بوثائق مسربة وشهادات حصرية.. ما خفي أعظم يكشف أسرار العنف والجريمة المنظمة داخل الخط الأخضر
وتضمن التحقيق الذي يحمل عنوان "داخل الخط الأحمر" وبثته الجزيرة بتاريخ (2021/3/21)، شهادات حصرية لضحايا وأقارب ضحايا الجريمة المنظمة وعمليات اغتيال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بفلسطين، حيث تصاعد القتل والاغتيال وانتشر السلاح في الداخل الفلسطيني انتشارا ملحوظا مسجلا معدلات قياسية، وسط سكوت مريب من قبل السلطات الأمنية الإسرائيلية التي تتفاخر عادة بسطوتها الأمنية.
في 7 يناير/كانون الثاني 2021 قامت مجموعة مسلحة مجهولة بمحاولة اغتيال رئيس بلدية أم الفحم السابق سليمان إغبارية، وهو أحد أبرز الشخصيات المعروفة في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل ومعروف بدفاعه عن القدس والمسجد الأقصىى، وقد أصيب بجروح بالغة إثر الهجوم.
وفي أول خروج إعلامي له بعد الحادث، أوضح إغبارية في تصريح حصري للجزيرة أنه بينما كان في وضح نهار ذلك اليوم خارجا من أرضه التي تقع على الحدود مع الضفة الغربية، قامت سيارة باعتراض سيارته وخرج منها ملثمون وجهوا مسدساتهم نحو عجلات سيارته، ثم استهدفوه شخصيا بثماني رصاصات في مناطق متفرقة من جسده، جعلت حياته في وضع حرج لعدة أيام.
وتثبت وثائق مسربة حصل عليها فريق البرنامج أن إغبارية كان تحت راقبة السلطات الإسرائيلية قبل محاولة اغتياله، فهي على علم بكل تحركاته واتصالاته والأماكن التي يزورها.
وبعد أيام قليلة من محاولة اغتيال إغبارية، تم اغتيال محمد أبو نجم، وهو واحد من أبرز الرموز القيادية الفلسطينية الوطنية في يافا، وقد تم استهدافه بطلقات نارية من قبل عصابة مسلحة تمكنت من قتله. واللافت أن أبو نجم قبل اغتياله بساعات معدودات كان يزور إغبارية بالمسشتفى للاطمئنان عليه.
وعن ثقل أبو نجم السياسي، قال كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر إن أبو نجم لم يكن قياديا في مدينة يافا فقط، بل كان جديرا بتقلد دور قيادي في الداخل الفلسطيني، معتبرا أنه كان يمكن أن يصبح وزيرا في حكومة تدير دولة، "فقد كان عقلية سياسية فذة".
ورغم مرور مدة طويلة على وقوع الجريمتين، فإن السلطات الإسرائيلية لم تكشف عن المجرمين، ولم تفصح الشرطة الإسرائيلية عن أي تفاصيل تتعلق بسير التحقيقات أو نتائجها، رغم الغموض الذي يثيره تزامن العمليتين وطريقة التنفيذ المتشابهة وكذا العلاقة التي تربط بين الرجلين خاصة في دفاعهما عن قضية القدس والمسجد الأقصى.
ولفت إغبارية في تصريحاته لـ"ما خفي أعظم" إلى أمر مهم، وهو أنه رغم أن المكان الذي وقعت فيه محاولة اغتياله يحتوي على كاميرات تابعة للجيش الإسرائيلي وأخرى للمخابرات والشرطة، فإن الكاميرات جميعها لم تعمل في ذلك اليوم، كما أن السلطات الإسرائيلية لم تستعن بكاميرات منازل المواطنين الخاصة في المنطقة إلا بعد 5 أيام على الجريمة، مع أنها تفعل ذلك بعد أقل من نصف ساعة إذا كان الضحية يهوديا.
كما تمكن فريق البرنامج من الوصول إلى تسريبات ولقطات حصرية تكشف كواليس الجريمة المنظمة في فلسطين وتوثق عمليات قتل وإطلاق نار داخل مناطق الخط الأخضر.
من المجرم؟
وعن صمت السلطات الإسرائيلية عن تتبع هذه القضايا، قال مدير مركز مدى الكرمل للدراسات مهند مصطفى إن مواجهة المجتمع الفلسطيني للشرطة الإسرائيلية، وظهوره بوصفه مجتمعا منظما وقويا له انتماء لقضاياه الوطنية، جعلت السلطات الإسرائيلية تقرر إضعافه وتفكيكه، وكان من بين أدوات إضعافه السكوت والتواطؤ مع الإجرام وانتشار السلاح والعنف الداخلي.
وأضاف أن التواطؤ مع العصابات المنظمة أدى إلى إيجاد عصابات محلية منظمة من حيث بنيتها الاقتصادية، وكذا توفرها على عناصر من الموظفين والمسلحين الذين يقومون بعمليات القتل.
كما ذكر أن نسبة الكشف عن الجرائم في المجتمع اليهودي تبلغ 60%، في حين لا تتعدى النسبة في المجتمع الفلسطيني 35%، معتبرا أن الحكومة الإسرائيلية لا تبذل أي جهد لتصفية الجريمة في فلسطين.
بدوره، أكد رئيس اللجنة العليا للجماهير العربية محمد بركة أن السلطات الإسرائيلية تعلم من هي عصابات الإجرام ومناطق نفوذها المقسمة بين عناصرها، وكذا عدد أفراد كل عصابة ومصادر أسلحتهم، ولكن لا يتم الردع والعقاب والملاحة اللازمة للمجرمين.
من جهته، قال كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر إن السلطات الإسرائيلية تعرف من الجرم القاتل ولكنه يتجول بكل حرية، معتبرا أن الناس العاديين تمكنوا من معرفة القاتل، ولا يعقل أن تكون السلطات الإسرائيلية تجهل ذلك.
وفي إجابات على تساؤلات للجزيرة، شكك زعيم الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح من داخل معتقله بسجن إسرائيلي في صدق مزاعم السلطات الإسرائيلية بعدم علمها بالعصابات المجرمة التي تستهدف العرب داخل الخط الأخضر.
وتحدث مسؤولون أمنيون إسرائيليون سابقون لـ"ما خفي أعظم" عن قيام هذه العصابات بسرقة الأسلحة من الجيش الإسرائيلي واستخدامها في قتل الفلسطينيين، وهو ما يثير الشكوك بشأن سبب صمت الشرطة الإسرائيلية على كل هذه التجاوزات، وأكد متحدثون فلسطينيون للجزيرة أن السلطات الإسرائيلية تصمت لأنها تعلم أن ذلك الرصاص سوف يستهدف العرب وليس اليهود، مؤكدين أن السلطات تعلم كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة عن العصابات الإجرامية وأماكن وجودها وتمويلها.
يذكر أن حصيلة ضحايا عمليات القتل والجريمة المنظمة بلغت أكثر من 1700 فلسطيني داخل الخط الأخضر منذ عام 2000، وخلال الأشهر الأولى من العام الحالي فقط فاق عدد الضحايا 20 ضحية، وتحاول الحكومة الإسرائيلية تحميل الفلسطينيين أنفسهم مسؤولية هذا العنف.