أغرب من الخيال.. حلّ نادي كرة قدم تونسي لسبب صادم
تونس – لم يكن أي من مسؤولي ومشجعي "جمعية غار الدماء" (شمال غربي البلاد) الذين ينشطون بدوري الدرجة الرابعة يعتقد أن آمالهم وتطلعاتهم إلى الصعود لدوري الدرجة الثالثة وارتقائهم لمصاف النوادي المحترفة ستتلاشى بسبب لجوء جلّ لاعبي الفريق إلى الهجرة السرية نحو أوروبا على نحو مفاجئ وصادم لمجلس إدارة النادي.
وفي حادثة غير مسبوقة في تاريخ الكرة التونسية، أعلن نادي "غار الدماء" أحد أقدم الأندية في تونس، والذي احتفل العام الماضي بالذكرى المئوية لانبعاثه رسميا، حلّ نشاطه وتجميد الفريق الأول بسبب مغادرة 32 لاعبا البلاد في رحلات هجرة غير نظامية نحو سواحل أوروبا، مما اضطر النادي في مرحلة أولى إلى الغياب عن المباريات قبل الإعلان عن حل نشاطه.
وفي السنوات الأخيرة استفحلت في تونس ظاهرة الهجرة غير النظامية، بحرا أو برا نحو أوروبا في رحلات سرية على متن قوارب بحرية كثيرا ما انتهت بالغرق أو باعتقال أصحابها بينما نجح عدد من المهاجرين في العبور إلى أوروبا.
أحلام جنة أوروبا
وكشف رئيس نادي "غار الدماء" جميل مفتاحي أن ظاهرة الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، وبوجه خاص فرنسا، استهوت كثيرا من لاعبي النادي الذين يعيشون وضعا ماديا صعبا دفعهم إلى مغادرة النادي دون سابق إعلام؛ ليصار إلى اتخاذ قرار حل نشاط الفريق الأول والاقتصار على فئات الشبان والأكاديمية، حسب قوله.
وأضاف أن "32 لاعبا بالتمام والكمال هاجروا نحو أوروبا في رحلات غير نظامية في الأعوام الثلاثة الماضية، كلهم من عناصر التشكيلة الأساسية الذين لم نقدر على تعويضهم، لنجد أنفسنا أمام خيار الانسحاب".
وقال مفتاحي -في تصريحات للجزيرة نت- إن "قرار حل الفريق الأول وتجميد نشاطه رسميا كان قرارا اضطراريا بسبب عدم اكتمال نصاب اللاعبين المؤهلين لخوض المباريات. وجدنا أنفسنا أمام حتمية الانسحاب وحل الفريق الأول بسبب هجرة لاعبيه نحو أوروبا وهو وجه من أوجه المعاناة التي تعيشها الأندية الصغرى في تونس".
وتابع "من الواضح أن جل اللاعبين فكروا في تأمين مستقبلهم بعيدا عن كرة القدم، وذلك بسبب استفحال الأزمة المالية التي يشكو منها النادي والأوضاع الاجتماعية التي يعيشها هؤلاء اللاعبون".
وعجزت إدارة نادي "غار الدماء" عن التعاقد مع لاعبين جدد بسبب فوات آجال قيد اللاعبين خلال فترة التنقلات الشتوية، وبرر رئيس النادي ذلك بالقول "نحن فريق يشكو قلة الموارد المالية، ولا يمكنه أن يتعاقد مع فريق كامل. ما حدث لنادي غار الدماء هو صيحة فزع حول واقع كرة القدم في تونس وسير الأندية نحو الإفلاس والاضمحلال".
ودفعت المستجدات الطارئة على النادي مجلس الإدارة إلى تقديم استقالة جماعية لكل أعضائه قبل التراجع عنها بسبب غياب أي مرشح لتسلم مهمة تسيير النادي، وفقا لما صرح به جميل مفتاحي.
وقال رئيس النادي "تفاقمت أزمتنا المالية بسبب ارتفاع كلفة تنقلاتنا خارج المدينة لإجراء المباريات. نضطر إلى إنفاق كثير من المال لتأمين تنقلنا خارج ملعبنا، لكننا نحصل في المقابل على منحة سنوية هزيلة من السلطات لا تتعدى 30 ألف دينار (9 آلاف دولار تقريبا)".
ويشار إلى أن نادي "غار الدماء" كان في موسم 2021ـ2022 من الأندية التي تراهن على الصعود للدرجة الثالثة (نظام الاحتراف)، إذ أنهى المرحلة الأولى من الدوري في صدارة الترتيب، لكنه فوجئ بقرار صادر من رابطة كرة القدم التونسية يقضي بإجراء مباراة ملحق أمام ناد آخر من أجل بطاقة وحيدة للصعود انتهت بخسارته وتلاشي حلم الصعود، حسب رئيس النادي.
واقع كروي أليم
وعن لجوء أغلب لاعبي الفريق الأول إلى الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، يقول عادل الشعابي المدرب السابق لنادي "غار الدماء" إن "ما حدث لفريقه عقب موسم 2021 ـ2022 هو وجه من أوجه معاناة كرة القدم في تونس، ونتيجة حتمية لانعدام الموارد واستفحال الصعوبات المالية لأندية الدرجات السفلى".
وأضاف الشعابي -للجزيرة نت- أن "هناك أسبابا وراء حل نشاط النادي، وذلك بعد اضطراره إلى عدم التنقل لخوض 3 مباريات متتالية واعتباره منهزما بالغياب ليفضي ذلك في النهاية إلى حلّ نشاط الفريق الأول لعدم توفر لاعبين. ظاهرة هجرة اللاعبين السرية نحو أوروبا هي وجه من أوجه الهجرة غير النظامية التي استفحلت في البلاد بوجه عام ولم تعد تقتصر على فئات دون غيرها من الشبان".
ويرى الشعابي، وهو لاعب سابق لنادي "غار الدماء" وتولى تدريبه في عدة مناسبات آخرها في 2022، أن "مسؤولية انهيار النادي وحل نشاطه لا يتحملها فقط اللاعبون. هناك أسباب أخرى أدت إلى هذا المصير والواقع الأليم، الهيئة الإدارية تتحمل قسطا من المسؤولية في ما حدث، فهؤلاء اللاعبون لا يحصلون على رواتب شهرية كما أن كرة القدم في مثل هذا المستوى قد لا تمثل فرصة لهم لتأمين مستقبلهم وتحسين أوضاعهم المادية، ومن ثم فإن أغلبهم سيركب قوارب الهجرة غير النظامية في أول مناسبة تتاح أمامه".
وأضاف -للجزيرة نت- أن كرة القدم "تشهد أعنف أزمة مالية، ما حدث لنادي غار الدماء صورة مصغرة لفقدان أغلب اللاعبين الشغف بأن الكرة قادرة على تأمين مستقبل الشباب في تونس".
ظاهرة الهجرة غير النظامية
وتفشت ظاهرة الهجرة غير النظامية للرياضيين التونسيين نحو إيطاليا وفرنسا على وجه الخصوص، ففي 2022 شارك حارس مرمى فريق الشباب بالنادي الصفاقسي علي شلبي في رحلة غير نظامية نحو إيطاليا، أو "حرقة" مثلما يصطلح على تسميتها في تونس.
وفي تصريحات إعلامية، برر شلبي (19 عاما) إقدامه على تلك المغامرة بالقول "تعرضت للظلم في منتخب تونس للشباب، وذلك ما جعلني أفكر في الهجرة، رغم أن وضعي كان جيدا في الصفاقسي".
وفي أوائل العام الجاري وصل خليل الزوالي حارس مرمى نادي رجيش الناشط بالدوري التونسي الممتاز إلى سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في رحلة غير نظامية على متن قارب.
وأوضح نادي مستقبل رجيش، في بيان نشره بصفحته الرسمية على فيسبوك، أن قرار اللاعب خليل الزوالي (19 عاما) كان بسبب "الأزمة المالية الصعبة، والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها النادي".
وسبق لـ3 ملاكمين من منتخب تونس أن هاجروا ضمن رحلة بحرية سرية نحو إيطاليا في أغسطس/آب الماضي من بينهم بطل العرب محمد علي القاسمي، حسب ما أكده الاتحاد التونسي للملاكمة.
وبلغ عدد التونسيين الواصلين إلى السواحل الايطالية بطريقة غير نظامية في سنة 2022 أكثر من 18 ألف شخص، حسب مصادر رسمية، بينما تجاوز عدد المهاجرين نحو بلدان أوروبية أخرى 8 آلاف مهاجر.