هل عجزت الدول الكبرى أمام سماسرة الهجرة؟

ثمة مشهد عالمي يبدو أن تصاعد أزمة الهجرة غير النظامية أحد أهم مظاهره. فهل عجزت الدول الكبرى أمام سماسرة الهجرة؟ وما دوافع الهجرة غير النظامية؟ ولماذا تفشل البلدان في وقف تدفق المهاجرين؟ وما التداعيات الاقتصادية على دول المصدر والعبور والاستقبال؟

Illegal migrants from Africa are seen after being rescued by Libyan coast guards rescued at sea, off the coastal town of Tajoura, 15 kilometres east of the capital Tripoli on May 23, 2017. (Photo by MAHMUD TURKIA / AFP)
مهاجرون أفارقة غير نظاميين بالسواحل الليبية عام 2017 (الفرنسية)

عندما تضيق الأوطان بأهلها يصبح البحث عن وطنٍ بديل هاجساً لدى الكثيرين، حيث يخوض الآلاف سنوياً غمار تجربة مريرة ومحفوفة بالمخاطر بغية الوصول إلى ما يعتقدون أنه "جنة منتظرة".

ورغم خطورة رحلات الهجرة غير النظامية براً وبحراً، والتي باتت تشكل تجارة رائجة تقدر بمئات الملايين من الدولارات يستفيد منها سماسرة تهريب البشر، يقرر الكثير من طالبي اللجوء غير النظاميين، استكمال هذه الرحلة متجاهلين ما قد يتعرضون له في مراكز التجميع بدول العبور أو خلال الرحلة والتي في كثير من الأحيان تنتهي بخسارتهم لأرواحهم.

فمن حادثة غرق الطفل السوري إيلان الكردي، وصورته التي صدمت العالم، إلى حوادث غرق عشرات القوارب في بحر المانش وقبالة سواحل اليونان وليبيا وإسبانيا، مرورًا إلى تقارير أثبتت حالات اعتداءات جنسية وجسدية بحق المئات أثناء عبورهم البر والبحر حتى الوصول، ولا يجد من يختار هذا الطريق سوى استكماله بهدف تحقيق هدفه في عيش كريم.

Migrants gesture towards members of Proactiva Open Arms NGO as they wait to be rescued in the Mediterranean Sea, some 12 nautical miles north of Libya, on October 4, 2016. At least 1,800 migrants were rescued off the Libyan coast, the Italian coastguard announced, adding that similar operations were underway around 15 other overloaded vessels. (Photo by ARIS MESSINIS / AFP)
مهاجرون قبالة الساحل الليبي عام 2016 (الفرنسية)

وقد بدأت ظاهرة الهجرة غير النظامية -التي برزت منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي- تشكل تهديدًا خطيرًا على دول المصدر والعبور والاستقبال، حيث أضحت تؤثر وتنعكس على سياسات هذه الدول نتيجة لفقدان القوة البشرية سواء بالهجرة أو الموت، وصولًا إلى توتر العلاقات السياسية بين هذه البلدان.

خطة ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا

Illegal migrants from Africa arrive on shore after being rescued by Libyan coast guards rescued at sea, off the coastal town of Tajoura, 15 kilometres east of the capital Tripoli on May 23, 2017. (Photo by MAHMUD TURKIA / AFP)

وفي ظل هذا الواقع، عملت بلدان أخرى على غرار بريطانيا على سن قوانين للحد من الهجرة غير النظامية، عندما تبنى البرلمان البريطاني "قانون رواندا" الخاص بترحيل طالبي اللجوء في بريطانيا إلى رواندا والذي أقرّته حكومة المحافظين السابقة والمنصوص عليه بموجب معاهدة صدرت عن برلماني كلا البلدين، في أبريل/نيسان 2022.

Prime Minister's Questions, in London
جلسة للبرلمان البريطاني عام 2023 (رويترز)

"فايننشال تايمز" البريطانية وصفت موافقة البرلمان على مشروع القانون المثير للجدل بأنها أحد أشنع التشريعات البريطانية في السنوات الأخيرة.

ورأت الصحيفة أن القضية لا تقتصر على أن هذه الخطة "غير إنسانية" فقط، بل باهظة التكاليف على المملكة وقد لا تحقق الهدف منها، مضيفة أن الوسائل القانونية التي لجأت إليها الحكومة لإبطال قرار المحكمة العليا تؤسس لسابقة ضارة بالديمقراطية في البلاد.

واعتبرت المحكمة العليا "خطة روندا" مخالفة للقانون الدولي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

People gather at the side of an explosion in a refugee camp on the outskirts of Goma, Democratic Republic of the Congo, Friday, May, 3, 2024. The Congolese army says a bomb at a refugee camp in eastern Congo has killed at least 5 people, including children. An army spokesman blamed the attack at the Mugunga refugee camp in North Kivu on a rebel group, known as M23, with alleged links to Rwanda, in a statement provided to The Associated Press. (AP Photo/Moses Sawasawa)
لاجئون على مشارف جوما بالكونغو الديمقراطية في 3 مايو/أيار 2024 (الأناضول)

وبعد عامين من الشد والجذب، اعتمدت خطة ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني السابق في 22 أبريل/نيسان 2024، لكن عند تولي كير ستارمر منصب رئيس الوزراء، ظهر أول يوم من ولايته ليعلن عدم استعداده لمواصلة العمل بتلك الخطة، وقال إن "خطة رواندا ماتت ودُفنت قبل أن تبدأ".

رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر ورئيس الوزراء البريطاني السابق سوناك
رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر وسلفه سوناك (وكالات)

وبالتزامن مع ذلك، أطلقت الداخلية البريطانية تحقيقا للتعرف على أحدث الطرق والتكتيكات التي يستخدمها المهربون لإدخال اللاجئين المملكة المتحدة.

حكومة جديدة.. خطة بديلة

Rwanda and United Kingdom flags together textile cloth, fabric texture

وزيرة الداخلية في حكومة حزب العمال الجديدة إيفيت كوبر أعلنت عن الخطوات الأولى لإنشاء قيادة جديدة لأمن الحدود في المملكة المتحدة.

وكشفت كوبر أن الحكومة بدأت بإعداد تشريع مبكر لإنشاء قوة جديدة على غرار قوة مكافحة الإرهاب، والتي تستهدف الذين يسهمون بدخول عشرات الآلاف من الأشخاص إلى المملكة المتحدة في قوارب صغيرة كل عام، واصفة الخطوة بأنها ستشكل تغييرا رئيسيا في معالجة "جرائم الهجرة المنظمة".

إنفوغراف - المهاجرين - قوة جديدة لأمن الحدود

كما أعلنت الوزيرة الجديدة أن القوة ستعتمد على موارد كبيرة "للعمل في جميع أنحاء أوروبا وخارجها لتعطيل شبكات الاتجار بالبشر، بالتنسيق مع المدعين العامين في أوروبا" حسب وصفها.

لماذا رواندا؟

FILE - People displaced by the ongoing fighting between Congolese forces and M23 rebels gather in a camp on the outskirts of Goma, Democratic Republic of Congo, March 13, 2024. Between 3,000 and 4,000 Rwanda government forces are deployed in neighboring eastern Congo, operating alongside the M23 rebel group which has been making major advances, U.N. experts said in a report circulated Wednesday, July 10. (AP Photo/Moses Sawasawa, File)

توجهت أنظار لندن نحو رواندا لامتلاكها تجارب مختلفة في هذا النوع من "الاستضافة" فوفقا لمرصد الهجرة التابع لجامعة أوكسفورد فإنه في الفترة بين عامي 2013 و2018، تم إرسال نحو 4 آلاف من طالبي اللجوء الإريتريين والإثيوبيين من إسرائيل إلى رواندا وأوغندا في إطار خطة "ترحيل طوعي" سرية.

إنفوغراف - المهاجرين - مكاسب رواندا من استقبال اللاجئين المرحلين من بريطانيا

كما تنخرط رواندا منذ 2019 في برنامج مع المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين والاتحاد الأفريقي لاستقبال اللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة المحتجزين في ليبيا ريثما تتم دراسة ملفاتهم والبحث في تسوية مناسبة لأوضاعهم، بجانب اتفاق مماثل مع الاتحاد الأوروبي يتوقع أن يشمل ما يزيد على 4 آلاف من هؤلاء بحلول عام 2026.
إنفوغراف - المهاجرين - تحت بند الحمايةتستضيف رواندا تحت بند الحماية المؤقتة، وفق اتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين، قرابة 135 ألف لاجئ، 85 ألفا من الكونغو الديمقراطية ونحو 50 ألفا من بوروندي، ويسكن غالبيتهم في 5 مخيمات، بحسب المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين في رواندا ليلي كارليسلي.

مكاسب رواندا من استقبال اللاجئين المرحلين من بريطانيا

Officials greet and check migrants intercepted by UK Border Force whilst travelling in a RIB from France to Dover at the Marina in Dover, southeast England on August 14, 2020. British Prime Minister Boris Johnson on Monday said illegal migrant crossings of the Channel, which have hit record numbers, were "very bad and stupid and dangerous" on the eve of talks in Paris. More than 4,000 migrants have arrived illegally in the Britain via the Channel since the beginning of the year, including around 600 since last Thursday. (Photo by Ben STANSALL / AFP) / “The erroneous date appearing in the caption of this photo by Ben STANSALL has been modified in AFP systems in the following manner: [August 14, 2020] instead of [August 13, 2020]. Please immediately remove the erroneous mention[s] from all your online services and delete it (them) from your servers. If you have been authorized by AFP to distribute it (them) to third parties, please ensure that the same actions are carried out by them. Failure to promptly comply with these instructions will entail liability on your part for any continued or post notification usage. Therefore we thank you very much for all your attention and prompt action. We are sorry for the inconvenience this notification may cause and remain at your disposal for any further information you may require.”

يوفر الاتفاق تدفقات مالية كبيرة ستصب في خزينة رواندا عبر صندوق مخصص لهذا الغرض، ووفقا لتقرير صادر في مارس/آذار الماضي عن مكتب التدقيق الوطني، فإن لندن ستدفع 120 مليون جنيه إسترليني بمجرد إعادة توطين 300 شخص، بجانب 20 ألف إسترليني لكل فرد يعاد توطينه في رواندا، كما ستغطي الداخلية البريطانية تكاليف معالجة اللجوء والتكاليف التشغيلية والتي تزيد على 150 ألف إسترليني لكل فرد يتم نقله.

إنفوغراف - المهاجرين - كيف تستثمر رواندا في اللاجئين ؟

وبالاعتماد على أرقام الداخلية البريطانية التي تؤكد وصول 20 ألف مهاجر غير نظامي بين يوليو/تموز وديسمبر/كانون الأول 2023، تذهب تقديرات أجراها معهد "آي بي بي آر" البريطاني إلى أن التكلفة الدقيقة لتطبيق هذه الخطة ستتفاوت في الإجمال بين 1.1 مليار إسترليني إن قام كل المرحلين بالمغادرة فور وصولهم إلى رواندا، و3.9 مليارات إن استقروا جميعا لمدة 5 سنوات على الأقل.

إنفوغراف - المهاجرين - الإنسانية والنقود

ربما جاء إلغاء لندن خطة ترحيل اللاجئين، الذين يصلون إلى بريطانيا بطريقة غير نظامية إلى رواندا، للتنبيه على ضرورة إعادة النظر في ملف الهجرة غير النظامية، وطرح حلول للحد من حتميات الصدام والعنف بين المجتمعات المحلية ومجتمع المهاجرين غير النظاميين.

SFAX, TUNISIA - JUNE 08: Irregular migrants during an operation carried out by the Tunisian National Guard against African irregular migrants who want to reach Europe illegally via the Mediterranean Sea on June 08, 2023 in Sfax, Tunisia. The Sfax region is Tunisia's economic capital and with over 150 kilometres of Mediterranean coastline, it has become a hub for migrants from sub-Saharan Africa. (Photo by Hasan Mrad/DeFodi Images via Getty Images)
صفاقس التونسية على ساحل البحر المتوسط ​​في يونيو/حزيران 2023 (غيتي)

فانتشار النزاعات المسلحة والظروف الاقتصادية في الكثير من الدول خلفت لتجار البشر تربة خصبة، وأسهمت في زيادة أرباحهم وضحاياهم على حد سواء، لكن من المؤكد أن عملهم في توسع دائم يكبحه أحيانا تفاهم سياسي ما، ثم لا يلبثون أن يعاودوا عملهم مع عودة تلك الخلافات.


إنتاج الوسائط المتعددة

المصدر : الجزيرة