هل تؤثر أزمة مالي على تحالف دول الساحل؟

A satellite image shows cars queuing on the roadside, amid ongoing fuel shortages caused by a blockade imposed by al Qaeda-linked insurgents in early September, in Bamako, Mali October 28, 2025. Satellite image ©2025 Vantor/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. NO RESALES. NO ARCHIVES. MANDATORY CREDIT DO NOT OBSCURE LOGO
صورة أقمار صناعية تظهر صفوف سيارات تنتظر الوقود في ظل أزمة فرضها مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة منذ أوائل سبتمبر/أيلول الماضي (رويترز)

تشهد مالي منذ مطلع 2025 تصعيدا داخليا متسارعا، يتمثل في تمديد المرحلة الانتقالية، وتزايد التوترات الأمنية في الشمال، وتراجع الحريات السياسية، مما دفع نحو موجة انتقادات دولية وإقليمية.

واليوم تعيش البلاد أزمة اقتصادية وأمنية متفاقمة بسبب نقص الوقود وتصاعد الضغوط العسكرية، لكن هذه الأزمة -بدلا من أن تُضعف تحالف الساحل الذي يضم النيجر وبوركينا فاسو ومالي- باتت تُشكل رافعة إستراتيجية لتماسكه، وتُسرّع خطواته نحو الانفصال عن المنظومات التقليدية، حسب ما يقوله محللون.

 من العزلة إلى هندسة التكتل

تُعد مالي اليوم المحرك الأساسي لتحالف الساحل، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي، بل لأنها الأكثر تقدما في مسار الانفصال عن المنظومة الغربية.

A man driving a motorcycle trailer transports wood on a road in Bamako, Mali, November 1, 2025, amid ongoing fuel shortages caused by a blockade imposed by al Qaeda-linked insurgents in early September. REUTERS/Stringer
الحطب أصبح بديلا في ظل نقص الوقود في عاصمة مالي (رويترز)

فبعد طرد القوات الفرنسية، وتعزيز التعاون مع روسيا، دخلت مالي مرحلة إعادة تعريف علاقاتها الإقليمية، ووجدت في النيجر وبوركينا فاسو شركاء يتشاركون معها في الرؤية والمصير.

وتعتبر السلطات المالية أن المؤسسات الإقليمية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لم تعد تمثل مصالح شعوب الساحل، بل تخضع لنفوذ خارجي يسعى لإعادة فرض الوصاية السياسية والاقتصادية.

ومن هنا، جاءت فكرة تأسيس "تحالف الساحل" ليكون إطارا بديلا يُعبّر عن السيادة الوطنية، ويُعيد رسم خريطة العلاقات الإقليمية.

وبدأ تحالف دول الساحل في صورة اتفاق دفاعي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو عام 2023، وتطوّر إلى كونفدرالية إقليمية عام 2024 تسعى إلى الاستقلال السياسي والأمني والاقتصادي عن المنظومات التقليدية مثل إيكواس.

A woman stands behind baskets of fresh produce in Bamako, Mali, November 2, 2025, amid ongoing fuel shortages caused by a blockade imposed by al Qaeda-linked insurgents in early September. REUTERS/Stringer
سلال من الفواكه الطازجة في باماكو، بمالي، حيث تحاول الدولة الاعتماد على المنتجات المحلية (رويترز)

ففي 16 سبتمبر/أيلول 2023، وقعت الدول الثلاث اتفاقا للدفاع المشترك حيث نص الميثاق على مساعدة أي واحدة منها تتعرض لتمرد داخلي أو عدوان خارجي، وتأسيس إطار للدفاع الجماعي والدعم المتبادل.

إعلان

جاء الاتفاق في أعقاب سلسلة انقلابات عسكرية شهدتها الدول الثلاث، وتوترات متصاعدة مع فرنسا وإيكواس.

بناء نظام قضائي موحد

في خطوة تعكس تصاعد التنسيق بين دول الساحل، أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو عن مشروع لتأسيس نظام قضائي موحد يشمل محكمة إقليمية لحقوق الإنسان وتشريعات جنائية منسقة.

ويهدف هذا التوجه إلى تعزيز السيادة القانونية، وتوفير بديل للمؤسسات القضائية الدولية التي تعتبرها الدول الثلاث منحازة وغير ملائمة لخصوصياتها.

Interim President of the Republic of Mali, Assimi Goita, arrives at Beijing Capital International Airport ahead of the 2024 Summit of the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing, China, Sep. 1, 2024. Ken Ishii/Pool via REUTERS
رئيس مالي آسيمي غويتا (رويترز)

ويأتي المشروع في سياق الانفصال المتدرج عن المنظومات الإقليمية التقليدية، بعد الانسحاب من إيكواس، وتأسيس كونفدرالية الساحل.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل محاولة لبناء منظومة عدالة مستقلة، تُكرّس التعاون القانوني وتُحصّن التحالف من الضغوط الخارجية.

التعاون العسكري: من الدفاع إلى الردع

بدأ تحالف الساحل كتكتل أمني يهدف إلى مواجهة الجماعات المسلحة التي تنشط في مناطق التماس بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لكنه سرعان ما تطور إلى مشروع دفاعي متكامل مع تصاعد التهديدات الأمنية، خاصة في المناطق الحدودية المشتركة.

A woman walks past a restaurant in Bamako, Mali, October 31, 2025, amid ongoing fuel shortages caused by a blockade imposed by al Qaeda-linked insurgents in early September. REUTERS/Stringer
نقص الوقود يكاد يشل الحياة، خاصة في العاصمة المالية (رويترز)

وقد عززت الدول الثلاث من تعاونها العسكري عبر تنظيم تدريبات مشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتأسيس وحدات تدخل سريع، في محاولة لبناء قدرة دفاعية ذاتية بعيدا عن الاعتماد على الدعم الغربي.

ويُعد هذا التعاون من أكثر جوانب التحالف تماسكا، ويُوظف أيضا كأداة لتعزيز الشرعية الداخلية، خصوصا في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية التقليدية.

فمالي تواجه تحديات أمنية متفاقمة على حدودها الممتدة مع 7 دول: الجزائر شمالا، والنيجر شرقا، وبوركينا فاسو جنوبا، وكوت ديفوار وغينيا والسنغال جنوبا غربيا، وموريتانيا غربا.

وتُعد الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو من أكثر المناطق هشاشة، حيث تنشط جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، مستغلة التضاريس الصحراوية وضعف التنسيق الأمني السابق.

آثار الهجوم الذي تعرض له الجيش المالي وسط البلاد (مواقع التواصل)

وتنفذ هذه الجماعات هجمات وكمائن ضد الجيش والمدنيين، مما أدى إلى موجات نزوح واسعة، وتسبب في فراغات أمنية في مناطق شاسعة من الشمال والوسط.

كما تشهد هذه الحدود تسللات متكررة لعناصر مسلحة، وعمليات تهريب للأسلحة والمخدرات، وهو ما دفع السلطات المالية إلى تكثيف الانتشار العسكري في المناطق الحدودية الحساسة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي ضمن تحالف الساحل.

وفي تطور خطير، فرض المسلحون حصارا على طرق الإمداد الحيوية، مما تسبب في أزمة وقود خانقة أثرت على الحياة اليومية في العاصمة باماكو والمدن الكبرى.

وتُعد الهجمات -التي شملت العاصمة نفسها- مؤشرا على قدرة الجماعات المسلحة على اختراق المناطق الحضرية، مما يهدد الاستقرار الوطني ويُعقّد جهود الحكومة في استعادة السيطرة الأمنية.

ويُعبّر هذا التعاون الدفاعي المتنامي بين دول الساحل عن رغبة واضحة في بناء منظومة أمنية مستقلة، قادرة على مواجهة التحديات المتصاعدة من دون الاعتماد على القوى الغربية، في ظل تحولات جيوسياسية تعيد رسم ملامح النفوذ في غرب أفريقيا.

البدائل لمواجهة التحديات الاقتصادية

رغم التماسك السياسي والعسكري، فإن تحالف الساحل يواجه تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها العزلة عن الأسواق الإقليمية، وصعوبة الوصول إلى التمويل الدولي، وتراجع الاستثمارات الأجنبية.

إعلان

كما أن انسحاب الدول الثلاث من إيكواس يُضعف من قدرتها على الاستفادة من التسهيلات التجارية والمالية التي توفرها المنظمة.

Malian soldiers stand watch alongside the Niger river, in Segou, central Mali, Tuesday, Jan. 15, 2013. After a punishing bombing campaign failed to stop the southward advance of al-Qaida-linked fighters, France announced Tuesday that it is tripling the number of troops deployed to Mali, strongly suggesting that French forces are preparing for a land assault to dislodge the extremists. Over the weekend, the rebels made their way to the rice-growing region just north of the main city in central Mali, Segou. The rebels cut across in a knifing movement, first cutting in through the road connecting Diabaly, home to an important military camp and a population of 35,000, and Niono, the last town before Segou.(AP Photo/Harouna Traore)
جنود ماليون يقفون للحراسة على ضفاف نهر النيجر في مدينة سيغو، وسط مالي (أسوشيتد برس)

لكن في المقابل، تسعى هذه الدول إلى بناء بدائل، من خلال التعاون مع روسيا والصين، وتأسيس آليات تمويل داخلية، وتطوير التجارة البينية.

كما أن هناك توجها نحو تأسيس بنك إقليمي لدول الساحل، يُموّل المشاريع المشتركة ويُقلّص الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية.

ما المتوقع؟

ووفق عديد من التحليلات، لا تعد هذه الأزمة الحالية في مالي عامل ضعف لتحالف الساحل في الوقت الراهن، ربما تكون محفّزا لتسريع خطوات الانفصال عن المنظومات الإقليمية والدولية، وبناء تكتل مستقل سياسيا وقانونيا وأمنيا.

خريطة مالي
خريطة مالي (الجزيرة)

فلم يعد هذا التحالف مجرد رد فعل على الانقلابات، بل أصبح مشروعا سياسيا متكاملا يسعى إلى إعادة تعريف العلاقات الإقليمية من منظور السيادة والمصالح المشتركة.

ومع استمرار الأزمة في مالي، يبدو أن تحالف الساحل يتجه نحو مزيد من التماسك، ويُراكم أدواته المؤسسية، في مسعى لتأسيس نموذج إقليمي جديد، قد يُعيد رسم خريطة غرب أفريقيا لعقود قادمة.

المصدر: الجزيرة + وكالات

إعلان