نجيب سرور.. الشاعر المصري المعارض الذي أودع مستشفى الأمراض العقلية
وقد ركزت حلقة (2021/10/24) من برنامج "خارج النص" على الشاعر المصري محمد نجيب سرور، الذي ولد في الأول من يونيو/حزيران 1932 لأسرة فلاحة كادحة تأكل مما تزرع، وكان والده حامل الثورة ضد الإقطاع في قريته، كما يقول الشاعر مصطفى الشرقاوي.
وتصف الروائية والناقدة الدكتورة هويدا صالح الشاعر نجيب سرور بالشاعر المتمرد الذي لم يقف عند حدود، وكان رمزا من رموز النضال بالكلمة.
لم ينل الشاعر المصري ما ناله أقرانه من الشعراء، لكنه ترك قصائد شهيرة من أبرزها قصيدة "الحذاء" ذات اللغة الاحتجاجية العالية، إذ خلط فيها بين ما هو شخصي من معاناة بآرائه حول سياسة الإقطاع التي كانت مطبقة في مصر قبل انقلاب يوليو/تموز 1952 أو ما تعرف بثورة الضباط الأحرار، حيث استخدم شخصية العمدة كمعادل موضوعي للسلطة الحاكمة في ذلك الوقت وكيفية تعاملها مع رعاياها.
وقصيدة "الحذاء"، كما يصفها الكاتب والشاعر محمد طلبة، كانت الأكثر تعبيرا عن الشاعر وعن بيئته، وتعبر عن رؤيته السياسية.
صراع مع الأنظمة
عرف نجيب سرور بمعارضته الأنظمة المصرية المتلاحقة، حيث تحمس بشدة لثورة الضباط الأحرار يوم 23 يوليو/تموز 1952 ضد النظام الملكي في مصر، لكنه انتقدها لاحقا. وانتقد الفنانين والمثقفين في قصيدة "بروتوكولات حكماء ريش"، التي أغضبت الوسط الثقافي.
ويقول الكاتب والناقد الأدبي مسعود حامد إن نجيب سرور كان يحلم بالثورة، وصدّق العهد الناصري في موضوع الإصلاح الزراعي وإقامة حيادة ديمقراطية سليمة، لكن هذا العهد "كان نظاما بوليسيا وعسكريا غاشما، وعجز عن أي إصلاح أو تنمية"، وهو ما جعل الشاعر يصاب بصدمة شديدة في الأحلام اليسارية التي كان يؤمن بها، ووجد أن قلة ما زالت تحكم كل شيء.
وتعقدت الأمور أكثر على الشاعر المصري في الخمسينيات عندما دبّ خلاف بين النظام الناصري والاتحاد السوفياتي أدى إلى إلغاء بعثة الطلاب المصريين، التي كان سرور من بين أعضائها، حيث رفض العودة إلى مصر خوفا على حياته بسبب معارضته نظام عبد الناصر.
وتنقّل الشاعر بين عدة عواصم حتى سمح له النظام المصري بالعودة إلى بلاده، وعمل أستاذا ومخرجا وكاتبا للفنون المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، وانصب اهتمامه في تلك الفترة على الكتابة المسرحية مثل مسرحية "يا بهية خبريني" و"ياسين وبهية" وغيرهما.
وكانت فترة السادات أشد ضراوة على سرور من الفترة الناصرية، فقد رأى أن حكم السادات أكثر قتامة وأنه استمرار لنكسة 1967. وخلال هذه الفترة أصدر ديوانه المشهور "الأميات" الذي شتم فيه السلطة والفنانين والمثقفين شتما لاذعا، مما تسبب في إيقافه عن عمله وإقصائه من المشهد الفني والثقافي كليا، واستهدافه حتى على المستوى الأمني.
كما تسبب صراعه مع السلطة في عقاب شديد له، حيث أودع عدة مرات مستشفى الأمراض العقلية واتهم بالجنون، وأطلقت حوله العديد من الشائعات التي شوّهت صورته مثقفا وفنانا وشاعرا.
وكان نجيب سرور استحضر في شعره أكثر من مرة الشخصية الخيالية للفارس "دونكيشوت"، الذي أمضى حياته في حروب عبثية ضد طواحين الهواء، ورأى في نفسه ذلك الفارس الذي حمل أحلاما أكبر منه وخاض حروبا ضد خصوم أقوى منه، فاتهم بالجنون.
وتوفي الشاعر المصري يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1978.