المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد يكشف ممرات عجيبة أسفل بحر الشمال

هذه الممرات تعد لقطة فوتوغرافية للماضي، لكن قيمتها الحقيقية قد تكون في المساعدة على التنبؤ بالمستقبل.

CLOSE UP IMAGE OF AN ESKER (A SEDIMENTARY CAST OF A MELTWATER CHANNEL FORMED BENEATH AN ICE SHEET), DISCOVERED WITHIN A TUNNEL VALLEY USING THE NEW 3D SEISMIC REFLECTION DATA. CREDIT: JAMES KIRKHAM
ممرات نفقية خفية ومتعرجة عبر ما كانت ذات يوم منطقة مغطاة بالجليد (المسح الجيولوجي البريطاني لأنتراكتيكا)

المشهد يبدو كوعاء من المعكرونة المسكوبة في قاع بحر الشمال، حيث تنساب ممرات نفقية (tunnel valleys) خفية ومتعرجة عبر ما كانت ذات يوم منطقة مغطاة بالجليد.

هذه الممرات بقايا أنهار قديمة لصرف المياه الناتجة عن ذوبان الصفائح الجليدية، والآن توصل العلماء إلى أوضح رؤية لهذه القنوات الضخمة التي يتراوح عرضها بين 1و6 كيلومترات، والتي دفنت على عمق مئات الأمتار تحت قاع البحر.

ويكشف التصوير الجديد عن التفاصيل الدقيقة لهذه التضاريس الواسعة؛ تلال صغيرة ودقيقة من الرواسب، وجدران من الرواسب تصل لأميال، وفوهات تسمى "كيتل" (kettle) خلّفها ذوبان قطع الجليد.

ويقول جيمس كيركام، عالم الجيوفيزياء البحرية في هيئة المسح البريطانية للقطب الجنوبي (British Antarctic Survey) وجامعة كمبريدج (University of Cambridge)، والمشرف على الدراسة التي نشرت في دورية "جيولوجي" (Geology) بتاريخ الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري؛ "لم نتوقع العثور على هذه الأنواع من تضاريس الغطاء الجليدي داخل القنوات نفسها، وهذا يدلنا على أن الجليد كان يتفاعل مع القنوات أكثر بكثير مما كان يُعتقد سابقا".

** للاستخدام داخل الخبر ** A map of the North Sea showing the distribution of buried channels (tunnel valleys) that have been previously mapped using 3D seismic reflection technology. The limit of the last ice sheet to cover the UK (around 21,000 years ago) is overlain. Credit: James Kirkham
خريطة لبحر الشمال توضح توزيع القنوات المدفونة باستخدام الانعكاس الزلزالي ثلاثي الأبعاد (المسح البريطاني لأنتاركتيكا)

آثار الأنهار الجليدية

هذه القنوات بقايا تضاريس أنهار جليدية تعود إلى ما بين 700 و100 ألف عام مضت، عندما كان معظم بحر الشمال والجزء الشمالي من المملكة المتحدة وأيرلندا مدفونا تحت طبقات جليدية ضخمة، وتراكم الجليد وانحسر 7 أو 8 مرات خلال هذه الفترة، كما قال كيركام في تقرير "للايف ساينس" (Live Science) نشر في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري.

خلال الفترات التي كان فيها المناخ أكثر دفئا وانحسر فيها الجليد، قامت هذه الصفائح الجليدية بتفريغ المياه من خلال قنوات جليدية مخفية تحت الجليد، وتركت هذه القنوات بصماتها على الرواسب تحتها، ثم تراكمت المزيد من الرواسب على القمة مع اختفاء الجليد، مما أدى إلى دفن هذه التضاريس في أعماق قاع البحر.

لرؤية هذه الآثار القديمة، استخدم الجيوفيزيائيون تقنية تسمى المسح السيزمي (الزلزالي) ثلاثي الأبعاد في هذه العملية، إذ يطلق العلماء رشقات من الهواء المضغوط باتجاه قاع البحر، فتنتقل الموجات الصوتية الناتجة عبر الصخور وطبقات الرواسب تحت قاع البحر وترتد منها، ويتم التقاطها بواسطة جهاز استقبال على متن سفينة.

إعلان

ونظرا لأن الصوت ينتقل بسرعات مختلفة عند ارتداده عن أنواع مختلفة من الصخور والرواسب، يمكن إعادة بناء البيانات لتشكيل صورة لما تحت السطح.

وتبدو خريطة الممرات تحت سطح البحر كأنها مجموعة واسعة من التمايلات، مثل المعكرونة المسكوبة، ولكن عند التكبير تظهر القنوات بتفاصيلها المذهلة، فهي تتعرج وتهبط مثل الأنهار التي كانت عليها من قبل، تحدها منحدرات مستقيمة وأخرى وعرة، وينخفض بعضها إلى عمق 500 كيلومتر في الرواسب، ويمتد طولها إلى عشرات الكيلومترات.

** للاستخدام الداخلي ** صورة لممرين متقاطعين تم اكتشافهما باستخدام بيانات الانعكاس الزلزالي ثلاثية الأبعاد الجديدة (المسح البريطاني لأنتاركتيكا)
ممران متقاطعان تم اكتشافهما باستخدام الانعكاس الزلزالي ثلاثي الأبعاد (المسح البريطاني لأنتاركتيكا)

الماء والجليد

يقول كيركام إن التضاريس داخل الممرات ترسم صورة معقدة لتراجع الجليد، وفي بعض الأحيان توجد علامات على تراجع بطيء وثابت إلى حد ما، فعلى سبيل المثال فإن التضاريس الجليدية عبارة عن تلال من الرواسب يبلغ ارتفاعها حوالي 5 أمتار، ويمكن أن تمتد عدة كيلومترات، كما تظهر أيضا في الأنهار الجليدية الحديثة التي تنساب تدريجيا.

ويضيف أن القنوات في أماكن أخرى تتخللها تلال صغيرة ودقيقة تشير إلى تدفق جليدي سريع، كما توجد علامة أخرى على اندفاعات الجليد والماء، وهي الفوهات (كيتل)، التي تعد بقعا تتشكل عند انفصال جبل جليدي كبير عن الغطاء الجليدي الرئيسي وانتقاله إلى موقع آخر، ثم بدء الذوبان.

ويبدو أن القنوات تم نحتها بواسطة الماء والجليد، فهناك قنوات مضفرة تتعرج في قاع الوديان في بعض الأماكن -كما قال كيركام- حيث تشكلت هذه القنوات بواسطة المياه المتدفقة، التي يبدو أنها أدت إلى تآكل الرواسب تحت الغطاء الجليدي، ولكن بمجرد تشكل هذا التجويف فإن الجانب السفلي من الجليد ينحرف ليشكل مسارا أوسع.

** للاستخدام الداخب ** صورة إيكر (قالب رسوبي لقناة المياه الذائبة التي تشكلت تحت صفيحة جليدية). (المسح البريطاني لأنتاركتيكا)
قالب رسوبي لقناة المياه الذائبة التي تشكلت تحت صفيحة جليدية (المسح البريطاني لأنتاركتيكا)

رؤية للمستقبل

هناك أيضا أماكن تبدو فيها جدران الممرات كأنها انهارت، ربما بعد ذوبان الجليد الذي كان يملأ الوادي، مما مكن الرواسب من الانهيار بدلا منه.

إعلان

صحيح أن هذه الممرات تعد لقطة فوتوغرافية للماضي، لكن قيمتها الحقيقية قد تكون في المساعدة على التنبؤ بالمستقبل، فمع ارتفاع درجة حرارة المناخ تتراجع القمم الجليدية مرة أخرى، وإذا أصبح المناخ حارا بدرجة كافية، فقد يبدو غرب القارة القطبية الجنوبية يوما ما شبيها ببحر الشمال قبل 100 ألف عام، كما قال كيركام.

إضافة إلى ذلك، فإن الغطاء الجليدي في غرينلاند يذوب بسرعة، ودراسة بقايا قنوات بحر الشمال وكيفية تشكلها يمكن أن تكشف عن المزيد من الديناميكيات التي تحكم فقدان الصفائح الجليدية اليوم.

وعلى وجه الخصوص، يمكن للسجل الجيولوجي أن يشير إلى كيفية تأثير العوامل الصغيرة مثل انسياب المياه على مقدار الجليد الذي سينتهي به المطاف في البحر، ومدى سرعة هذا الذوبان، مما قد يساعد على نمذجة أفضل لتوقعات ارتفاع مستوى سطح البحر.

ويضيف كيركام أنه "في المستقبل نود استكشاف هذه الفكرة بشكل أفضل قليلا عبر مواصلة رسم الخرائط، وكذلك بعض نماذج الحاسوب لمعرفة كيفية تشكل هذه التضاريس، وما يجب أن يحدث عند قاعدة الغطاء الجليدي لتشكيلها".

المصدر : لايف ساينس

إعلان