الحيتان البالينية.. أكبر ثدييات الأرض تسمع الترددات فوق الصوتية
توصلت دراسة جديدة لأول مرة إلى قياس مباشر لقدرة الحيتان المنك على السمع، وكشفت عن تمكنها من الرصد الدقيق للأصوات العالية التردد التي تصل إلى 90 كيلوهرتزا، وهي أعلى بكثير مما كان يعتقد سابقا.
وفقا للدراسة التي نشرت يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في مجلة "ساينس"، يشير هذا الاكتشاف إلى أن الحيتان البالينية، التي تضم أكبر الثدييات على وجه الأرض وتعتبر حيتان المنك فردا من هذه العائلة، قد تكون أكثر تأثرا بضوضاء المحيط التي يسببها الإنسان، مثل الضوضاء الناتجة عن السونار البحري وحركة السفن، مما يستدعي إعادة تقييم إستراتيجيات الحفاظ عليها.
تقنيات متقدمة لقياس السمع
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة دوريان هاوزر الباحث في مؤسسة الثدييات البحرية الوطنية، وهي منظمة غير ربحية مقرها في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، إن حجم جسم معظم الحيتان من هذا النوع كبير جدا بحيث يكون من الصعب تقييد حركتها ولو بشكل مؤقت لدراسة قدراتها السمعية، لذلك لجأ الفريق إلى نوع باليني صغير نسبيا يسمى حوت المنك.
يوضح هاوزر، في تصريحات للجزيرة نت، أن الفريق فحص مسار هجرة حيتان المنك على طول ساحل النرويج، ووجدوا قناة طبيعية بين جزيرتين، حيث استخدموا حواجز شبكية وقوارب لتوجيه حوتين -يبلغ طول كل منهما نحو 3 إلى 5 أمتار- إلى حظيرة مزرعة سمكية ذات باب شبكي قابل للسحب.
بعد ذلك، استخدم الباحثون نظام بكرات لسحب شبكة وإمساك الحيوانات المراهقة المغمورة جزئيا على سطح الماء، ثم جرى توصيل أقطاب ذهبية على سطح جلد الحيتان لقياس الاستجابات الدماغية، مع تشغيل أصوات عبر جهاز إرسال صوتي تحت الماء.
كانت الحيتان البالينية تعتبر مختصة في السمع المنخفض التردد بناء على دراسات سابقة لفسيولوجيا الأذن وتحليل الأصوات التي تصدرها.
ومع ذلك، أوضحت الدراسة أن نوعا من هذه الحيتان يمتلك مدى سمع أوسع بكثير يشمل الترددات العالية؛ ومن ثم، يعد هذا الاختراق مهما لفهم أكبر لتأثير الضوضاء البشرية على الحياة البحرية.
التأثيرات البيئية
يرى المؤلفون أن هذه النتائج تمثل تحولا كبيرا في فهمنا لكيفية تفاعل الحيتان مع الضوضاء البشرية. ففي الوقت الحالي، تفتقر اللوائح التنظيمية إلى معايير تأخذ في الاعتبار تأثير الترددات العالية على الحيتان البالينية. يؤدي هذا النقص إلى زيادة المخاطر على هذه الكائنات التي تعتمد على بيئة صوتية نقية للتواصل والملاحة والتغذية.
أظهرت بيانات التتبع بالأقمار الصناعية أن الحيتان عادت إلى سلوكها الطبيعي بعد التجربة، حيث قطعت مئات الأميال وصولا إلى مناطق تغذيتها. ويكشف المؤلف الرئيسي للدراسة أن البحث الميداني أسهم في إنقاذ حياة أحد الحيتان المختبرة، حيث عثر عليه محاصرا في شبكة صيد قديمة كانت ملتفة حول فكه، فأزال الفريق الشبكة، مما أنقذ حياته ومنحه فرصة للعودة إلى حياته الطبيعية.
تعد هذه الدراسة خطوة أولى نحو سد فجوة معرفية كبيرة حول الحيتان البالينية. إذ يدعم هذا البحث تطوير سياسات أكثر دقة تهدف إلى حماية الحيتان من تأثيرات التلوث الصوتي.
ومع استمرار جهود العلماء، من المتوقع أن يؤدي هذا العمل إلى تقدم كبير في الحفاظ على هذه الكائنات المهمة وتعزيز التوازن البيئي في المحيطات، وفقا للبيان الصحفي الرسمي الذي نشره الباحثون في منصة "يوريك آلارت".