لوموند: في إثيوبيا.. جروح الحرب في تيغراي لا تزال مفتوحة
بعد 4 أشهر من اتفاق السلام الموقع بين إديس أبابا وإقليم تيغراي، بدأت الوديان الصخرية القاحلة شمال إثيوبيا تكشف ببطء عن الوجوه العديدة الخفية للحرب التي دارت بين الطرفين، فجثث المركبات المدرعة والمقابر التي لا تحصى شواهد عيان على قصص لم تُرو بعد من هذه المنطقة التي تعرضت لوحشية كبيرة، وعاد اليوم أهلها ليرووا للعالم ما شاهدوه من عنف على يد القوات الإثيوبية والإريترية والأمهرية.
هكذا عبر نوي هوشي بودين مراسل صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية في نيروبي، وهو يحاور بعض السكان الذين عادوا إلى مناطقهم في إقليم تيغراي بعد أن عاشوا التشرد وطردوا من قراهم.
يتذكر المزارع تيكلاي تيكو (71 سنة) يوم رأى ابنه روسوم (25 عاما) للمرة الأخيرة، مدركا أنه لن يراه بعدها، عندما اعتقله جنود إريتريون أمام مزرعتهم، وأجبروه على ركوب شاحنة مليئة بشباب التيغراي من نفس عمره، خطفوهم إلى إريتريا، ولم تسمع عائلاتهم شيئا عنهم بعد ذلك، كما يقول المراسل.
سلبت الحرب هذا المزارع كل ما كان عزيزا عليه، سلبته ابنه وممتلكاته وأخيرا مُثُله وقيمه، وهو اليوم -كما يقول المراسل- يجلس على باب مزرعته التي دمرتها الدبابات الإريترية، مشيرا إلى ملصق تالف كتب عليه "أخيرا في سلام" مزين بألوان العلمين الإريتري والإثيوبي، علق هناك عام 2018، تعبيرا عن التقارب بين البلدين وبشارة بنهاية نزاع حدودي عمره 20 عاما.
حرب وحشية
يقوم تيكلاي تيكو -الذي عاد منتصف فبراير/شباط، حاملا هَمّ ابنه المفقود- بإحصاء القتلى، يقول "لقد وجدنا 3 جثث في الأعلى، كانوا 3 شيوخ من القرية لم يتمكنوا من الفرار"، وقد أعدم جاره وصديقه برهان ملس بدم بارد في حظيرته على يد جنود إريتريين جاؤوا للنهب مرارا وتكرارا خلال عامين من الاحتلال.
وعلق المراسل بأن حرب تيغراي من أكثر النزاعات دموية في العقد الماضي، سواء من حيث عنف المعارك أو مناخ الكراهية العرقية الذي ولّدته في إثيوبيا، وقد بلغ عدد ضحاياها إجمالا نحو 600 ألف قتيل، وفق المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي، أولوسيغون أوباسانجو.
في هذه الحرب -كما يقول المراسل- قطعت حكومة آبي أحمد الاتصال والإمداد عن إقليم تيغراي، ليواجه مصيره بعيدا عن أنظار العالم، فعملت على إبعاد الصحفيين والمحققين المكلفين بإلقاء الضوء على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها جيشه وحلفاؤه والقوات النظامية الإريترية ومليشيات منطقة أمهرة المجاورة، ومنع عمال الإغاثة مرارا من العمل، بل وقتلت فريقا من منظمة أطباء بلا حدود في يونيو/حزيران 2021.
وحتى الآن لم تُرو قصص هذه المنطقة المنكوبة، بدءا من قصة مليوني نازح داخليا، ما زالوا يحملون ذكريات من أُعدم من أفراد أسرهم أو اختطف، ويتذكرون ما شاهدوه أو تعرضوا له من اغتصاب متكرر وما كابدوه جراء تحطم مستقبلهم، مما يرقى إلى مستوى عقاب جماعي لم يسلم منه إلا القليل من الملايين الستة الذين هم سكان الإقليم، وفق المراسل.
ويقول المراسل إن قوات دفاع تيغراي استسلمت بتوقيعها اتفاقيات السلام في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بعد أن أعجزها نفاد الذخيرة والتفوق العددي لقوات العدوان الثلاثي الذي شنه عليها كل من الجيش الإثيوبي والجارة الإريترية وعناصر المليشيات في منطقة أمهرة المجاورة، خاصة أن القوات الإثيوبية لا تزال تسيطر على ثلثي مساحة الإقليم، مما يعتبره السكان احتلالا.
وعلى عكس الرواية الرسمية، لم يوقف السلام الانتهاكات كما يقول المراسل، حيث استمرت المذابح بعد اتفاق بريتوريا، وقد أبلغت سلطات تيغراي في وثيقة نُشرت في ديسمبر/كانون الأول 2021، عن إعدام 3708 من مواطنيها على يد الأمهرة والقوات الإريترية بعد توقيع وقف إطلاق النار، وبالتالي لا تزال تيغراي بحاجة ماسة إلى العدالة.
تطهير عرقي
وفي سياق الحرب، لخص المراسل مسألة التطهير العرقي في مأساة سيلاماويت (اسم مستعار) التي لقيها في مستشفى آيدر في ماكالي، وهي ترضع مولودها الجديد الناتج عن إحدى عمليات الاغتصاب التي تعرضت لها على يد جنود إريتريين اعترضوا سبيلها برفقة 300 امرأة وهن هاربات في نزوح جماعي من منطقة ولكايت حيث نفذت مليشيات الأمهرة عمليات تطهير عرقي بداية الحرب.
تروي سيلاماويت كيف تناوب الجنود على اغتصابهن، وكيف ماتت 5 منهن بينهن بنت لم تتجاوز 8 سنوات، وتتذكر بألم أنها بقيت في الفراش 9 أيام وهي غير قادرة على الحركة، قبل أن يقتادها الجنود إلى معسكر على الحدود مع إريتريا، ويتخذونها مع 35 امرأة "خادمات جنس".