لماذا طلب السودان استبدال المبعوث الأممي؟ هذه سيرته وتجربته في المنطقة وما كتب البرهان عنه
الخرطوم- من جديد، يظهر قادة الجيش السوداني رفضهم المباشر لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة دعم الانتقال الديمقراطي فولكر بيرتس، وذلك بعد مجاهرتهم في أكثر من وقت مضى بعدم الرضا عن تحركاته واتهامه بالانحياز وتجاهل تنفيذ التفويض الممنوح للبعثة وانصرافها للتركيز على القضايا السياسية وإهمال المسائل ذات الصلة بدعم السلام والمساعدة في الانتقال والتحضير للانتخابات.
وقد اعتمد مجلس الأمن الدولي في يونيو/حزيران 2020 قراره رقم 2524 بتشكيل بعثة أممية لدعم الانتقال في السودان تحت البند السادس، وحدد مجلس الأمن مهام بعثة "يونيتامس" بالمساعدة على انتقال السودان إلى الحكم الديمقراطي، ودعم حماية وتعزيز حقوق الإنسان والسلام المستدام.
كما تشمل المهمة دعم عمليات السلام وتنفيذ اتفاقياته، والمساعدة على بناء الحماية المدنية وسيادة القانون في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن دعم تعبئة المساعدات الاقتصادية والإنمائية، وتنسيق عمليات المساعدة الإنسانية المقدمة للسودان.
واستباقا لموعد التجديد السنوي لتفويض بعثة الأمم المتحدة في السودان الذي ينبغي أن يتم قبل الثاني من يونيو/حزيران المقبل، بعث قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قبل أيام خطابا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش يحثه فيه على استبدال فولكر بمبعوث آخر.
وقال البرهان في رسالته إن المبعوث الأممي قدم انطباعا بعدم حيادية الأمم المتحدة واحترامها لسيادة الدول، وكان سلوكه يتسم بنسج التعقيدات وإثارة الخلافات بين القوى السياسية مما أدى إلى أزمة منتصف أبريل/نيسان الماضي، في إشارة إلى موعد نشوب الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
تشجيع التمرد
وذهب البرهان إلى التلميح بأن فولكر كان وراء استقواء غريمه حميدتي، وأن الأخير ما كان ليتمرد ما لم يجد إشارات ضمان وتشجيع من عدة أطراف بينها المبعوث الأممي.
ولأكثر من 40 يوما يخوض الجيش السوداني حربا ضارية ضد قوات الدعم السريع خلفت واقعا إنسانيا بالغ السوء، كما دمرت البنى التحتية والمؤسسات العسكرية والمستشفيات وعددا من المرافق الحيوية، وأجبر القتال قرابة 1,3 مليون من سكان الخرطوم على الفرار من منازلهم وفقا لإحصاءات منظمة الهجرة الدولية.
وقال مصدر مطلع في بعثة الأمم المتحدة للجزيرة نت إن الأمين العام جدد تفويض فولكر بيرتس لمدة تنتهي في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وبعد خطاب البرهان المطالب بعزله جدد ثقته فيه، ومع ذلك توقع المصدر بقاء فولكر خارج السودان لبعض الوقت على أن تباشر نائبته كلمنتابن مهامه في السودان.
تهديد بالقتل
في مارس/آذار الماضي كشف فولكر عن تلقيه تهديدات بالتصفية ممن قال إنهم متطرفون ساخطون على أداء البعثة، لكنه أظهر لا مبالاة حيالها وقال إنها تصرفات لا تعبر عن ثقافة الشعب السوداني ولا الدين الإسلامي، كما تحدث وقتها عن شعوره بالارتياح في السودان.
وعيّن فولكر -ألماني الجنسية- ممثلاً خاصاً للسودان ورئيساً للبعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان في السابع من يناير/كانون الثاني 2021، وتقول سيرته الذاتية إن لديه أكثر من 25 عاماً من الخبرة في الأوساط الأكاديمية والبحثية والعلاقات الدولية والدبلوماسية، وشغل منصب الأمين العام المساعد بين 2015 و2018، ثم المستشار الأول للمبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا، وكذلك منصب رئيس فرقة العمل المعنية بوقف إطلاق النار التابعة لمجموعة دعم سوريا الدولية نيابة عن الأمم المتحدة.
ويرى المناهضون لفولكر في السودان أن تجربته في سوريا والعراق وما لازمها من إخفاق كفيل بمنع استمراره في السودان.
وواجه الرجل خلال الأعوام الثلاثة سيلا من النقد والرفض وصل حد تنظيم واجهات محسوبة على التيار الإسلامي احتجاجات ضخمة قرب مقر البعثة للمطالبة برحيله، تحت ذريعة تدخله في السيادة الوطنية.
ولم تكن شكوى البرهان لغوتيريش من عدم حياد بيرتس هي الأولى، حيث سبق لقائد الجيش السوداني أن ألمح إلى إمكانية طرد المبعوث لتماديه في تجاوز تفويض البعثة والتدخل في الشأن السوداني، كما لاحقت فولكر اتهامات العسكر بالانحياز لائتلاف الحرية والتغيير الذي كان على سدة الحكم قبل أن يطاح به فيما عرف بإجراءات 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
بعدها سعى المبعوث لاستعادة المسار الديمقراطي والعمل من خلال الآلية الثلاثية لمساعدة السودانيين في الوصول لتفاهمات تنهي التوتر، لكن المكون العسكري كان يحاصر خطوات فولكر بالتشكيك والدمغ بمحاباة الحرية والتغيير.
فولكر يدافع
وفي مقال مطول كتبه مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2022، رفض فولكر بيرتس اتهامه بالانحياز لقوى سياسية بعينها. وقال" سنستمر في البقاء غير منحازين لأي طرف، إلا أننا لن نكون أبدًا محايدين فيما يتعلق بقيمنا الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي وهي من واجبات التفويض الممنوح لي من مجلس الأمن وهو مساعدة السودان في انتقال بقيادة مدنية نحو الديمقراطية والسلام".
وشدد على أنه لا ينبغي أن يكون هناك مكان لانقلابات عسكرية مستقبلية في السودان لكون الديمقراطية والمشاركة هما السبيلان لتحقيق الاستقرار والسلام الدائمين.
وكان رئيس تحرير صحيفة "القوات المسلحة" إبراهيم الحوري، اتهم في مقال كتبه في 22 أبريل/نيسان 2022 الدول الغربية باستهداف القوات المسلحة، وقال إن رئيس بعثة الأمم المتحدة السياسية "يعمل على نشر الإرهاب في السودان".
وتحدث الحوري عن أن "فولكر يسعى لاستنساخ تجربة الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر ومجازر بانغي في أفريقيا الوسطى، إضافة إلى نماذج ليبيا ورواندا والكونغو".
وجاء هجوم صحيفة الجيش على فولكر بعد تقديمه تقريرا لمجلس الأمن أثار غضب الحكومة، واتهمه بعدها البرهان صراحة بتجاوز التفويض والتركيز على القضايا السياسية ملوحا بتصنيفه شخصا غير مرغوب فيه وطرده من البلاد.
وفي 29 يونيو/حزيران 2022 استدعت وزارة الخارجية فولكر بيرتس وأبلغته احتجاج الحكومة على تصريحاته التي حذر فيها من قمع المتظاهرين في مليونية 30 يونيو/حزيران، قائلا إن استخدام العنف ضد المتظاهرين في هذا اليوم لن يتم التسامح معه.
لكن الخارجية اعتبرت في بيان ما أدلى به المسؤول الأممي بني على أحكام وافتراضات مسبقة بإدانة أجهزة إنفاذ القانون في البلاد، وأن ذلك يتنافى مع دوره كمسهل يتوقع منه تقريب الشقة والعمل على تحقيق الوفاق، واعتبرت أن مثل هذه التصريحات غير مقبولة لما فيها من وصاية ومساس بالسيادة الوطنية.
غير مرغوب فيه
وللحكومة السودانية حق مطالبة الجهة المرسلة باستبدال المبعوث أو أي دبلوماسي آخر ترى قيامه بمهام تنافي ولايته.
وحال عدم استجابة الأمين العام لطلب استبدال فولكر يكفل العرف الدبلوماسي إعلانه شخصا غير مرغوب فيه دون توضيح أسباب طرده، وهو ما يؤكده السفير الصادق المقلي قائلا إن الخرطوم بررت طلبها بعدم حياد فولكر.
ويعتقد السفير في حديثه للجزيرة نت أن طلب البرهان في هذا التوقيت ربما يأتي استباقا لقرار مجلس الأمن بتمديد ولاية البعثة التي تنتهي في الثالث من يونيو/حزيران المقبل، كما يرى أن الحكومة السودانية لا تمانع في تمديد ولاية البعثة الأممية شريطة استبدال فولكر.
وشدد المقلي على أنه من السابق لأوانه التكهن بتداعيات المطالبة باستبدال المبعوث على جهود الأمم المتحدة في السودان، خاصة أن الحكومة لم ترد على تجديد الأمين العام للأمم المتحدة ثقته في مبعوثه الخاص رغم خطاب البرهان.
وتابع "فولكر في وضع لا يحسد عليه لأن الحكومة لن تتعاون معه". وتحدث الدبلوماسي عن احتمالات رفض الحكومة منح المبعوث تأشيرة دخول وأن يواصل نشاطه من نيروبي.
يشار إلى أن اثنتين من دول الترويكا هما الولايات المتحدة والنرويج أظهرتا مساندة لفولكر ودعمتا رسميا استمراره في مهمته مبعوثا دوليا للسودان لإنجاز مهام الانتقال الديمقراطي.