رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأفريقي السابق: التمويل الأجنبي أكبر معوق للاتحاد الأفريقي

خالد بودالي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافة للاتحاد الأفريقي
خالد بودالي: 60% من ميزانية الاتحاد الأفريقي عبارة عن مساعدات خارجية (الجزيرة)

أديس أبابا- يرى الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الأفريقي خالد بودالي أن إشكالية تمويل الاتحاد الأفريقي من أبرز المعضلات التي تؤثر سلبا على استقلالية قراره في ظل اعتماده الكبير على الجهات المانحة الدولية، كما أن الخطوات التي أقدم عليها الاتحاد للتغلب على هذه المعضلة لم تؤتِ لحد الساعة أكلها بسبب عدم انخراط الدول الأعضاء في تطبيقها.

ويتحدث بودالي بالكثير من التفصيل عن المستويات الثلاثة لتحقيق الشعار الذي رفعته القمة، وهو العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي من خلال التعويضات، وهي الاعتراف القانوني بالجرائم الاستعمارية والتعويض المالي، واستعادة الإرث الثقافي الأفريقي المنهوب وفقا للمعايير القانونية الدولية، والمحاسبة الدولية كآلية للعدالة الجنائية والتاريخية، وأخيرا الأبعاد التشريعية لإدماج العدالة التاريخية في الأطر القانونية الأفريقية.

وشغل خالد بودالي منصب الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الأفريقي منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، قبل أن يسلم المنصب رسميا إلى خلفه لويس شيخ سيسوكو خلال القمة الأفريقية التي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 15 و16 فبراير/شباط الماضي.

الرئيسان السابق (الثالث يسار) والحالي (الثالث يمين) للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الأفريقي (الاتحاد الأفريقي)

وقد تأسس المجلس في يوليو/تموز 2004 بصفته هيئة استشارية تتألف من مجموعات اجتماعية ومهنية مختلفة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، وتتمثل مهمته في منح منظمات المجتمع المدني الأفريقية الفرصة للقيام بدور نشط في تطوير وتنفيذ مبادئ وسياسات وبرامج الاتحاد.

وخلال القمة الأفريقية الأخيرة كان للجزيرة نت حوار مع خالد بودالي قبل أن يسلم المنصب إلى خلفه سيسوكو، وتطرق معه إلى عدد من الملفات الاقتصادية المطروحة على الاتحاد، ومنها اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، وسعي الاتحاد الأفريقي لإنشاء وكالة تصنيف ائتماني أفريقية في ظل هيمنة وكالة التصنيف الغربية.

  • حذر عدد من المسؤولين في الاتحاد الأفريقي من أن الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية في تمويل الاتحاد يقوّض استقلالية قراره، فما الوضع المالي الحالي للاتحاد؟ وكيف يسعى إلى تقليص الاعتماد على الخارج؟

إعلان

لطالما شكلت إشكالية التمويل إحدى أهم المعضلات التي تعيق فعالية الاتحاد الأفريقي، إذ يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية التي تمثل نحو 60% من ميزانيته السنوية.

وقد حذر رئيس المفوضية الأفريقية المنتهية ولايته موسى فكي من أن هذا النمط من التمويل يحد من استقلالية القرار الأفريقي، مما يعزز التبعية للممولين الدوليين.

يعمل الاتحاد على تكثيف جهوده لتنويع مصادر التمويل من خلال تعزيز التعاون مع البنوك الأفريقية، وإنشاء صناديق استثمارية لدعم المشاريع التنموية

وفي هذا السياق، أطلق الاتحاد الأفريقي مبادرات عدة لتعزيز التمويل الذاتي، من أبرزها قرار فرض رسوم بنسبة 0.2% على الواردات القادمة من خارج القارة، وهو القرار الذي تم تبنيه عام 2016 في قمة كيغالي، لكنه لم ينفذ سوى من قبل عدد محدود من الدول.

ويعمل الاتحاد على تكثيف جهوده لتنويع مصادر التمويل من خلال تعزيز التعاون مع البنوك الأفريقية، وإنشاء صناديق استثمارية لدعم المشاريع التنموية.

كما يسعى إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء عبر تشجيع الاستثمارات الأفريقية البينية التي لا تزال ضعيفة مقارنة بالتدفقات الاستثمارية القادمة من الخارج.

ومع تزايد التحديات الاقتصادية العالمية يصبح تحقيق التمويل الذاتي ضرورة إستراتيجية لضمان قدرة الاتحاد على تنفيذ برامجه بعيدا عن الضغوط الخارجية التي قد تؤثر على توجهاته السياسية والاقتصادية.

  • قلت إن عددا محدودا من الدول الأفريقية فقط هي من التزمت بتنفيذ قرار فرض رسوم على الواردات إلى أفريقيا، كم عدد هذه الدول؟ وما هي؟

المعلومات بهذا الشأن متوفرة، ولكن لا يسمح لنا بالإفصاح عنها حرصا على خصوصية الدول الأعضاء.

  • كان شعار الدورة الأخيرة لقمة الاتحاد الأفريقي في فبراير/شباط الماضي هو "العدالة للأفارقة وللمنحدرين من أفريقيا عبر التعويضات"، كيف سيمضي الاتحاد الأفريقي عمليا في تحويل هذا الشعار إلى برامج عمل وإجراءات عملية؟

يؤسس الاتحاد الأفريقي مقاربته لتحقيق العدالة التاريخية للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي على مرتكزات قانونية راسخة تستند إلى المبادئ العامة للقانون الدولي، ولا سيما تلك المتعلقة بالمسؤولية الدولية للدول عن الأفعال غير المشروعة.

إعلان

وفي هذا السياق، يستند الاتحاد إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل القرار 60/147 الصادر عام 2005، والذي يؤكد الحق في الإنصاف والجبر للضحايا الذين عانوا من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

كما يعزز مطالبه استنادا إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، والتي تؤكد مسؤولية الدول في معالجة آثار العبودية والاستعمار.

ملف تحقيق العدالة للأفارقة من الجرائم الاستعمارية وغيرها كان شعار القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي (الجزيرة)

وبناء عليه، يضطلع الاتحاد بتنفيذ إجراءات دبلوماسية وقانونية متعددة الأبعاد، والتي تشمل تقديم طلبات رسمية إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية للنظر في مسؤولية الدول الاستعمارية السابقة، وتعويض القارة عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تكبدتها شعوبها.

ويجري التنسيق بين الأجهزة القانونية للاتحاد الأفريقي -بما في ذلك المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب- من أجل وضع آليات إلزامية لضمان استيفاء هذه المطالب من خلال مفاوضات ثنائية ومتعددة الأطراف، مع تفعيل آليات الضغط السياسي والاقتصادي لإجبار الدول المعنية على الامتثال لمبادئ العدالة التاريخية.

وبشأن استعادة الإرث الثقافي المنهوب، يعتمد الاتحاد على المرجعيات القانونية الدولية، وعلى رأسها اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، والتي تلزم الدول بإعادة الممتلكات الثقافية إلى مالكيها الأصليين، إضافة إلى اتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) لعام 1970 بشأن التدابير الواجب اتخاذها لمنع استيراد وتصدير الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة.

وفي ضوء ذلك، يجري الاتحاد مشاورات مكثفة مع المنظمات الدولية والإقليمية، كما يعتمد على تقارير لجان الخبراء، لتوثيق وحصر الممتلكات الثقافية الأفريقية المهربة والموجودة في المتاحف والمؤسسات الغربية.

إعلان

وقد أسفرت الجهود الدبلوماسية والقانونية الأفريقية بالفعل عن إعادة العديد من القطع الأثرية إلى دولها الأصلية، مثل التماثيل البرونزية لدولة بنين التي أعيدت من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.

لكن التحدي الرئيسي يكمن في إلزام الدول المستعمرة السابقة بإعادة هذه الممتلكات وفقا لإطار زمني محدد بدلا من الوعود غير الملزمة التي تعتمدها بعض الدول للحفاظ على نفوذها الثقافي على القارة.

ومن ناحية أخرى، يعد تفعيل المساءلة الدولية أداة حيوية لضمان تحقيق العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي، ويعمل الاتحاد على إعداد ملفات قانونية متكاملة بالتعاون مع خبراء في القانون الدولي والمحامين الدوليين، لملاحقة الجهات المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحقبة الاستعمارية.

التحدي الرئيسي يكمن في إلزام الدول المستعمرة السابقة بإعادة هذه الممتلكات وفقا لإطار زمني محدد بدلا من الوعود غير الملزمة التي تعتمدها بعض الدول للحفاظ على نفوذها الثقافي على القارة

ويتطلع الاتحاد إلى رفع دعاوى قانونية أمام المحاكم الوطنية للدول الاستعمارية السابقة مستندا إلى السوابق القضائية، مثل قضية كينيا ضد المملكة المتحدة، إذ قضت المحكمة العليا البريطانية في عام 2013 بتعويض ضحايا التعذيب خلال فترة الاستعمار البريطاني.

وعلى المستوى المؤسساتي، يعمل الاتحاد الأفريقي على تعزيز اختصاصات المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بحيث يتم توسيع نطاق صلاحياتها للنظر في الانتهاكات التاريخية، فضلا عن مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقات في الجرائم الاستعمارية، وذلك على غرار الإجراءات التي اتخذت سابقا ضد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

كما يحرص الاتحاد على تطوير منظومة قانونية داخلية تكرس مفهوم العدالة التاريخية ضمن التشريعات الوطنية والإقليمية.

وفي هذا السياق، تعمل المفوضية القانونية للاتحاد الأفريقي على إعداد مسودة الميثاق الأفريقي للعدالة التاريخية الذي من شأنه إلزام الدول الأعضاء بتبني سياسات تعويضية للمتضررين من جرائم الاستعمار والعبودية، مع إدراج مواد دستورية وقانونية تعترف بهذه الجرائم وتعزز حق الضحايا في استرجاع حقوقهم.

إعلان

وعلاوة على ذلك، يتجه الاتحاد إلى إنشاء صندوق العدالة التاريخية والتنمية المستدامة الذي سيمول جزئيا من التعويضات التي يتم تحصيلها من الدول الاستعمارية السابقة، على أن تخصص موارده لدعم مشاريع تنموية في المجتمعات الأكثر تضررا من الممارسات الاستعمارية.

تعمل المفوضية القانونية للاتحاد الأفريقي على إعداد مسودة الميثاق الأفريقي للعدالة التاريخية الذي من شأنه إلزام الدول الأعضاء بتبني سياسات تعويضية للمتضررين من جرائم الاستعمار والعبودية

كما يجري التنسيق مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية لإنشاء آلية اقتصادية تعويضية تتمثل في إعفاء بعض الدول الأفريقية من الديون التي تعود جذورها إلى سياسات الاستعمار الاقتصادي، وذلك باعتبار هذه الديون غير مشروعة وفقا لمبدأ "الديون الكريهة" المعتمد في الفقه القانوني الدولي.

  • أين وصل تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية؟ وما دور الاتحاد في تطبيقها، خاصة أن عددا قليلا من الدول الأفريقية هي التي صدّقت على الاتفاقية حتى تبدأ تطبيقها؟

تمثل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (إيه إف سي إف تي إيه) نقطة تحول تاريخية في مسار التكامل الاقتصادي الأفريقي، إذ تعد أكبر منطقة تجارة حرة في العالم من حيث عدد الدول الموقعة، والذي يبلغ 54 دولة.

وتهدف هذه الاتفاقية إلى إيجاد سوق موحدة تضم أكثر من 1.3 مليار نسمة، بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 3.4 تريليونات دولار.

ورغم دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2021 فإن تنفيذها الفعلي لا يزال يواجه تحديات هيكلية وإجرائية، إذ لم تصدّق إلا 47 دولة على الاتفاقية، في حين لا يزال عدد من الدول يواجه صعوبات في تكييف أطره التشريعية والجمركية مع متطلباتها.

ويقوم الاتحاد الأفريقي بدور محوري في تسريع تنفيذ هذه الاتفاقية عبر توفير الإطار القانوني والتنظيمي اللازم، إلى جانب تنسيق جهود الدول الأعضاء لحل النزاعات التجارية التي قد تنشأ.

كما أطلقت المفوضية الأفريقية بالتعاون مع البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير (أفركسم بنك) ونظام الدفع والتسوية الأفريقي (بي إيه بي إس إس)، لتسهيل المعاملات المالية عبر الحدود وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.

إعلان

ومع ذلك، فإن التنفيذ الكامل يظل مرهونا بإرادة سياسية قوية، وتحسين البنية التحتية اللوجستية، وتطوير شبكات النقل والمواصلات التي تمثل عائقا رئيسيا أمام تدفق السلع والخدمات عبر القارة.

  • هناك نقاش داخل الاتحاد الأفريقي من أجل إطلاق وكالة أفريقية للتصنيف الائتماني عوض الاعتماد على وكالات التصنيف الائتماني، فلماذا التفكير في مثل هذه الوكالة؟ وكيف ستفيد البيئة الاستثمارية للدول الأفريقية؟

في خطوة تعكس إدراك القارة الأفريقية حتمية امتلاك أدواتها المالية المستقلة يجري النقاش داخل أروقة الاتحاد بشأن إنشاء وكالة أفريقية للتصنيف الائتماني تهدف إلى توفير تقييم أكثر عدالة وموضوعية للملاءة المالية للدول الأفريقية.

ويأتي هذا التحرك بعد تصاعد الانتقادات الموجهة إلى وكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل "موديز" و"ستاندرد آند بورز" و"فيتش"، والتي غالبا ما تمنح الدول الأفريقية تصنيفات منخفضة، مما يزيد تكلفة الاقتراض ويحد من فرص الاستثمار.

جانب من الاجتماع الوزاري الذي سبق قمة الزعماء الأفارقة في أديس أبابا منتصف الشهر الماضي (الاتحاد الأفريقي)

إن إنشاء وكالة أفريقية للتصنيف الائتماني سيساهم في تحسين صورة الاقتصادات الأفريقية في الأسواق المالية الدولية، وسيمنح المستثمرين تقييمات أكثر دقة بشأن المخاطر والفرص الاستثمارية داخل القارة.

كما سيعزز ثقة المؤسسات المالية الأفريقية -مثل البنك الأفريقي للتنمية- في تمويل المشاريع الكبرى دون الحاجة للاعتماد على التصنيفات الخارجية التي لا تعكس بالضرورة الواقع الاقتصادي الأفريقي.

لكن نجاح هذه الوكالة يتطلب توافقا سياسيا بين الدول الأعضاء في الاتحاد وإطارا تنظيميا صارما يضمن نزاهتها واستقلاليتها.

  • جرى إطلاق المنصة الرقمية الأفريقية للاستثمار خلال القمة الأفريقية الأخيرة، فما هي هذه المنصة؟ وما المرجو منها؟

إعلان

تهدف المنصة الرقمية الأفريقية للاستثمار إلى ربط المستثمرين المحليين والدوليين بالفرص الاستثمارية داخل القارة.

وتمثل هذه المنصة خطوة إستراتيجية لزيادة تدفقات رأس المال إلى أفريقيا، إذ ستوفر معلومات محدثة بشأن المشاريع القابلة للاستثمار واللوائح القانونية والحوافز الضريبية والبنية التحتية المتاحة.

وتعاني أفريقيا من فجوة تمويلية تتجاوز 200 مليار دولار سنويا لتمويل مشاريع البنية التحتية وحدها، وهو ما يجعل هذه المنصة أداة ضرورية لتعزيز الشفافية وتحفيز الاستثمارات في القطاعات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة والزراعة والتكنولوجيا المالية.

كما ستساهم المنصة في تسريع تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية من خلال توفير بيانات دقيقة عن الأسواق والفرص التجارية، مما يسهل على الشركات الصغيرة والمتوسطة التوسع خارج حدودها الوطنية.

المصدر : الجزيرة

إعلان