"رياح" من طبقة الوشاح تتدفق عبر ممر سري أسفل بنما
قد يغيّر هذا الاكتشاف فهم العلماء للعمليات الجيولوجية التي تحدث في باطن الأرض.
من المعروف أن أعمدة الوشاح هي القنوات الرئيسية التي تنقل الصخور الغنية بالمعادن من باطن الأرض إلى السطح. وقد لاحظ فريق من العلماء -بحسب دراسة نشرت في دورية "بروسيدنغز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينس" (PNAS)، وجود نسب مرتفعة من نظيرين مشعين للهيليوم، "هيليوم-3" و"هيليوم-4″، في عينات جُمعت من ينابيع مائية في بنما بعيدا عن أي براكين نشطة. وكان أكثرها ارتفاعا في عينة من ينبوع بارد نسبيا درجة حرارته 50 درجة مئوية، في منطقة براكين خاملة بوسط بنما.
وشرع فريق العلماء في دراسة التركيب الجيوكيميائي للمنطقة من خلال جمع عينات من الصخور البركانية والغازات والسوائل من الينابيع الحارة، واكتشفوا أن هذه المواد البركانية مصدرها عمود وشاحي بجزر غالاباغوس التي تبعد أكثر من 1448 كلم عن هذه الينابيع الحارة.
وبحسب تقرير نشر في دورية "لايف ساينس" (Live Science)، يتكون الوشاح الأرضي في الغالب من صخور السيليكا التي قد يختلف تركيبها من مكان لآخر.
وقد لاحظ الباحثون أن التركيب الجيوكيميائي في مناطق معينة من أميركا الوسطى، ولا سيما غربي بنما وخلف القوس البركاني بكوستاريكا، يشبه نظيره في جزر غالاباغوس.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالحركة البطيئة لصفائح القشرة الأرضية يمكن أن تسبب زلازل مدمرة
بسبب اتساع الأطلسي.. قارتا أفريقيا وأوروبا تبتعدان عن الأميركتين سنويا
أين تذهب الصفائح التكتونية الغارقة في وشاح الأرض؟
وعجز الباحثون عن تفسير الكيفية التي انتقلت بها أعمدة الوشاح من غالاباغوس إلى بنما، مما حدا بهم إلى اللجوء إلى تقنية التصوير المقطعي الزلزالي للوشاح. وتستخدم هذه التقنية موجات زلزالية ونماذج محاكاة حاسوبية لإنتاج صور ثلاثية الأبعاد لباطن الأرض.
مسار سري
واكتشف الباحثون أن السر قد يكمن في الصفائح التكتونية أسفل بنما. ففي الساحل الغربي لأميركا الوسطى، تدفع صفيحة كوكوس التكتونية القشرة المحيطية باتجاه الصفائح التكتونية لأميركا الشمالية والكاريبي وبنما، في منطقة تسمى "منطقة التقاء الصفائح التكتونية" أو الاندساس، إذ تندس صفيحة تكتونية أسفل الأخرى. وهذه المنطقة كفيلة بإحداث زلازل كبرى، مثل زلزال 2017 الذي ضرب ولاية تشياباس بالمكسيك.
وقد تكوّن ثقب أو منفذ في صفيحة كوكوس التكتونية المندسة، إثر تحرك الصفائح التكتونية واندساسها. وتتدفق أعمدة الوشاح عبر هذا المنفذ كتدفق الهواء عبر النافذة المفتوحة.
ويقول إيستيبان غازيل الأستاذ المساعد لعلوم الأرض والغلاف الجوي بجامعة كورنيل بولاية نيويورك، في البيان الصحفي للدراسة الصادر عن الجامعة، "إن الوشاح الأرضي كالمحيط يموج بالتيارات، فهناك تيارات عميقة تصعد إلى أعلى من حافة الوشاح الأرضي لتشكّل البراكين والجزر وسط المحيط، مثل هاواي وغالاباغوس"،
ويضيف غازيل "لقد أثبتنا أن هذه التيارات بمجرد أن تصل إلى الوشاح العلوي، قد تنتشر وتؤثر على مساحة أكبر كثيرا مما كنا نعتقد سابقا".
تيارات الحمل الحراري
وقد بحث العلماء في أسباب تدفق أعمدة الوشاح عبر هذا المنفذ لمسافات طويلة. وتوصلوا إلى احتمالين: أولا أن تيارات الحمل الحراري من الوشاح تتحرك عبر منطقة التصدع في القشرة الأرضية التي تربط جزر غالاباغوس ببنما، والاحتمال الثاني أن حركة صخور السيليكا بالوشاح الأرضي في هذه المنطقة تدفع تيارات الحمل الحراري للتدفق عبر المنفذ في منطقة الاندساس.
وذكر الباحثون أن هذا المنفذ في الوشاح الأرضي -الذي يقع على عمق 100 متر، وبطول قد يصل إلى 1609 كيلومترات- يفسر غياب البراكين النشطة في بنما. إذ تسهم المياه المحتجزة في الصفائح التكتونية المندسة (التي تعمل كخزانات للمياه) عادة في تخفيض نقطة ذوبان الصخور، مما يؤدي إلى تكوين الصهارة. ولكن بفضل هذا المنفذ في الصفيحة التكتونية أسفل بنما، من الصعب وجود صهارة متدفقة في هذه المنطقة.
وقد يغير هذا الاكتشاف فهم العلماء للعمليات الجيولوجية التي تحدث في باطن الأرض، إذ يكشف أن النقاط الساخنة -مثل هذه الينابيع الحارة في جزر غالاباغوس وهاواي- ليست مستقرة في مكان واحد، فقد تتدفق الصهارة الصاعدة التي شكلتها أعمدة الوشاح، عبر الأجزاء العلوية من الوشاح الأرضي، وتنقل صخورا وعناصر لآلاف الكيلومترات.