أيتام الأسد وحلفاؤه.. استطلاع أوضاع فلسطينيي سوريا الجديدة

مقر جيش التحرير الفلسطيني المهجور على مدخل مخيم اليرموك - الجزيرة
مقر جيش التحرير الفلسطيني المهجور على مدخل مخيم اليرموك - الجزيرة
مقر مهجور لجيش التحرير الفلسطيني على مدخل مخيم اليرموك (الجزيرة)
مقر مهجور لجيش التحرير الفلسطيني على مدخل مخيم اليرموك (الجزيرة)

يمكن لأي زائر لمقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في دمشق المعروف "بمكتب جورج حبش"، أن يميزه بسهولة عن باقي الشقق الواقعة في الطابق الأرضي من عمارة سكنية في حي الجسر الأبيض. فمجرد معاينة نعي نائب الأمين العام أبو أحمد فؤاد، الذي توفي الشهر الماضي، الملصق على مدخلها، والحركة الاعتيادية لزوار التنظيم المشهور بإرثه اليساري، سيدلانك على الموقع الدقيق للمقر. لا مظاهر مسلحة، من المقيمين أو أجهزة الدولة السورية. ولا رجال أمن ينظرون بارتياب إلى العابرين، وهي تحولات استجدت على أحياء دمشق ومقرات الأحزاب والتنظيمات الواقعة فيها فقط، بعد انهيار نظام الرئيس بشار الأسد قبل شهرين.

الطمأنينة الشائعة داخل المقر الواقع في الحي الهادئ، وفي أوساط مرتاديه، لن تجدها في مقرات طائفة مختلفة من الفصائل الفلسطينية. فمقر جبهة النضال الشعبي الفلسطيني -تيار خالد عبد المجيد- الواقع في حي الميسات المجاور خاو، وأبوابه مغلقة. وعندما بذل مُعد التحقيق محاولة في 7 فبراير/شباط لزيارة مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة- تمهيدا للقاء مسؤولها الإعلامي أنور رجا، لمس ترددا منه، عكس القلق السائد في أوساط قادة التنظيم بعد إغلاق مكاتبه كافة، باستثناء إذاعة القدس، بحسب مصادر فلسطينية متطابقة. رد رجا على طلب اللقاء برسالة على تطبيق واتساب تقول "نتحدث صباح الأحد وحسب الظروف نحدد الوقت". وبعد تكرار المحاولة، أقفل أنور الباب في 9 فبراير/شباط وقال: تحياتي.. أرجو المعذرة.. طرأت ظروف تمنعني من التواصل.. أنا حاليا خارج دمشق".

_مكتب جبهة النضال الشعبي في حي الميسات -دمشق
مكتب جبهة النضال الشعبي في حي الميسات بدمشق (الجزيرة)

الأيتام

لم يكن سلوك أنور رجا مستهجنا، أو خارجا عن سياق التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الفصائل الفلسطينية بكافة مشاربها، كارتداد للزلزال السياسي الذي شهدته سوريا ذاتها، قبل شهرين. فالفصائل التي تملك مقرات في دمشق وسائر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إلى جانب معسكرات تدريب قليلة بأنحاء متفرقة من سوريا، لم تكن متماثلة في علاقتها بالنظام البائد أو حزبه الحاكم (البعث). فجزء منها كان من صلب النظام كتنظيم الصاعقة، الفرع الفلسطيني لحزب البعث بنسخته السورية قبل استيلاء الفريق حافظ الأسد على السلطة عام 1970. يليه جيش التحرير الفلسطيني المكون من وحدات نظامية لتجنيد اللاجئين الفلسطينيين أنشأتها في سوريا والعراق وقطاع غزة، منظمة التحرير الفلسطينية بعد تأسيسها عام 1964، لكن الرئيس السوري حافظ الأسد ألحق فرعها السوري بجيشه بمرسوم جمهوري عام 1971. وكلاهما بات في حكم اليتيم الباحث عن معيل بعد اختفاء النظام.

ملصقات المفقودين في شوارع ومعالم دمشق الجزيرة
آثار الإجراءات الأمنية التي كانت منتشرة في دمشق (الجزيرة)

أما المجموعة الثانية المتحالفة مع راعي الأولى( نظام الأسد)، في إطار ما عرف باسم "التحالف الوطني"، فضمت كلا من فتح الانتفاضة التي انشقت عن التنظيم الأم عام 1982 بدعم من الأسد الأب وأجهزته، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982 إثر اجتياحه من الجيش الإسرائيلي، تليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة التي أسسها أحمد جبريل عام 1967 الضابط الفلسطيني السابق في الجيش السوري- وهي الأوسع نفوذا بين الفصائل الفلسطينية في حقبة الأسدين (الأب والابن). ثم تأتي جبهة النضال الشعبي الفلسطيني -تيار خالد عبد المجيد الذي انحاز إلى دمشق عام 1990 في موقفها المناهض لياسر عرفات، على خلاف الأمين العام سمير غوشة الذي التحق وقتها بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.

الحياديون

أما المجموعة الثالثة فضمت عددا من الفصائل العاملة تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها في رام الله وهي حركة فتح، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الشعب (الشيوعي سابقا) وتنظيم "فدا" المنشق عن الجبهة الديمقراطية وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني (أحمد مجدلاني) وجبهة التحرير الفلسطينية (واصل أبو يوسف). وقد التزمت هذه المجموعة بتوجيهات رئيس السلطة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، بالوقوف على الحياد في الصراعات داخل سوريا ولبنان، حسبما أفاد مصدر فلسطيني في دمشق.

حماس والجبهة الشعبية: متمسكون بالكفاح المسلح 1999/8/7
صورة تجمع خالد مشعل (يمين) وزعيم الجبهة الشعبية الراحل جورج حبش بدمشق عام 1999 (الجزيرة)

ثمة مجموعة رابعة ضمت حركة حماس التي غادر قادتها سوريا في سنوات ثورتها الأولى، ثم استعادت علاقتها بالنظام في أكتوبر/تشرين الأول 2022 في إطار ما يعرف بـ"بمحور المقاومة" دون أن تعيد فتح مقراتها. وإلى جانبها حركة الجهاد الإسلامي الموجودة في سوريا منذ زمن بعيد، دون أن يكون لها مقرات معلنة. وبديهي أن مواقف الفصائل المذكورة انقسمت حيال أحداث الثورة السورية (2011 – 2025)، تبعا لدرجة ارتباطها بالنظام، وانحيازها له أثناء لجوئه إلى الحل العسكري، مثل فصائل التحالف الوطني. هذا إلى جانب اختلاف درجات تصنيف الفصائل المذكورة -حسب الوزن والدور- في إطار محور إقليمي عرف بـ"محور المقاومة" الذي ضم أيضا حركة أنصار الله الحوثيين باليمن، وحزب الله اللبناني، وفصائل عراقية، ورعته إيران.

زلزال السقوط حدث عسكريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 خارج دمشق، لكن مظاهره في شوارع دمشق وأحيائها لا تخطئها العين. مئات رجال الأمن المكلفين حراسة المقرات الأمنية والحزبية ومنازل الضباط والشخصيات المهمة، ألقوا أسلحتهم على أطراف الشوارع -حسب شهود عيان- وفروا إلى غير رجعة. وصار بالإمكان -حسب شهادات متقاطعة- معاينة بنادق كلاشينكوف ملقاة على حواف الطرق، وصبية يحملون البنادق المتخلى عنها، ويطلقون في الهواء رصاص الابتهاج.

الضابطة الفدائية

التقطت الفصائل الفلسطينية الموجودة في سوريا كغيرها، المغزى العميق من سقوط النظام، وآثاره المحتملة على نشاطها السياسي والعسكري الذي كان طوال 55 عاما مقيدا بقواعد يتحكم فيها جهاز مخابرات مخصص للفصائل يعرف بـ"الضابطة الفدائية". وتتلخص مهمته -إلى جانب اعتقال من يشاء وفي أي وقت من الأفراد وتسليمه للفروع الأخرى- إعطاء تراخيص الدخول والخروج عبر الحدود، ولوحات السيارات المخصصة للقادة والشخصيات المهمة. مع الحظرغير المعلن لأي نشاط عسكري ينطلق من الأراضي السورية .علما أن المقرات الرئيسية والفرعية لمعظم الفصائل المصرح لها بالعمل، باتت مجرد "ديوانيات" للقاء المسؤولين والكوادر، حسب وصف قيادي في أحد تنظيمات التحالف الوطني التقته الجزيرة نت في منزله.

سمير الرفاعي
السفير الفلسطيني سمير الرفاعي استضاف اجتماع الفصائل (الجزيرة)

بعد 4 أيام من الانهيار، عقد 14 فصيلا فلسطينيا اجتماعا نادرا في مقر سفارة فلسطين في دمشق شارك فيه السفير سمير الرفاعي وقائد جيش التحرير الفلسطيني اللواء أكرم السلطي. وأصدر المجتمعون بيانا مشتركا أكدوا فيه وقوفهم "الثابت إلى جانب الشعب السوري في حقه بتقرير مصيره وبناء دولته الوطنية المستقلة". وأعربوا "عن ثقتهم بأن الدولة السورية في مسارها الجديد، ستظل داعمًا للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة". وشكل المجتمعون لجنة للتواصل مع القيادة السورية الجديدة، حسب مصدر شارك في الجلسة.

لكن اللواء السلطي مدفوعا -على الأرجح- بيقينه أن ما ينطبق على الجيش السوري ينطبق على جيشه، استثمر المناسبة -حسب المصدر ذاته- لطلب تأمين رواتب خمسة آلاف من ضباطه وعناصره، رغم تخلي جيش التحرير عن تبعيته لمنظمة التحرير، وإزالته اسمها من إعلامه وشعاراته، منذ نحو 5 أعوام حسب مصدر متابع للملف. أما الجبهة الشعبية -القيادة العامة- فأصدرت دائرتها الإعلامية بيانا في 11 ديسمبر/ كانون الأول، أي قبل يوم من اجتماع الفصائل، عبرت فيه عن دعمها "حق الشعب السوري في التغيير وبناء سوريا القوية المرتكزة على قواعد الحياة الديمقراطية وسيادة دولة العدل والقانون.

****داخلية**** بيان تجميد خالد جبريل- الجبهة الشعبية القيادة العام الجبهة الشعبية القيادة العامة بيان صحفي
بيان تجميد خالد جبريل بالقيادة العامة وبيانها الصحفي الذي أعقب انهيار النظام (الجزيرة)

.

منهار ومنهوب

يصف عمر مراد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأجواء السائدة بين الفصائل وقتها "بالنسبة للفصائل الفلسطينية من شارك في القتال إلى جانب النظام صار يحسس (يتحسس) على راسه". هم فوجئوا بالخطاب التسامحي (للقيادة السورية الجديدة) بصراحة. نحن كنا نتواصل معهم من القاهرة كي نطمئن عندما كانت قوى التغيير والثورة واصلين إلى حمص. أنا كنت متوقعا مسافة الطريق من حلب إلى الشام، لأن وضع البلد منهار ومنهوب. فطبيعي جدا اللي صار. وأضاف "تفاجأوا لمّا وصلوا (مقاتلو المعارضة) إلى الشام. وسقط النظام وهرب رئيسه. تفاجأوا بالخطاب التسامحي التصالحي. خطاب الصفح أراحهم.. بمعنى: لا عقوبات جماعية.

‪عمر مراد- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - دمشق .jpeg
‪عمر مراد: خطاب الصفح أشاع أجواء الارتياح بين الفصائل (الجزيرة)

خطت القيادة السورية الجديدة أولى خطواتها بهذا المنحى في تعاملها مع ملف التنظيمات الفلسطينية. ويقول مصدر قيادي فلسطيني للجزيرة نت: إن هيئة تحرير الشام أبلغت (سفير دولة فلسطين) الدكتور سمير الرفاعي أنها ستفتش المكاتب. وطلبت أن يحدد كل فصيل المكاتب التي بحوزته وموقعها الدقيق، وما إذا كانت مملوكة له أو مستأجرة، وما الأسلحة الموجودة بداخلها، وعدد السيارات التي حصلت على تراخيص سورية، وما هو مصدر التمويل الخاص بكل تنظيم. وأشار المصدر ذاته إلى أن الهيئة شكلت لجان تفتيش على المكاتب في مختلف المناطق، وأن الشيخ باسل الخطيب هو مَن كلف بالتواصل مع الفصائل بمخيم اليرموك، في حين تولت إدارة الأمن العام (...)عملية التدقيق في دمشق. مضيفا أن الهيئة كانت مهتمة بالبحث عن أي أسلحة مخبأة.

الشرع: لجنة لدراسة وضع الفصائل الفلسطينية

مقر حركة فتح الانتفاضة في جرمانا
مقر حركة فتح الانتفاضة في جرمانا
مقر حركة فتح الانتفاضة في جرمانا (الجزيرة)
مقر حركة فتح الانتفاضة في جرمانا (الجزيرة)

ويقول عمر مراد في هذا الصدد "عن طريق سفارة فلسطين فهمنا أن الدولة بصدد رسم سياسة تجاه الفصائل. لذلك طلبوا كشوفا عن المقرات، عن الكوادر المعنية الموجودة في المحافظات أو هنا، عن السلاح.. السيارات ". ويضيف أن "هذه الكشوف ليست غريبة علينا لأنها كانت تطلب أيام النظام السابق. وطبيعي أن تكون أي جهة في الحكم (...) مطلعة وأن تكون الأمور فوق الأرض عند الدول المضيفة التي تربطنا بها علاقات تاريخية". ويستدرك مراد قائلا "لا نشتغل فوق الأرض وتحت الأرض، نعمل بكل شفافية وأريحية، واثقون من عدالة قضيتنا، ونبل رسالتنا".

معسكرات البقاع

في غضون اليومين التاليين وضعت إدارة العمليات العسكرية يدها على مقر قيادة "الصاعقة" العسكري في منطقة العباسيين بدمشق، ومكتب أحمد جبريل (الزعيم الراحل للجبهة الشعبية – القيادة العامة) حيث يوجد ابنه خالد، وكذلك معسكراتها خارج دمشق، وعلى مقر العقيد زياد الصغير، مسؤول حركة فتح -الانتفاضة في ساحة التحرير بدمشق-. وفي 21 ديسمبر/كانون الأول أصدر الجيش اللبناني بيانا مفاجئا قال فيه إنه تسلم موقعين عسكريين كانا يتبعان الجبهة الشعبية، القيادة العامة، ومعسكرا تابعا في السابق لتنظيم فتح، الانتفاضة، في منطقة البقاع. وأوضح البيان أن الجيش تسلم مركزَي السلطان يعقوب، وحشمش ومعسكر حُلوة. وصادر عتادا عسكريا وكميات من الأسلحة والذخائر. وبالنظر إلى غرابة إقدام التنظيمين على تسليم مواقعهما العسكرية التي يحتفظان بها منذ سنوات في لبنان، تزامنا مع إغلاق مقراتهما في سوريا خاطبت الجزيرة نت أنور رجا متسائلة عن مغزى تسليم المواقع في لبنان بالتزامن مع انهيار نظام الأسد، لكنه امتنع عن الإجابة.

Palestinian guerrillas from the Popular Front for the Liberation of Palestine-General Command (PFLP-GC) gestures at their base in the Naameh area, south of Beirut, Lebanon, May 28, 2006
مقاتلان من الجبهة الشعبية - القيادة العامة في قاعدتهم بالناعمة جنوبي بيروت عام 2006 (رويترز)

ويروي عمر مراد ما حصل مع مقر تنظيمه بالجسر الأبيض قائلا "إجو(جاءوا) لهون. هذا مكتب جورج حبش.. الحكيم.. المكتب المركزي للجبهة. أتوا شباب من هيئة تحرير الشام.( وقفوا) على باب المكتب. قالوا: شو في هون؟ فقال (الرفاق الموجودون) هذا مكتب الجبهة الشعبية (قوات أبو علي مصطفى). فقالوا.. آه أنتم تقاتلوا بغزة.. الله يعطيكم العافية". ويضيف أن مسلحي الهيئة استفسروا عن وجود أسلحة بالمقر فقيل لهم "لدينا(سلاح) لحماية المقر. فردوا: بلاش يظهر في الشارع. وانتهى الأمر".

المؤكد أن عمليات التفتيش لم تخل من تجاوزات سجلت إحداها في مخيم اليرموك، حيث أغلق مكتبان للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم أعيد فتحهما بعد مصادرة السلاح الموجود فيهما، حسب مصدر فلسطيني في دمشق. وفي معسكر للجبهة ذاتها في خربة غزالة (جنوب سوريا) صودر السلاح من المعسكر، وطرد شاغلوه، ثم قام أهالي القرية بقطع الشجر -حسب مراد – لأغراض التدفئة، لكن التعامل ظل "إيجابيا" حسب وصفه. وذكر مصدر فلسطيني أن ضباطا من جيش التحرير الفلسطيني تعرضوا للضرب في حمص.

عبد المجيد

أما في المقر الرئيس لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني (خالد عبد المجيد) في دمشق فوقع حادث لم تتضح ملابساته كاملة بعد، حيث تردد أن إدارة الأمن العام عثرت على 18 قطعة سلاح، منها بنادق قنص، لم يرد ذكرها في الكشف المقدم من التنظيم. وأعقب ذلك اعتقال مرافق لعبد المجيد واقتحام منزل الأخير، و"الاستيلاء عليه" وإبعاده إلى الأردن، إلى جانب "ممارسات لم نكن نتوقعها" حسبما أفاد عبد المجيد نفسه، في رسالة لمعد التحقيق على تطبيق واتساب. لكن مصدرا في إدارة العمليات العسكرية أكد للجزيرة نت أن عبد المجيد "بقي أكثر من 40 يوما ولم يسأل أو يستدعَ أو يوجه إليه أي طلب" مضيفا أنه خرج بإرادته فجأة وأن "سبب الخروج زيارة ولده في الإمارات".

رغم فرادة واقعة عبد المجيد، فقد حرّكت حالة اللايقين المواكبة لإغلاق مكاتب فصائل التحالف الوطني الفلسطيني بأرجاء سوريا، المياه الراكدة داخل تنظيماته. فأعلن الأمين العام لمنظمة الصاعقة الدكتور محمد درويش قيس في بيان صادر في 30 يناير/كانون الثاني 2025 تشكيل قيادة جديدة من 15 عضوا تعزيزا لدور المنظمة على الصعيد الفلسطيني. وفي بيان مماثل يحمل الرقم 3 قرر تشكيل لجنة مركزية تضم 65 عضوا (صورة البيانين). لكن بيانا صدر في دمشق في 17 فبراير/شباط عن "كوادر وأعضاء منظمة الصاعقة "ووقعه" الرفيق باسل أبو الهيجاء أعلن تبرؤ الموقعين من أي ارتباط بأفعال محمد قيس الفاسدة وخصوصا بعد تراجعه عن التخلي عن منصب الأمين العام. واتهم البيان قيس برفض نقل مقر الأمانة العامة للمنظمة لتكون في الساحة المركزية في الداخل الفلسطيني (الضفة الغربية وغزة). ودعا الشرفاء في منظمة الصاعقة في الساحة السورية إلى العمل على تشكيل لجنة مؤقتة لمتابعة شؤون المنظمة وإصلاح وترتيب أوضاعها.

***دالخية*** بيان تنظيم الصاعقة - قيس بيان تنظيم الصاعقة - أبو الهيجاء
بيانات تنظيم الصاعقة  الصادرة عن باسل أبو الهيجاء والدكتور قيس (الجزيرة)

وشهد تنظيم فتح الانتفاضة أحداثا مماثلة بتأثير صدمة فقدان قاعدة الارتكاز السورية. ففي بيان صادر في الخامس من فبراير/شباط 2025 باسم أمينها العام زياد الصغير (أبو حازم) قرر الأخير تجميد عمل اللجنة المركزية للحركة حتى إشعار آخر، كما قرر فصل رفيق الرميض (أبو هاني) إقليم لبنان، وياسر المصري (أبو عمر) إقليم سوريا، من صفوفها لمخالفتهما نظام الحركة. وقرر كذلك نقل مقر الأمانة العامة إلى لبنان على أن يعاد تشكيل اللجنة المركزية وتوزيع المهام في وقت لاحق. وفي بيان صدر في اليوم التالي باسم "فتح الانتفاضة القيادة العامة لقوات العاصفة" قررت اللجنة المركزية المكونة من 9 أعضاء بالإجماع إعفاء الأخ زياد عودة الصغير (أبو حازم) من مهامه كأمين عام لفتح الانتفاضة. وربطت اللجنة قرارها بضرورة المصلحة الحركية وارتكابه مخالفات تنظيمية معلنة تشكيل لجنة طوارئ تضم إلى الرميض والمصري، توفيق السكجي (أبو القاسم)، وفايد أبو صيحة (أبو ضرار)، وخالد أسعد علي (أبو أنس).

****داخلي**** فتح الانتفاضة بيان هيئة الطوارئ فتح الانتفاضة بيان زياد الصغير
بيان هيئة الطوارئ في فتح الانتفاضة يليه بيان زياد الصغير (الجزيرة)

في تنظيم الجبهة الشعبية- القيادة العامة أصدر أمينها العام طلال ناجي قرارا في الخامس من فبراير/شباط 2025 ينص على تجميد عضوية خالد أحمد جبريل ابن مؤسس الجبهة "لارتكابه مخالفات تنظيمية ومالية جسيمة"، وأحيل إلى لجنة تحقيق تديرها اللجنة المركزية للجبهة.وفي 21 فبراير/ شباط أصدرت اللجنة المركزية للجبهة  بيانا حمل توقيع أمينها العام، يعلن تعيين أنور رجا ورامز مصطفى أمينين عامين مساعدين.

أما في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، فقرر زعيم التيار خالد عبد المجيد تقديم استقالته. وأفاد نص تعميم وزع باسم الأمانة العامة للتنظيم ومكتبها الإعلامي المغلق في ساحة الميسات: "في ظل الظروف الموضوعية والذاتية والمستجدات التي جرت في الآونة الأخيرة، وحفاظا على دور الجبهة واستمراره، يكلف الرفاق أعضاء المكتب السياسي كلا من ضمن مسؤولياته وصلاحياته؛ بتحمل المسؤولية العامة للجبهة في المرحلة القادمة، لحين البت في استقالة الأمين العام في اجتماع اللجنة المركزية القادم". أما جيش التحرير الفلسطيني فدخل قرار حله في التنفيذ في 29 يناير/ كانون الثاني، تزامنا مع إعلان المتحدث باسم إدارة العمليات العسكرية في سوريا، حل الجيش السوري وإعادة بناء قوات مسلحة "على أسس وطنية" مع تولي أحمد الشرع، رسميا مهام رئاسة البلاد "في المرحلة الانتقالية".

****داخلية*** بيان جبهة النضال الشعبي
تعميم داخلي بشأن استقالة عبد المجيد من قيادة جبهة النضال الشعبي (الجزيرة)

لم تترك معالجات القيادة السورية الجديدة لملف الفصائل الفلسطينية فرصة للشك في تفضيلها التعامل مع القيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها القائمة في رام الله. في هذا الإطار جاء استقبال الشرع في 28 يناير/كانون الثاني لوفد ضم -إضافة إلى رئيس الوزراء محمد مصطفى- كلا من أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين عام جبهة النضال الشعبي الذي أدار ملف العلاقة مع سوريا سنوات عدة. ومستشار الرئيس محمود عباس، محمود الهباش وياسر نجل عباس الذي يشغل منصب مستشار اقتصادي في رئاسة الحكومة.

الحقوق والأملاك

وبشأن الملفات التي بحثها الوفد مع الشرع قال مجدلاني للجزيرة نت: ما كان يهمنا بالأساس هو الحقوق الاقتصادية والمدنية والاجتماعية للفلسطينيين في سوريا طبقا لقانون (العام) 1956. (سألنا): هل هنالك مس بها أم لا؟. قيل (لنا) لا مس فيها. ونقل المجدلاني عن الشرع قوله: أما ما يتعلق بالمنظمة فحضورها وتمثيلها محترم وموجود، وفصائل المنظمة مرحب فيها ولكني شكلت لجنة لدراسة وضع الفصائل في سوريا.

ومضى مجدلاني قائلا: هنالك موضوع ثان هو أملاك المنظمة التي وضع النظام السابق يده عليها مثل مدارس أبناء الشهداء. هذان الملفان وضعناهما معا: الملف الأول الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين، والملف الثاني: هو الممتلكات التي صادرها النظام السابق وأعوانه، سواء كانت ممتلكات عامة أو خاصة. وعن رد الشرع على هذا الطلب قال المجدلاني فورا: الشرع قال أي وثائق قانونية عندكم جيبوها (ونحن) جاهزون، سنعيدها".

أحمد مجدلاني /عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
أحمد مجدلاني: الشرع جاهز لإعادة الممتلكات (الجزيرة)

وحول دوافع مسارعة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة إلى التقرب من النظام السوري الجديد قال مجدلاني: "ما يهمنا أن أي نظام يحكم سوريا نحن حريصون على العلاقة معه. لأنه لدينا مصالح إستراتيجية في سوريا كدولة. نحن وإياهم لدينا قاسم مشترك أعظم؛ أن أراضينا وأراضيهم محتلة. ونحن وهم ينطبق علينا القرار 242 و338. وفي سياق أي حل سياسي مستقبلي يجب أن نكون معا" .

ومضى قائلا إن "الأمن القومي السوري ينعكس علينا. والأمن القومي خاصتنا ينعكس عليهم. والأهم أن لدينا مجتمع فلسطيني في سوريا وليس جالية. ترسخت لهذا المجتمع عبر عقود طويلة حقوق مدنية واجتماعية واقتصادية. وبالتالي نحن حريصون على عدم المس بهذه الحقوق ما إن يتغير النظام وألا يحصل أي تراجع فيها، وهذه قضية إستراتيجية".

المصدر : الجزيرة