19 مليون شخص يفتقرون للرعاية الصحية باليمن.. وهذه الأسباب
يعجز اليمنيون عن الوصول إلى الخدمات الصحية والحصول عليها، بسبب انهيار الوضع الاقتصادي بفعل الحرب. وهذه التحديات لا يمكن الاستجابة لها والتعامل معها إلا في حال وصل البلد إلى استقرار حقيقي ووضع أمني مستقر
يكابد طاهر محمد دموعه وأحزانه حين يرى في صغيره أحمد زوجته الراحلة إيمان التي توفيت قبل عامين، حيث كانت واحدة من يمنيات كثر لقين حتفهن حين عجز أهاليهن عن الحصول على رعاية صحية بالوقت المناسب.
ووفق تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن أمًّا و6 مواليد يموتون كل ساعتين في اليمن بمضاعفات تحدث أثناء فترة الحمل وأسباب يمكن تجنبها في الظروف الطبيعية، أبرزها انعدام الخدمات الصحية أو ضعف الرعاية المقدمة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعنف التوليد بمشافي اليمن.. شغف الأمومة المحفوف بالمخاطر
في اليمن.. طفل يموت كل 10 دقائق لأسباب يمكن تفاديها
مطالب بحماية مستشفيات اليمن وبمعالجة الجرحى
وطبقا للجنة فإن الأرقام ستتزايد بسبب نقص التمويل لبرامج الأمم المتحدة في اليمن، مما انعكس في توقف المساعدات المتعلقة بالصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل.
وبحسب بيانات الجمعية اليمنية للصحة الإنجابية (حكومية) فإن 19 مليون شخص يفتقرون إلى الرعاية الصحية، 92% من النساء.
طرق مغلقة
ويروي طاهر الذي يعمل في مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، معاناة زوجته قبل أن تتوفى، إذ تعسرت ولادتها، بينما عرقلت الطرق المغلقة نقلها إلى المستشفى جنوب محافظة الحديدة (غرب) حيث تسكن أسرته.
ويقول للجزيرة نت "كنت أبعد عنها 100 كيلومتر، لكنني أحتاج إلى 12 ساعة على الأقل للوصول إليها بسبب الطرق المغلقة، ليقرر الأهل توليدها في البيت مثل بقية النساء، لكن قرارهم كان خاطئا".
ظلت إيمان تصارع عسر الولادة، وحين ساءت حالتها نُقلت إلى المستشفى، ومن جديد عرقلت المنافذ المغلقة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين وصولها، وحين انقضت 14 ساعة أُصيبت بتسمم الحمل، وبعد أسبوعين لفظت أنفاسها الأخيرة.
وباتت مدن ومحافظات البلاد منقسمة بسبب القتال، ورغم مرور أكثر من شهرين على الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة ما تزال الطرق مغلقة، وسط تبادل الاتهامات بين الحكومة والحوثيين.
وأبدى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن، الاثنين، أسفه حول الطرق المغلقة للعام السابع على التوالي، وقال "إن فتح الطرق لا يعني حصرا تخفيف وطأة المعاناة الإنسانية أو مجرد إزالة القيود، بل يعني أيضا البدء بإعادة ظروف الحياة اليومية لطبيعتها لليمنيين، بما في ذلك التعليم والعمل والخدمات الصحية والاقتصاد العام".
مراكز صحية متوقفة
نهاية العام الماضي نعى فهمي البريهي ابنه يزن بعد أن عجز عن إسعافه إلى المستشفى إثر إصابته بالإسهال، وفشل العاملون الصحيون بالقرية في توفير حل للطفل البالغ من العمر عاما واحدا.
ألقى الأب باللائمة على السلطات المحلية في تعز، وقال إنها لم توفر أي خدمة صحية للمستشفى الريفي، في الوقت الذي حالت مسافة الطريق الطويلة إلى مستشفى المدينة دون إنقاذ الطفل. ويقول إن المستشفيات الريفية "لا توفر زفرة أوكسجين أو كبسولات مغذية أو قطرة مضاد حيوي".
ويقول المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب في اليمن بشير عمر إن سبب الأرقام المرتفعة بوفيات الأطفال والنساء هو تضرر القطاع الصحي، خصوصا مناطق النزاع، إذ إن 49% من النظام الصحي لا يعمل بسبب تعرض المنشآت الصحية لتدمير كلي أو جزئي أو بسبب توقفها عن العمل.
ويضيف للجزيرة نت أن عدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية وتوقف الرواتب فاقم من تضرر القطاع الصحي بصورة كبيرة. ومنذ نهاية العام 2016 يعمل الموظفون بهذا القطاع كبقية الموظفين في القطاع الإداري بمناطق سيطرة الحوثيين دون رواتب.
غياب الكادر الصحي
يعاين جميل العبسي الطبيب في مستشفى الجمهوري بتعز الأرقام المعلنة عن الوفيات، ويقول إن المنظومة الصحية في البلاد منهارة، بينما تشهد المرافق الصحية نقصا في الإمكانيات الطبية.
وكان المستشفى الجمهوري -الذي يعد واحدا من أكبر مستشفيات مدينة تعز، قد أعلن في مناسبات عدة توقفه عن العمل بسبب نفاد الوقود، آخرها الأسبوع المنصرم.
ويوضح العبسي للجزيرة نت أن كثيرا من النساء والأمهات يتوفين بسبب غياب الرعاية الصحية ومتابعة الحامل منذ شهورها الأولى حتى الولادة الآمنة، وهذا سببه عدم وجود الأطباء المتخصصين.
ووفقا لإحصاء أجرته منظمة اليونيسيف، فإن أقل من 50% من حالات الولادة في اليمن حاليا تُجرى تحت إشراف متخصصين صحيين.
غياب منشأة صحية شاملة
وفقد اليمنيون ثقتهم في القطاع الصحي، وغالبا ما يتجه القليل منهم إلى مصر أو الأردن للعلاج، لكن قطاعا كبيرا منهم استسلموا في منازلهم بانتظار الموت.
ورغم إصابته بجلطة في القلب ظل عبده عبد الله (55 عاما) على فراش المرض 3 أيام، إذ عجز أهله عن نقله من قريته بمحافظة ذمار، وسط اليمن، للمستشفى في العاصمة صنعاء، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ويزعم الأهالي في القرية أن إسعافه للعاصمة لم يكن ليفيده، بينما كانت ستبقى تكاليف نقله وعلاجه الباهظة عبئا على كاهل أسرته، لذا فضلوا أن يموت على فراش المرض.
ويقول علي المضواحي مستشار وزير الصحة بحكومة الحوثيين إن اليمنيين يعجزون عن الوصول إلى الخدمات الصحية والحصول عليها، بسبب انهيار الوضع الاقتصادي بفعل الحرب.
ويفيد المضواحي الجزيرة نت بأن 50% من وفيات الأطفال بين حديثي الولادة، مشيرا إلى أن "ما يحدث اليوم من النزف اليومي المتكرر في وفيات الأمهات والأطفال نتيجة غياب الخدمات الصحية، وواحدة منها عدم وجود منشأة صحية كافية من الممكن أن تغطي السكان في المناطق التي يصعب الوصول إليها".
وقد ارتفعت نسبة وفيات الحوامل من 148 حالة وفاة لكل 100 ألف حالة ولادة عام 2013، إلى 385 حالة وفاة، وهو ما يقارب نسبة وفاة أم كل ساعتين، وفق المضواحي.
ويقول أيضا إن معدل وفيات الأطفال وصل إلى 55 حالة وفاة لكل ألف حالة ولادة لمن هم دون 5 أعوام.
وعزا ارتفاع النسبة إلى "ضعف التحصين من 12 مرضا من أمراض الطفولة القاتلة، رغم توافر اللقاحات، بينما فاقمت التغذية السيئة وغياب الرضاعة الخالصة من تعرض الأطفال لسوء التغذية الحاد والوخيم".
لكن المسؤول الحوثي يقول إن هذه التحديات لا يمكن الاستجابة لها والتعامل معها إلا في حال وصل البلد إلى استقرار حقيقي ووضع أمني مستقر، الأمر الذي سينعكس في سهولة وصول المرضى للخدمات الصحية.