آدم بولر.. صانع اللقاء الأول وربما الأخير بين الأميركيين وحماس
يمثل يوم 9 مارس/آذار 2025 قمة صعود وهبوط آدم بولر بصورة لم يتخيلها أحد. ففي ذلك اليوم ظهر بولر في برامج التوك شو الرئيسية الأميركية على شبكتي "فوكس" و"سي إن إن"، كما ظهر في برامج حوارية مع 4 شبكات إخبارية إسرائيلية.
رجح عدد من المعلقين أن صعود بولر معتمدا على دعم الرئيس دونالد ترامب كفيل ليخرج على نص الإجماع الواشنطوني تجاه قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، التي دخلت منعطفا حادا عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تلاشت معه أي مساحة لاختلاف الآراء تجاه الدعم الأميركي الكامل والشامل للجانب الإسرائيلي.
بيد أنه مع نهاية يوم 9 مارس/آذار الجاري هبطت أسهم بولر، وأدرك أن مغامرته قد وصلت إلى نهايتها عقب لقائه ممثلي حركة حماس وجها لوجه، والحديث بطريقة إيجابية عن اللقاء، وأن عليه الالتزام بالواقعية الواشنطونية خاصة فيما يتعلق بملفات العلاقات مع إسرائيل، وعلى رأسها مصير الأسرى المحتجزين، ومستقبل العلاقة أو اللاعلاقة مع حركة حماس المصنفة ضمن الإرهاب طبقا لوزارة الخارجية الأميركية.

وبعد أقل من أسبوعين، ظهر بولر بصحبة محتجز أميركي لدى حركة طالبان الأفغانية هو جورج جليزمان. وتعد حالة جليزمان ثاني إطلاق سراح رئيسي حصل عليه بولر هذا الشهر بعد إعادة مارك فوغل من روسيا بعد اعتقاله في أغسطس/آب 2021.
ويعد بولر المسؤول الأميركي الوحيد الذي اجتمع علنا مع مسؤولي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة طالبان، رغم عدم وجود علاقات أميركية معهما.
رصيد شخصي لدى ترامب واتفاقيات أبراهام
تعرف بولر على الرئيس ترامب من مدخل جاريد كوشنر زوج ابنته الكبرى إيفانكا، حيث زامله أثناء سنوات الدراسة بجامعة بنسلفانيا في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وأصبحا صديقين حميمين، قرب بينهما الديانة اليهودية والطموح في المزيد من الثروة والنفوذ. ومع زواج كوشنر من إيفانكا، وكونه أصبح صديقا للعائلة، تقرب بولر من ترامب.
وبعد وصول ترامب للحكم عام 2016، ولسابق معرفته به عن طريق جاريد كوشنر، انتقل بولر إلى العمل الحكومي، وانضم إلى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية "إتش إتش إس" (HHS) مديرا لمركز الرعاية الطبية والابتكار، حيث لعب دورا أساسيا في تطوير وتنفيذ نماذج الرعاية الصحية القائمة على القيمة، والتي تهدف إلى تحسين رعاية المرضى مع تقليل التكاليف.
ثم شغل بولر منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية، وهي هيئة تستثمر في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل.

ثم أصبح أحد أقرب مستشاري كوشنر وعضوا رئيسيا في فريق التفاوض لاتفاقيات أبراهام، التي سعت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية.
كان بولر جزءا من العديد من الوفود التي سافرت مع جاريد كوشنر إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، والتي أسفرت في النهاية عن توقيع اتفاقيات التطبيع، بالإضافة إلى اتفاق حل الخلاف الخليجي.
كان بولر جزءا من وفد رفيع المستوى إلى إسرائيل والمغرب لمناقشة اتفاقية التطبيع بين الطرفين، بالإضافة إلى مشاركته في وفد مع وزير الخزانة السابق ستيفن منوشين توجّه إلى إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة لمناقشة التعاون الاقتصادي في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية.
واعترف ترامب بمساهماته في الدبلوماسية الأميركية، ومنح بولر أعلى ميدالية مدنية لوزارة الدفاع.
بولر وحملة ترامب الثانية
عين الرئيس المنتخب دونالد ترامب السيد آدم بولر مبعوثا رئاسيا خاصا له لشؤون الرهائن قبل انتخابات 2024، وقال في حيثيات تعيينه إن له تجربة في "التفاوض مع بعض أصعب الأشخاص في العالم".
وفي مقال رأي نشر في أغسطس/آب الماضي، ووسط حملة ترامب الانتخابية الثانية، دعا بولر إلى اتخاذ موقف أميركي أقوى في الجهود المبذولة لإعادة الرهائن المحتجزين في غزة إلى الوطن، بما في ذلك شن غارات عسكرية محتملة في غزة لإنقاذ الرهائن الأميركيين.
كتب بولر "لقد عادت إدارة بايدن إلى فلسفة إنقاذ الرهائن التي ترى في العملية العسكرية ملاذا أخيرا (..) هذا النهج يتنازل عن اليد العليا لمحتجزي الرهائن الذين يشعرون بالجرأة للقبض على الأميركيين دون خوف كبير من دفع ثمن ذلك من حياتهم".
جاءت كلمات بولر بعدما شن ترامب حملة تهديد ضد حركة حماس قبل وصوله للحكم، إذ غرد في سبتمبر/أيلول الماضي أن "الجميع يتحدث عن الرهائن الذين يتم احتجازهم بعنف ولا إنسانية وضد إرادة العالم بأسره في الشرق الأوسط، لكن الأمر كله كلام وليس أفعالا!".
وأضاف ترامب "من فضلك دع هذه الحقيقة أنه إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير/كانون 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصب رئيس الولايات المتحدة، فسيكون هناك كل الجحيم الذي يجب دفعه في الشرق الأوسط".
وظهر بولر في العديد من الصور بجوار الرئيس ترامب أثناء لقائه بالرهائن السابقين يوم تنصيبه، وخلال مراسم التنصيب داخل قاعة كابيتال وان أرينا في واشنطن العاصمة.

بولر وحماس
التقى بولر بمسؤولي حماس في محاولة لتأمين إطلاق سراح الرهائن الأميركيين الخمسة الذين ما زالوا محتجزين في قطاع غزة، بمن فيهم إيدان ألكسندر، وهو الرهينة الأميركي الوحيد المتبقي الذي لا يزال على قيد الحياة. ويعد هذا اللقاء العلني الأول بين مسؤول أميركي مع قيادات من حركة حماس.
ورغم أن هذه المحادثات كانت تهدف إلى تأمين إطلاق سراح الرهائن، فإنها أثارت انتقادات من الحكومة الإسرائيلية وأدت إلى جدل كبير. نتيجة لذلك، تم سحب ترشيح بولر. واعتبرت إسرائيل أن إشارات بولر إلى السجناء الفلسطينيين لديها، بما في ذلك من تعدّهم إرهابيين، كرهائن هو موقف غير مسؤول، خاصة بعدما وصف المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس بالسجناء بدلا من كلمة رهائن التي تستخدمها إسرائيل والولايات المتحدة.
وقال في ظهوره التلفزيوني إن الغرض من محادثاته المباشرة مع حماس هو الدخول في محادثات أوسع حول جميع السجناء لأن الرئيس ترامب أوضح تماما أننا لا نركز فقط على الأميركيين (الأميركيين الإسرائيليين) ولكن على الإسرائيليين بشكل عام. وقال بولر لشبكة "سي إن إن" إن إستراتيجيته في التفاوض مع ممثلي حماس هي التماهي مع العناصر البشرية لهؤلاء الناس ثم البناء على ذلك.
عندما سئل من قبل المحاور جيك تابر كيف كان حاله، بوصفه أميركيا يهوديا، أثناء جلوسه مع "القتلة المعادين للسامية"، رد بالقول إنه رغم كل شيء من الأفضل "إدراك أنك تتعامل مع إنسان مثلك".
وقدم بولر إجابتين نهائيتين مختلفتين تماما على السؤال البسيط تماما حول ما إذا كان ترامب قد وافق شخصيا على محادثاته المباشرة مع حماس. سأله تابر: إذن لقد حصلت على موافقة من الرئيس ترامب في وقت مبكر؟ أومأ بولر برأسه ثلاث مرات، وأجاب: بالطبع. ولم تكن تلك الإجابة التي رد بها عندما سألته مراسلة إحدى القنوات الإسرائيلية لاحقا في اليوم نفسه.
وانتقد بولر علنا تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الأزمة حتى بدايات مارس/آذار الجاري، وميز علنا بين المصالح الأميركية والإسرائيلية، وقال لشبكة "سي إن إن": نحن الولايات المتحدة، نحن لسنا عميلا لإسرائيل، لدينا اهتمامات محددة في هذه القضية.
وبعد انتهاء لقاءات بولر التلفزيونية، غرد سفير ترامب السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان مساء يوم 9 مارس/آذار الحالي يقول "قدم الرئيس ترامب ببراعة لحماس خيارا ثنائيا: إطلاق سراح جميع الرهائن والاستسلام، أو تدميرها. إنه الطريق الوحيد لإنهاء الحرب".
لكن بولر -يتابع فريدمان- على ما يبدو اتخذ خطوة غير مسبوقة للقاء حماس للنظر في طريقة ثالثة: ما إذا كان يمكن إبرام صفقة لا تشارك فيها حماس في حكم غزة. الاتفاق مع حماس مضيعة للوقت ولن يتم الوفاء به أبدا. ونصح فريدمان بولر للاستماع لرئيسه المباشر فقط وتنفيذ أوامره.

بولر وطالبان
وقبل أيام، التقى بولر شخصيا بمسؤولي طالبان في مطار كابل الدولي، وهي المرة الأولى المعروفة التي يتعامل فيها البيت الأبيض مع "الحكومة المؤقتة" الأفغانية بعد استيلائها على السلطة في عام 2021. وتعد حالة الإفراج عن جليزمان هي ثاني إطلاق سراح رئيسي حصل عليه بولر هذا الشهر بعد إعادة مارك فوغل من روسيا بعد اعتقاله في أغسطس/آب 2021.
وصل بولر من الدوحة وعقد اجتماعات في المطار مع وزير الخارجية الأفغاني ومسؤولين أفغان آخرين. ويعد ذلك أول اجتماع من نوعه بين مسؤولين أميركيين وأفغان في كابل، وفتح الباب أمام الكثير من الحوار حول الكثير من القضايا بما في ذلك قضايا المعتقلين. ولا يعرف ما إذا كان اجتماع بولر في كابل يشير إلى أن إدارة ترامب قد تتطلع إلى إقامة علاقات مع حكومة طالبان، وهو موضوع كان من المحرمات بين الدول الغربية بعد الإطاحة بالحكومة الأفغانية التي دعمها الغرب.
رحلة لم تقارب نهايتها بعد
وبعد تعبير إسرائيل عن غضبها من اللقاء المباشر بين بولر وممثل حركة حماس، سحب آدم بولر ترشحه للعمل مبعوثا رئاسيا خاصا لشؤون الرهائن رغم بقائه في إدارة الملف، الذي يتعامل مع جهود الإفراج عن الأميركيين المحتجزين ظلما في جميع أنحاء العالم، ولكن من منصب أدنى مستوى لا يتطلب موافقة مجلس الشيوخ. في حين تشير مصادر أميركية إلى أن بولر بدأ مبكرا التحضير لسحب ترشحه قبل عدة أسابيع قبل الكشف عن المحادثات السرية مع حماس، وذلك لأسباب مالية بالأساس.
تشير تقارير إلى أن بولر سحب ترشيحه مبعوثا خاصا لشؤون الرهائن رغبة في تجنب تجميد استثماراته الشخصية من أسواق المال لمنع أي تعارض في المصالح كونه "موظفا حكوميا خاصا يركز على مفاوضات الرهائن". ووفقا لبيان صادر عن آنا كيلي نائبة السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، لا يزال بولر يلعب دوره بمسمى أدنى، لكن دون الحاجة لتأكيد من مجلس الشيوخ.

حياته المبكرة
ولد بولر يوم 23 يونيو/حزيران 1979 في مدينة ألباني بولاية نيويورك لعائلة يهودية، ولا يزال بولر نشطا في المجتمع اليهودي الأميركي، ويعمل عضو مجلس إدارة في متحف ذكرى الهولوكوست في واشنطن. وتميزت حياته المبكرة بالتميز الأكاديمي والاهتمام بالتمويل والشؤون الدولية. تخرج بامتياز مع مرتبة الشرف من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، وتخصص في التمويل والتخصص الفرعي في اللغة الفرنسية. وهو متزوج وله أربعة أطفال.
يذكر أن رحلة بولر المهنية بدأت في عدد من الشركات الخاصة والصناديق الاستثمارية، حيث ركز على الاستثمارات في البرمجيات والتقنيات الناشئة. قادته رؤيته الثاقبة في قطاع الرعاية الصحية إلى أن يصبح شريكا تشغيليا في شركة "فرانسيسكو بارتنيرز" (Francisco Partners)، وهي شركة متخصصة في استثمارات الرعاية الصحية. خلال فترة عمله، أسس بولر شركة أفالون هيلث سوليوشنز، وهي شركة متخصصة في تقديم خدمات إدارة المختبرات. وأسس عددا من الشركات الناجحة في مجال الرعاية الصحية. بعد ذلك بدأ بولر مساره المهني الحكومي منذ 2016 وحتى الآن.