"الأقصى المبارك".. جوهر الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال
ووفقا لبرنامج "للقصة بقية"، فقد غيّر الاحتلال من طبيعة الأقصى كمسجد، بسبب كثرة القيود التي وضعها أمام المسلمين الراغبين في دخوله لأداء الصلاة والذين لا يجدون بابا واحدا مفتوحا لكي يدخلوا منه.
فمنذ احتلال القدس الشرقية في يونيو/حزيران 1968، دأبت سلطات الاحتلال على تنفيذ خطة تستهدف السيطرة الكاملة على المسجد وتحويله إلى دار عبادة يهودية تمهيدا لهدمه وإقامة "الهيكل" المزعوم مكانه تنفيذا لمعتقد تلمودي يؤمن به المتطرفون ويسعون لتنفيذه.
ومن بين هؤلاء الذين ينادون بالسيطرة على المسجد وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير الذي دأب على اقتحام باحات الأقصى وتحريض المستوطنين على اقتحامه وأداء صلوات تلمودية بداخله.
لم يخف بن غفير يوما رغبته في القفز على المسجد، وقال علنا خلال أحد اقتحاماته إن الأقصى "هو المكان الأهم لشعب إسرائيل ويجب أن نعود إليه ونبسط سيطرتنا عليه".
قد يكون بن غفير متطرفا في التعبير عما يخطط له، ويؤمن به، لكنه ليس الوحيد في إسرائيل الذي يسعى لتحقيق الهدف نفسه، فقد كرّست الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة -اليسارية منها واليمينية- نظرية التقسيم الزماني والمكاني للمسجد وهي آلية يفترض أن تنتهي بالسيطرة الكاملة عليه.
تقييد ممنهج
ويظهر التقرير، الذي أعده "للقصة بقية"، عملية التقييد الممنهجة التي تطبقها إسرائيل لمنع المسلمين من الوصول إلى المسجد، حيث تنتشر الحواجز ودوريات الشرطة وحرس الحدود والقوات الخاصة.
ومنذ يونيو/حزيران 1976، تحتل إسرائيل أجزاء من المسجد كحائط البراق، وسحبت مفاتيح "باب المغاربة" الذي لم يعد المسلمون قادرين على الدخول منه أبدا منذ احتلال القدس الشرقية.
ووفقا لأستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف، فقد تحركت سلطات الاحتلال للسيطرة على إدارة المسجد منذ يونيو/حزيران 1967، عندما طلبت من دائرة الأوقاف الإسلامية قائمة بأسماء كافة الموظفين بالأقصى تمهيدا لتحويل تبعيته إلى وزارة الأديان الإسرائيلية.
وقد نفخ الحاخام الأكبر البوق داخل المسجد في السابع من يونيو/حزيران 1967، وتم إغلاقه في وجه المسلمين لعدة أيام، كما يقول معروف.
وعن تفريغ المسجد من طبيعته الإسلامية، بقول إمام الأقصى الشيخ عكرمة صبري إن تقليص عدد المصلين المسموح لهم بالدخول من 100 ألف إلى 5 آلاف فقط يعني أنه لم يعد مسجدا.
ومنذ يونيو/حزيران 1967، نجح الاحتلال في السيطرة على أماكن بعينها داخل المسجد الأقصى وعند أسواره وتحديدا الخلوة الجنبلاطية وخلوة أرسلان باشا، كما يقول رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة القدس الدولية هشام يعقوب.
لقد أقام الاحتلال نقطتي شرطة في هاتين الخلوتين، ثم احتل المدرسة التنكزية المشرفة على باحات المسجد في 1969، ونصب فوقها كاميرات مراقبة ونقاط حراسة فحوّل المكان إلى ثكنة عسكرية، وليس لمكان عبادة، وفق الباحث ومؤرخ شؤون القدس إيهاب الجلاد.
تحول إستراتيجي
ولم يتوقف الأمر عند احتلال أجزاء من المسجد، ولكنه واصل التضييق على عمل دائرة الأوقاف وصولا إلى الانتفاضة الثانية في سبتمبر/أيلول 2000 التي اندلعت بعد اقتحام زعيم حزب الليكود السابق أرييل شارون للمسجد.
وكان اقتحام شارون للمسجد نقطة تحول كبيرة في عملية السيطرة على الأقصى، كما يقول الشيخ عكرمة صبري الذي أضاف أن خطوة شارون "مهدت لاقتحامات تالية بدأها المستوطنون عام 2003 تحت حماية الجيش والشرطة، مما أدى لكسر قرار دائرة الأوقاف".
وقد وصف الدكتور عبد الله معروف هذه اللحظة بأنها "تحول إستراتيجي" فعلا، لأن الإسرائيليين قرروا تنظيم رحلات سياحية للمسجد على مسؤوليتهم الشخصية دون أي تنسيق مسبق مع الأوقاف الإسلامية.
وكان كسر سلطة الأوقاف الإسلامية على المسجد هدفا عمل الاحتلال لسنوات من أجل تحقيقه، كما يقول مؤسس حركة القدس الدنيوية دانيال سيدمان، مؤكدا أن ممارسات الشرطة تتسم بالعدوانية.
وأفاد سيدمان بأن حق الصلاة في المسجد مكفول للمسلمين، لكنهم لا يتمكنون من التمتع به في كثير من الأحيان، بسبب السلوك الأمني الإسرائيلي الذي يفرض تفتيشا مستفزا للراغبين في الدخول، فضلا عن مناطق سكان مناطق بعينها من الصلاة مثل سكان الداخل الإسرائيلي (عرب الـ48) أو من هم دون سن الـ55 مثلا.
ويفرض الاحتلال على سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الحصول على تصريح مسبق لكي يتمكنوا من الصلاة في الأقصى في محاولة واضحة ومستمرة للتنغيص على المسلمين ومنعهم من التعبد فيه بشكل طبيعي، كما يقول رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة القدس الدولية.