يرجع إلى 240 ألف عام مضت.. اكتشاف أقدم موقع دفن معروف حتى الآن
يعتقد العلماء أن ممارسات الدفن والشعائر الجنائزية حكر على البشر ذوي العقول والأدمغة الكبيرة مقارنة بالأجناس الأخرى، فهل استطاع العلماء إيجاد أي شكل لممارسات دفن في غير الجنس البشري مما يقوض هذه الفكرة؟
في أعماق كهف بجنوب أفريقيا اكتشف العلماء أقدم قبور دفن حفرها أحد الأنواع ذات الأدمغة الصغيرة -والذي يعرف باسم "هومو ناليدي" (Homo Naledi)- في وقت يسبق 100 ألف عام عن أقدم ممارسات الدفن الجنائزية التي عرفها "الإنسان العاقل"، مما يزعزع القصة العلمية بشأن نظرية التطور، ويضع العلماء في جدل حاد، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post).
وأفاد فريق البحث -الذي أجرى استكشافه في كهف "رايزينغ ستار" شمال غرب جوهانسبرغ- بأنه عثر أيضا على جدران من الحجر الجيري نقشت عليها مثلثات ومربعات وخطوط متقاطعة يعود تاريخها إلى نفس سلالة أشباه البشر تلك، ويعود تاريخ تلك القبور إلى 240 ألف عام مضت.
وأُعلن عن هذه النتائج في مؤتمر صحفي عقدته جامعة ستوني بروك بالولايات المتحدة في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، وظهرت في ورقتين علميتين نُشرت نسختاهما الأوليان على موقع "بيو أركايف" (bioRxiv).
وما زالت الدراستان قيد المراجعة العلمية قبل نشرهما في دورية "إي لايف" (eLife).
💀 Pushing back the first sign of burial by thousands of years
Evidence for deliberate burial of the dead by Homo naledi@LeeRberger @Keneiloe @KabwePRQ @Anthrofuentes @Paleo_Bonegirl @stickman913 @CDWren @MarcKissel et alhttps://t.co/K9zchDTqII pic.twitter.com/XEoEQZlOjE
— MU-Peter Shimon 🀄 (@MU_Peter) June 5, 2023
وتعد هذه النتائج مثيرة للغاية، ففي عام 2021 كان أقدم موقع دفن معروف يعود إلى 78 ألف سنة مضت ويخص طفلا بشريا.
وتأتي هذه النتائج بعد عدة أعوام على اكتشاف النوع الذي أطلق عليه العلماء "هومو ناليدي"، والذي يتميز بقصر قامته (يبلغ طوله نحو 1.5 متر) وبحجمه الصغير، بما في ذلك حجم الدماغ الذي يزن ثلث حجم دماغ البشر المعاصرين، كما أنه يمتلك سمات تشريحية قديمة جدا وأخرى حديثة نسبيا.
ممارسات جنائزية طوعية
تم اكتشاف بقايا العظام خلال عمليات التنقيب الأثرية التي بدأت في عام 2018، وكان معظم الرفات الهيكلي الذي عثر عليه العلماء موجودا في منطقة واحدة من الكهف يعود تاريخها إلى فترة تتراوح بين 335 ألفا و241 ألف سنة مضت، وهي الفترة التي بدأ فيها ظهور الإنسان المعاصر في أفريقيا.
وقد عثر العلماء على هذه المقابر في تجاويف مدفونة في نهاية نظام متشابك من الأروقة الضيقة، ولاحظ الباحثون أن المقابر كانت مسدودة بالتراب الذي كان يستخدم في البداية لتشكيل الحفر، مما يشير إلى أن جثث هؤلاء البشر دفنت طواعية.
لكن هذه النتائج أثارت جدلا بين العلماء عقب الإعلان عنها، إذ اختلفت آراؤهم بشدة بشأن الأدلة التي تبرهن على أن "هومو ناليدي" كان يدفن موتاه، كما يشير بعض العلماء إلى انتفاء الأدلة التي تقول إن هذه النقوش عمرها آلاف السنين، وذلك وفقا لتقرير نشرته "ناشيونال جيوغرافيك" (National Geographic).
ويعكس الجدل حجم التوتر القائم بشأن فهمنا للتاريخ القديم وما ترصده الاكتشافات العلمية الجديدة من آن إلى آخر، ولو صحت نتائج الدراستين الأخيرتين فإن هذا سيقوض المفهوم السائد بأن دفن الموتى كان حكرا على جنسنا البشري "الإنسان العاقل".
جدل قائم
ويشير لي بيرغر عالم الأنثروبولوجيا القديمة وقائد فريق الدراسة إلى أنه "لطالما تساءل الناس عن موقفهم حيال عثورهم على ثقافة أخرى معقدة كثقافتنا البشرية.. حسنا، إننا أمام واحدة من هذه الآن، إنها لحظة عظيمة في تاريخ البشرية".
ويقول العلماء إن النتائج التي تم التوصل إليها تفتح الباب أمام احتمالية وجود ممارسات جنائزية لدى أشباه البشر ذوي الأدمغة الصغيرة والأقل ذكاء كما يعتقد العلماء.
وتعارض هذه الفكرة النظرة السائدة التي ترى أن الوعي بالموت عموما والممارسات الجنائزية خصوصا سمات مميزة للبشر، وأن ممارسات الدفن هذه تعد أمرا حديثا نسبيا عرفته البشرية قبل 100 ألف عام فقط.
ويذكر بيرغر في التقرير -الذي نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)– "إننا على وشك أن نقول للعالم إن ذلك ليس صحيحا"، ويختم قائلا "إن الرموز المنقوشة على الأحجار تشير أيضا إلى أن البشر لم يكونوا الوحيدين الذين طوروا هذه الممارسات".