الحقائب والالتزامات تجاه رغبات الآخرين. وحاول اكتشاف ما تفضله في السفر مبكرًا عند التخطيط لعطلتك، فالذائقة الفردية تختلف من شخص لآخر.
فالبعض يفضل الطبيعة بما فيها من مساحات خضراء وغابات أو الجلوس بقرب شاطئ البحر، والبعض يؤثر زيارة المعالم الأثرية المميزة، ومن الأشخاص من يتخذ من التجوال سيرًا على الأقدام أو التنقل بين المدن خير وسيلة للتعرف على ثقافة البلد وشعبه وطعامه، وصنف آخر من الناس تستهويه الموضة والتسوق فيبحث عن مدن تحتوي على أسواق وماركات تجارية محلية أو عالمية.
وحين تتخذ القرار لتستمتع بزيارة مدن إيطاليا العريقة، ستجد نفسك في حيرة من أمرك؛ هل ستختار أشهر المدن كالعاصمة روما والمدينة العائمة فينيسا، أم ستتجه جنوبًا نحو الجزر الخلابة كجزيرتي سريدينا وصقلية، أم تذهب صوب مدن الشمال الإيطالي الواقعة على ساحل البحر والتي تضفي عليها الجبال المرتفعة لمسات إضافية من المتعة تتحدث بإبداع الخالق العظيم كبحيرة كومو وجبال الألب الإيطالية.
مدن الشمال
إذا قررت زيارة مدن الشمال، التي تناسب طبيعتها الساحرة وأجواؤها فصل الصيف الحار، ابدأ بميلانو، العاصمة الاقتصادية لإيطاليا التي تعج بالجاليات العربية التي تتحدث بمختلف اللهجات بالقرب من ميدان كاتدرائية "الدومو"، وتحتوي تلك المنطقة في ميلانو أيضًا على عالم متكامل لمحبي التسوق وشراء أفخر المنتجات الإيطالية.
وبالقرب من ميلانو على مسافة ساعة بالقطار نصل إلى المحطة التالية والبقعة الساحرة "مدينة كومو" التي تحظى بشهرة واسعة، نظرًا لاحتوائها على بحيرة كومو إحدى أجمل بحيرات العالم تحيطها السلاسل الجبلية المكسوّة بالخضرة وتحدّها القرى الصغيرة المشيدة على ضفاف البحيرة، فستستمتع خلالها بلحظات من البهجة عبر رحلة بحرية تستغرق ساعتين في مياه البحيرة الخلابة التي تفصل إيطاليا عن سويسرا.
ويُنصح بزيارة مدينة جنوة أيضًا لقربها من ميلانو. وجنوة هي مدينة تاريخية تتميز بالعديد من المعالم الثقافية والتاريخية وبخاصة مرفأ جنوة القديم، وهو ممشى على الواجهة البحرية مليء بالمطاعم والمتاحف والمعارض.
ولمحبي الاستكشاف والأماكن الأقل شهرة وازدحامًا يمكن الذهاب من جنوة إلى واحدة من الجواهر المخفية في الشمال الإيطالي؛ "المدن الخمسة" أو "شينك تيري"، وهي 5 قرى صغيرة قريبة من بعضها تقع على الساحل الغربي لإيطاليا، وتنفرد بمنازلها الملونة المقامة على مرتفعات جبلية بالقرب من البحر، وتشتهر كذلك بطعامها البحري الطازج المكون من سمك السردين الصغير وقطع السبيط الطازج بسعر زهيد لا يزيد عن 10 يوروات.
المدينة العائمة
وعلى الرغم من شهرة مدينة فينسيا الإيطالية، حلم محبي السفر حول العالم؛ لزيارة المدينة العائمة التي يتنقل فيها الناس عبر القنوات المائية باستخدام جندول ومراكب صغيرة، فإنها مزدحمة بشدة وخاصة في الصيف، مما يتسبب في ضغط مستمر على خدماتها ومواردها المحدودة، للحد الذي قررت معه السلطات الإيطالية فرض رسم دخول للمدينة قدره 5 يوروات للحد من عدد الزوار المتزايد.
وليكن ختام تلك الرحلة في فلورنسا، واحدة من أجمل مدن إيطاليا تشتهر بالحرف اليدوية التقليدية والمنتجات الجلدية بين أرجاء أحيائها التاريخية التي تستمتع فيها بالسير على الأقدام، وهي موطن للعديد من الآثار المعمارية المهمة مثل كاتدرائية سانتا ماريا ديل فيوري التي تعد تحفة فنية فريدة.
وكذلك زيارة جسر بونتي فيتشيو وهو أقدم وأشهر جسر في فلورنسا التاريخية، ويعرف أيضًا بجسر الذهب لوجود محلات الذهب والمجوهرات بالقرب منه.
هكذا يضفي تنوع السمات الثقافية في إيطاليا؛ في المطبخ، والفن، والموضة والمعمار، فضلًا عن الطبيعة الفريدة، أسبابًا جوهرية لزيارة تلك البلاد ولو مرةً واحدةً بالعمر، وتذكر أن "كل الطرق تؤدي إلى روما".
——–
باحثة مصرية شغوفة بالسفر والكتابة.