"هي ليست مفاجأة للأسف. المجاعة قائمة على الأرجح بشمال غزة، إنها من صنع الإنسان. دولة إسرائيل استخدمت التجويع سلاحا لحرمان أهل غزة من الأساسيات التي تبقيهم على قيد الحياة (...) الحلول الأكثر إلحاحا: إرادة سياسية لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية والإمدادات لغزة، قرار سياسي يتيح مرور القوافل إلى شمال غزة بانتظام وبلا انقطاع، وإرادة سياسية لوقف التجويع وعلاجه.. الأوان لم يفت بعد".
كاتب هذه التغريدة المنشورة مساء التاسع من نوفمبر/ تشرين 2024 على موقع إكس، ليس مسؤولا إعلاميا في الدفاع المدني بقطاع غزة، الذي يشهد منذ 14 شهرا أشرس حرب إسرائيلية. ولا هو موظف محلي في الهلال الأحمر الفلسطيني. بل مواطن سويسري يعمل منذ مارس/ آذار 2020 في الأمم المتحدة، بوظيفة مفوض عام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) واسمه فيليبي لازاريني .
والموظف الأممي هذا، هو الذي دعاه إسرائيل كاتس (وزير الخارجية الإسرائيلي السابق) في تغريدة كتبها في 16 فبراير/ شباط 2024 أي في الشهر الرابع للحرب، إلى الاستقالة من منصبه بعد اتهام الوكالة بأنها "تعمل كفرع لحركة حماس، وتقوم بارتكاب أعمال شنيعة". وزاد بتوصيف ما أسماه "تورط" موظفي الأونروا بغزة "في أعمال عنف"، و"ارتباط مقرها بأنفاق حماس "ليختم كاتس الذي أصبح وزيرا للدفاع، تغريدته بالقول: "في اليوم التالي لسقوط حماس، لن تكون الأونروا جزءا من المشهد".
ما الذي يدفع وزير في حكومة بنيامين نتنياهو إلى المجاهرة بالعداء لمنظمة أنشأتها الجمعية العام للأمم المتحدة قبل 75 عاما، وإشهار نية إلغائها ومحو أدوارها الإنسانية المركبة؟ هل هي سياسة اليمين الإسرائيلي وحده؟ والأهم ما إذا كانت نية نتنياهو وفريقه قابلة للتنفيذ، بعد فوز حليفهم دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية مجددا.
ترجع أولى الخطوات الإسرائيلية للتخلص من الأونروا إلى الأيام الأولى للولاية الأولى دونالد ترامب بصفته رئيسا للولايات المتحدة. فبعد وصول الأخير إلى البيت الأبيض، في 20 يناير/كانون الثاني 2017، رأى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الفرصة باتت مناسبة كي يعبّر عن هذه الرغبة بصورة صريحة. ففي اجتماع لحكومته، عقد في 11 يونيو/حزيران من ذلك العام، طالب بتفكيك وكالة الأونروا ودمج مؤسساتها ضمن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأشار إلى أنه أبلغ السفيرة الأميركية لدى هيئة الأمم المتحدة حينها، نيكي هيلي، بضرورة العمل في هذا الاتجاه.
في السابع من يناير/ كانون الثاني 2018، جدّد بنيامين نتنياهو دعوته لحل الأونروا، التي يتهمها بأنها "معادية لإسرائيل"، معتبرا أن استمرار وجود هذه الوكالة يديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وما "يسمى بحق العودة الذي يتمثل هدفه الحقيقي في تدمير دولة إسرائيل" وأن الوقت قد حان لتفكيك الأونروا و"دمج أنشطتها بأنشطة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، مضيفا أن الفلسطينيين "هم الوحيدون الذين لديهم وكالة مساعدات خاصة بهم، بينما يتم رعاية ملايين اللاجئين الآخرين حول العالم من قبل المفوضية السامية".
وقف الدعم
وشهدت سنة 2018 تصاعدا في حدة الحملة الإسرائيلية على الأونروا، زادتها زخما آنذاك المواقف التي تبنتها إدارة ترامب، التي صارت تدعو صراحة، بعد اعترافها بمدينة القدس "عاصمة" لدولة إسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، إلى إنهاء عمل الأونروا. واتخذت، في هذا السياق، قرارا بوقف الدعم المالي الذي كانت تخصصه لها، والذي يقدّر بنحو 365 مليون دولار سنويا. وقد ترافق قرار وقف تمويل الأونروا مع قرار آخر اتخذته إدارة ترامب، يتمثّل في حجب مساعدات إغاثية وطبية وتنموية بقيمة 200 مليون دولار، كان يفترض صرفها هذا العام في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ورأى الكاتب والصحفي البريطاني ديفد هيرست في مقال نشره في موقع "ميدل إيست أي" بعنوان "لماذا تريد إسرائيل قتل الأونروا؟" أن بنيامين نتنياهو وضع لنفسه هدفا، بعد اعتراف دونالد ترامب بالقدس "عاصمة" لإسرائيل، هو إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، الذين أصبح عددهم في أواخر سنة 2022، بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، نحو 7.1 ملايين من أصل حوالي 14.3 مليون فلسطيني وفلسطينية داخل فلسطين التاريخية وخارجها.
بيد أن إنهاء قضية اللاجئين يتطلب -كما تابع هيرست- تفكيك وكالة الأونروا "ليس لأنها تقدم للفلسطينيين مستوى تعليميا متقدما فحسب، ولكن أيضا لأنها في نظر إسرائيل تسمح لأحفاد لاجئي الجيل الأول بالحفاظ على وضعهم كلاجئين في البلدان التي تستضيفهم".
وكشفت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية من جهتها عن الجهة المساندة لهذه السياسة في واشنطن عند إماطتها اللثام عن مضمون رسائل إلكترونية تظهر عمل جاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه للتخلص من الأونروا بهدوء.
وقالت المجلة في تقرير نشر في الخامس من أغسطس/آب 2018 إن مبادرة كوشنر "تأتي في إطار حملة أوسع نطاقا من جانب إدارة ترامب وحلفائها في الكونغرس لتجريد هؤلاء الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في المنطقة وإخراج قضيتهم من المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وفقا لمسؤولين أميركيين وفلسطينيين"، لافتة إلى أن "هناك تشريعين على الأقل يشقان طريقهما من خلال الكونغرس للتعامل مع هذه القضية".
وكان كوشنر، الذي كلفه ترامب بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مترددا في التحدث علانية عن أي جانب من جوانب دبلوماسيته في الشرق الأوسط. وقالت المجلة "كانت خطة السلام التي كان يعمل عليها مع مسؤولين أميركيين آخرين لمدة 18 شهرا واحدة من أكثر وثائق واشنطن سرية".
واستدركت: "لكن موقفه من قضية اللاجئين وعداءه تجاه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) واضح في رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي كتبها كوشنر وآخرون في وقت سابق من هذا العام".
فاسدة وغير فعالة
وكتب كوشنر في واحدة من تلك الرسائل الإلكترونية بتاريخ 11 يناير/ كانون الثاني 2018، التي وجهها إلى العديد من كبار المسؤولين الآخرين، بمن فيهم مبعوث السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات: "من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل الأونروا". ومضى قائلا "هذه [الوكالة] تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد على السلام".
لكن محاولة إضعاف الأونروا وتجفيف مواردها المالية ما لبثت أن تراجعت مع حلول الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض مطلع العام 2020 وما تلاه من تراجع إدارته عن قرار وقف دعم الأونروا. وانحسر الاهتمام بهذا الملف من طرف حكومة نتنياهو، إلى أن لاحت الفرصة من جديد في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 مع ادعائها العثور على دلائل على مشاركة موظفين من الوكالة ممن ينتمون إلى حركة حماس في الهجوم على المستوطنات.
وحصلت المزاعم الإسرائيلية على مساندة قوية من 9 دول غربية. فأعلنت الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا وكندا وهولندا والمملكة المتحدة وإيطاليا وأستراليا وفنلندا تعليق تبرعاتها للأونروا التي توازي ثلثي موازنة الوكالة السنوية التي بلغت عام 2022 ما يقارب 1.1 مليار دولار.
ورحبت دول أخرى، مثل أيرلندا والنرويج، بإجراء تحقيق في هذه المزاعم، لكنها قالت إنها لن تقطع المساعدات.
وردت الأونروا على الاتهامات الإسرائيلية بوثيقة حملت عنوان "حقائق في مواجهة المعلومات المضللة"، أصدرتها في 29 فبراير/ شباط ذكرت فيها أنها "كأي منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة، تقوم بإجراء فحوصات مرجعية مفصلة لجميع موظفيها"، كما "تقوم سنويا بإطلاع السلطات المضيفة، في لبنان والأردن وسورية والسلطة الفلسطينية وكذلك إسرائيل بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة، على أسماء وأرقام الموظفين ووظائفهم"، وأنها لم تتلق، قبل شهر يناير/كانون الثاني 2024، "أي إشارة من السلطات المعنية حول تورط موظفيها في جماعات مسلحة".
"مؤيدو الإرهاب"
غير أن ذلك لم يمنع الحكومة الإسرائيلية من تجديد حملتها على الأونروا بالتزامن مع إعلان محكمة العدل الدولية في لاهاي رفضها مطالب إسرائيل بإسقاط دعوى الإبادة الجماعية في غزة التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا وحكمت مؤقتا بإلزام تل أبيب بتدابير لوقف الإبادة وإدخال المساعدات الإنسانية.
ففي 30 يناير/ كانون الثاني 2024 كتب كاتس عبر منصة إكس: "هناك موظفون من الأونروا شاركوا في مجزرة 7 أكتوبر...، يجب على لازاريني أن يستخلص النتائج ويستقيل، حيث إن مؤيدي الإرهاب غير مرحب بهم هنا".
وبعد يومين أصدر مكتب نتنياهو بيانا قال فيه إنه أبلغ وفد من الأمم المتحدة أنه "حان الوقت ليفهم المجتمع الدولي والأمم المتحدة نفسها أنه لا بد من إنهاء مهمة الأونروا"، وأضاف "المنظمة مخترقة بالكامل من حماس.. كانت في خدمة حماس في مدارسها وأشياء كثيرة أخرى، أقول ذلك بأسف شديد لأننا كنا نأمل أن تكون هناك هيئة موضوعية وبناءة لتقديم المساعدات، نحن بحاجة إلى أن تحل وكالات أممية أخرى ووكالات مساعدات أخرى محل الأونروا".
دفعت حملة نتنياهو الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش للتحذير في 26 يناير/ كانون الثاني من أن حياة حوالي مليوني فلسطيني أي ما يعادل 87% من سكان قطاع غزة متوقفة على خدمات الأونروا، وأن تأخير تسليم التبرعات من شأنه تعطيل هذه الخدمات. وفي اليوم ذاته أعلنت الوكالة إنهاء عقود "عدة موظفين" ممن تتهمهم السلطات الإسرائيلية بالضلوع في هجوم 7 أكتوبر.
وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني "من أجل حماية قدرة الوكالة على تقديم المساعدات الإنسانية، قررت إنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق حتى إثبات الحقيقة من دون تأخير".
وفي 30 مايو/أيار طالب لازاريني في مقال رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" إسرائيل بوقف حملتها على الوكالة. وتحت عنوان "يجب على إسرائيل أن توقف حملتها ضد الأونروا" كتب: "بينما أكتب هذه السطور، تحققت وكالتنا من مقتل ما لا يقل عن 192 من موظفيها في غزة، وتضرر أو دُمر أكثر من 170 مرفقا تابعا لها، وقد هُدمت المدارس التي تديرها الأونروا، وقُتل 450 نازحا أثناء لجوئهم إلى المدارس أو غيرها من منشآت الأونروا".
كما تقوم قوات الأمن الإسرائيلية، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، "باعتقال موظفي الأونروا في غزة، الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم"، كما "يتعرض موظفو الأونروا للمضايقات والإهانات بصورة منتظمة عند نقاط التفتيش الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية" التي احتلها إسرائيل وضمتها.
وأعرب فيليب لازاريني عن أسفه لأن "المسؤولين الإسرائيليين لا يهددون عمل موظفينا فحسب"، بل يعملون أيضا على نزع الشرعية عن الأونروا من خلال تصويرها "منظمة إرهابية تروّج للتطرف"، داعيا المجتمع الدولي إلى "العمل بحزم ضد الهجمات غير الشرعية على الأمم المتحدة، ليس فقط من أجل غزة والفلسطينيين، بل من أجل جميع الدول".
الرد على موقف لازاريني وأسانيده جاء من الكنيست الإسرائيلي الذي أقر في 27 أكتوبر/ تشرين الأول بغالبية 91 عضو ومعارضة 10 مشروع قانون يحظر عمل الأونروا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تغيب نواب حزب العمل عن التصويت.
ولم يجد القرار ترحيبا حتى من الدول الحليفة لإسرائيل، فدعت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة السلطات الإسرائيلية إلى "تعليق تشريعاتها هذه"، محذرة من "عواقبها المدمرة" في الضفة الغربية وقطاع غزة".
أما داخل إسرائيل فكشف منشورات الصحافة الإسرائيلية حول الموضوع، عن وجود إسرائيليين ممن ينتمون إلى اليسار الصهيوني كرسوا حياتهم لتحقيق الهدف المعلن لحكومة نتنياهو. ففي مقال نشره موقع قناة "إن 12" تحت عنوان "بعد الآن، لن تكون إسرائيل قبة حديدية للأونروا" كشفت باحثة تدعى عينات ويلف أنها كرست حياتها لاستصدار هذا النص القانوني.
الأيديولوجيا الفلسطينية
فقالت ويلف، التي كانت نائبة عن حزب العمل قبل انسحابها منه ،إنها عملت خلال 20 عاما "بطرق مختلفة في الكنيست، ومن خلال الكتب والمقالات والمحاضرات واللقاءات في البلد وفي الخارج"، كي تلقي الضوء "على الدور "المدمر" الذي تقوم به الأونروا من أجل إذكاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن خلال عملها تخلق شرعية غربية ودولية للأيديولوجيا الفلسطينية التي ترفض الصهيونية، ولا تعترف بوجود دولة إسرائيل وسيادة اليهود على أي أرض من النهر إلى البحر المتوسط"، وهو الإنكار الذي تجلّى "في الاختراع غير المسبوق لمفهوم اللجوء الذي لا أساس له، والمطالبة التي لا تنتهي بـ 'حق العودة' إلى دولة أخرى ذات سيادة".
واعتبرت ويلف، التي رافقت عملية صوغ القانون خلال العام الماضي، وكنت فخورة بالطريقة التي عمل فيها الكنيست، حسب قولها، أنه "بفضل الأونروا واللجوء الذي لا نهاية له واختراع حق العودة كان من الممكن للعرب (الفلسطينيين)، تحت مظلة المال الغربي وتأييد الأمم المتحدة، الاستمرار في الاعتقاد أنهم لم يخسروا في حرب 1948، وسيأتي اليوم الذي سينتصرون فيه، ويحققون هدفهم في القضاء على السيادة اليهودية على أي أرض كانت".
في ختام مقالتها ذكّرت ويلف -الباحثة في معهدي "واشنطن" و"سياسات الشعب اليهودي"- بأهمية إقصاء الأونروا بوصفه هدفا يجمع معتنقي الصهيونية يسارا ويمينا. فقالت إن تصويت الكنيست عبرّ "عن الإجماع الواسع النطاق في دولة إسرائيل التي ستبقى دولة الشعب اليهودي ذات السيادة، ولن تتعاون مع وكالة تعمل على تقويضها".
ما إن وضع القانون الإسرائيلي بإعدام الأونروا على سكة التنفيذ، حتى بدأت تتكشف خطورة ترجماته الأولى. فقالت صحيفة "هآرتس" في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إن هذا القانون سيجعل من الصعب على الأونروا التعامل مع البنوك الإسرائيلية، مما سيؤدي "إلى الانهيار الإداري للوكالة في الضفة والقطاع بسبب العراقيل التي ستوضع على دفع الرواتب، وعلى الدفع للموردين الذين لهم علاقة ببنك ليؤمي (الإسرائيلي)".
وتزامنت هذه المؤشرات المالية المقلقة مع عودة دونالد ترامب -الراعي الأول لمحاولة تجفيف منابع الأونروا- إلى البيت الأبيض، ومسارعة نتنياهو لإيفاد وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر للقائه في فلوريدا في العاشر من نوفمبر/ تشرين الأول الجاري "لبحث شؤون الحرب".
حان وقت العرب
فهل ستقوم الإدارة الجديدة لترامب بتكرار محاولة قتل الأونروا استنادا إلى استجاباتها السابقة لطلبات حكومة نتنياهو رغم تعارضها مع القانون الدولي؟
يتوقع ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط في هذا الصدد ألا تمنح إدارة ترامب "أي مساعدة مالية وتوفر ميزانية أميركية لدعم الأونروا، وستعلن أنه قد حان دور العرب وغيرهم من داعمي الأونروا، كي يكثفوا الجهود ويقدموا الدعم المالي الذي يعتبرونه ضروريا وعدم الاتكال على أميركا ورمي المسؤولية على عاتق الممولين الأميركيين".
ورأى ماك في تصريح للجزيرة نت أن "كل الخبراء الإنسانيين الدوليين يدينون هذا التصرف ويرونه معارضا للقيم الإنسانية وقصير النظر، وأنا أوافقهم الرأي، وأعتقد أنه سيتسبب في تطرف اللاجئين الفلسطينيين الشباب في قطاع غزة ومناطق أخرى".
أما عن الأونروا ذاتها وفرص انصياعها لسيناريوهات حكومة نتنياهو بتوزيع وظائفها على منظمات دولية أخرى، مثل أن تشرف "اليونسكو" على مدارس الأونروا، ويشرف برنامج الأغذية العالمي على توزيع المساعدات الإنسانية، ومنظمة الصحة العالمية على إدارة مرافق الرعاية الصحية، وأن تتولى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ملف اللاجئين الفلسطينيين لتعمل على دمجهم، فتقول عائشة البصري الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات إنه "ليس بإمكان الأمم المتحدة تحدي هذا القرار(الحظر الإسرائيلي) حتى ولو لم يكن تشريعا، لأن وجود الوكالة في إسرائيل والأراضي المحتلة يتوقف على موافقة إسرائيل باعتبارها "دولة مضيفة" تتمتع بالسيادة على أراضيها، وسلطة قائمة بإدارة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويجب التذكير أيضا أنه من ناحية الأمم المتحدة، تقترن نشأة الأونروا بالقرار 302 للجمعية العامة لعام 1949، وهو غير ملزم قانونيا كجل قرارات الجمعية العامة. من الناحية القانونية، ليس بوسع الأمم المتحدة ما تفعله لتجبر إسرائيل على التراجع عن قرارها، خاصة أن أميركا، الدولة الوحيدة التي بإمكانها التأثير على إسرائيل، تتبنى السردية الإسرائيلية.
وعن دلالات توقيت القرار الإسرائيلي تقول البصري "اليوم عقب انتخاب ترامب لرئاسة ثانية، إسرائيل تدرك أن لديها الضوء الأخضر للاستمرار في انتهاك جميع القوانين والأعراف الدولية وتخطي كل الخطوط الحمر دون خشية أي محاسبة دولية، في حين تقف الأمم المتحدة عاجزة أكثر من ذي قبل".