السودان.. أزمة تتفاقم وسط تعقيدات داخلية وإقليمية
ووفقا لحلقة جديدة من برنامج "للقصة بقية" -الذي يعرض على منصة "الجزيرة 360"- فإن تقديرات حديثة تشير إلى أن عدد القتلى في حرب السودان قد تجاوز 150 ألف شخص، في حين نزح أكثر من 10 ملايين سوداني عن ديارهم إلى مختلف مناطق البلاد.
ولفهم جذور الأزمة الحالية أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء الركن المتقاعد أسامة محمد أحمد -للبرنامج- أن الصراع الحالي هو "محاولة من قوة متمردة كانت تتبع للجيش السوداني، حاولت بإيعاز من قوى إقليمية الاستيلاء على السلطة لصالح أجندة لا تمت إلى الشعب السوداني بصلة".
وأضاف أن هذه القوى تسعى "للتحكم في ثروات السودان ولتكون غطاء لجهة سياسية ليس لها الحق في حكم السودان".
وحول الموضوع نفسه قدم الدكتور حسن الحاج علي، الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، رؤية أكثر تعقيدا للأزمة.
تحالف هش
وأشار إلى أن الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير قامت على تحالف هش بين 3 قوى رئيسية هي: المكون العسكري (الجيش والدعم السريع)، القوى المدنية (تحت مظلة قوى الحرية والتغيير)، إضافة إلى الحركات المسلحة (ومعظمها من دارفور).
ويرى الحاج أن "هذه الأضلاع لا يجمع بينها إلا إسقاط النظام السابق، وبالتالي عندما تحقق هذا الهدف، ظهرت الخلافات بين المكونات".
كما أفرد البرنامج مساحة للحديث عن الحرب السودانية التي بدأت في 15 أبريل/نيسان من العام الماضي، مستعرضا العديد من التفاصيل والتطورات السياسية التي أعقبت سقوط حكومة البشير في أبريل/نيسان 2019 وصولا إلى نشوب الحرب.
واستعرض البرنامج المراحل الرئيسية في الفترة الانتقالية، بدءا من تشكيل مجلس السيادة الانتقالي وتعيين حكومة مدنية برئاسة عبد الله حمدوك، مرورا بالانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وما تلاه من احتجاجات شعبية، وصولا إلى توقيع الاتفاق الإطاري بين العسكريين والقوى المدنية في ديسمبر/كانون الأول 2022.
تحول لصالح الجيش
كما سلط البرنامج الضوء على الخلافات المتصاعدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خاصة فيما يتعلق بمسألة دمج الأخيرة في القوات المسلحة، مشيرا إلى أن هذه الخلافات، إلى جانب الصراعات على السلطة والنفوذ، كانت من العوامل الرئيسية التي أدت إلى اندلاع المواجهات المسلحة في أبريل/نيسان 2023، والتي سرعان ما تحولت إلى حرب شاملة أدت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد بشكل كبير.
وفيما يتعلق بالتطورات العسكرية الأخيرة، وتحول ميزان القوى العسكرية لصالح الجيش السوداني الذي تمكن من الانتقال من موقف الدفاع إلى الهجوم، أرجع اللواء أسامة هذا التحول إلى عدة عوامل تتمثل في الخبرة القتالية والتكتيكية للجيش السوداني، ومقدرته على امتصاص الصدمة الأولية لهجمات الدعم السريع، والتخلي عن مبدأ الدفاع عن الأرض لصالح تحطيم قوة العدو، إضافة إلى استخدام القوات الجوية والقصف المدفعي بشكل مكثف، وقطع خطوط إمداد الدعم السريع.
ومن جهته، لفت الدكتور حسن إلى أن الجيش السوداني واجه تحديا في التكيف مع حرب المدن، وهو نوع جديد من القتال بالنسبة له، مما تطلب وقتا لإعادة ترتيب إستراتيجيته.
وفيما يتعلق بمستقبل الدعم السريع، أوضح الدكتور حسن أن المؤسسة العسكرية تسعى لكسر قوة الدعم السريع بشكل كبير، بهدف إخضاعه لعملية الدمج في القوات المسلحة.
آفاق الحل
وأشار إلى وجود تيارين يقفان خلف هذا التوجه وهما: تيار يرغب في الإبقاء على الدعم السريع كجزء من الترتيبات السياسية المستقبلية، وتيار غالب يرى أنه لا مكان للدعم السريع بعد الانتهاكات التي ارتكبها.
أما على الصعيد الإقليمي والدولي، يلفت اللواء أسامة إلى تماهي الاتحاد الأفريقي مع الدعم السريع، في حين يعتبر المبادرة السعودية-الأميركية في جدة الأكثر جدية، رغم تركيزها على الجانب الإنساني أكثر من السياسي.
وبشأن آفاق الحل بواسطة المبادرات الدولية والإقليمية المتوقعة، حذر الدكتور حسن من تأثير التدخلات الخارجية، خاصة الإقليمية، معتبرا أنها قد تزيد من حدة الصراع بدلا من حله، نظرا لتضارب مصالح الدول المتدخلة.
وفي رؤيتيهما لمستقبل الوضع في السودان، يرى اللواء أسامة أن الجيش سيستمر في إستراتيجيته الهجومية ضد مواقع الدعم السريع، مدعوما بالشعب السوداني والمقاومة الشعبية، أما الدكتور حسن، فيعتقد أن الحل يكمن في كسر قوة الدعم السريع، ثم البدء بعملية سياسية بعد فترة انتقالية.