ليسوا مفقودين وإنما مغدورين.. ما وراء تصريحات الحلبوسي بإمكانية تصفية المختفين قسريا بالعراق
أثارت تصريحات رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي -الأسبوع الماضي- جدلًا واسعًا وصدمة كبيرة، حول مصير آلاف المغيّبين بمحافظات شمال البلاد وغربها، بعد أكثر من 5 سنوات على انتهاء معارك القوات الأمنية العراقية، لاستعادة المناطق التي كان يسيطر عليها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية بين عامي 2014 و2017.
المغيّبون -أو من يُعرفون في القانون الدولي بالمختفين قسريًا- كانوا قد فُقدوا واختفت آثارهم على المعابر، خلال محاولتهم الفرار من مناطق سيطرة التنظيم تجاه المناطق التي تسيطر عليها القوات العراقية، وهو ما أثار العديد من الاتهامات ضد فصائل مسلحة باقتيادهم إلى سجون سرية أو إعدامهم.
مصير مجهول
وكان الحلبوسي قد قال خلال ظهوره في مقابلة متلفزة مع إحدى القنوات المحلية إنه يجب أن "نصارح الناس بحقيقتهم"، وأنه يجب تغيير وصفهم أولًا إلى "المغدورين وليس المغيّبين"، معلّقًا بالقول "مغدورين فارقوا الحياة"، في إشارة إلى المغيّبين الذين قدّرت منظمات حقوقية دولية أعدادهم بعشرات الالاف.
ورأى الحلبوسي أن الأجدر في هذا الملف ألا يُستخدم للتضليل والقدح السياسي، مطالبًا قوى سُنّية لم يُسمّها بالابتعاد عن المزايدة في هذه القضية، لا سيما وأن هذه القوى كانت في السلطة خلال فترة اختفائهم، وأنها تعرف الجهات المسؤولة عن تلك الجرائم، كونها من تبنَّت التحقيق آنذاك، ومن ثم فإن الحل الوحيد لهذه المسألة يتمثّل بتعويض ذويهم، وعدم تعليقهم بآمال مجافية للحقيقة بشأن مصيرهم، وفق الحلبوسي.
ويُعدّ حديث الحلبوسي أول اعتراف رسمي من مسؤول عراقي رفيع بمقتل المختفين، وهو ما أثار العديد من الأسئلة حول إذا ما كان الإعلان عن مصير هؤلاء -بعد 8 سنوات من مطالبات ذويهم- يعدّ خطوة جدية نحو إنصافهم، أو لها أبعاد أخرى، فضلًا عن مدى اختصاصه بالقضية.
ويعرّف القانون الدولي الإخفاء القسري بأنه اعتقال أو احتجاز أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية، يتم على أيدي موظفي الدولة أو أشخاص أو مجموعات يتصرفون بإذن أو دعم أو موافقة من الدولة، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصيره ومكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
ورقة سياسية
في الأثناء، قال الأمين العام للمشروع الوطني العراقي جمال الضاري، إن تصريح الحلبوسي حول مصير المختفين قسريًا يعدّ "ورقة سياسية" للضغط على الإطار التنسيقي، في إشارة إلى التحالف السياسي الذي يجمع القوى السياسية الشيعية؛ باستثناء التيار الصدري، مبينًا أن بعض أطراف الإطار يرون ضرورة تغيير رئيس البرلمان، ومن ثم اختار الحلبوسي هذا الملف للضغط عليهم، وفق الضاري.
وبيّن أن الحلبوسي استخدم هذا الملف ورقة ضغط للمفاوضات السياسية، حيث ينتظر الجميع مُضي 6 أشهر من عمر حكومة السوداني لتقييمها، وبدء مرحلة مفاوضات جديدة قد تُسفر عن تغييرات مهمة في الخريطة السياسية، مستغربًا تصريحات رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلاد، دون أن يحدد الجهات والفصائل المتورّطة بخطف وتصفية المدنيين في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وشمالي بابل وحزام بغداد، على حد تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف حديث الحلبوسي بـ "هواء في شبك" معلقًا "كان على الحلبوسي التحدث عن إمكانية محاسبة منفذي الجرائم والكشف عن المقابر الجماعية التي دُفنوا بها وكيفية تعويض ذويهم، لا أن يتحدث عن تغيير صفتهم من المختفيين قسريًا الى المغدورين"، متسائلًا "إذا كان صاحب المسؤولية يتحدث عن عدم قدرة الدولة على السيطرة على مدينة جرف الصخر؛ فكيف سيتم استيفاء حقوق الأهالي؟".
وكان الحلبوسي قد تحدث عن ملف ناحية جرف الصخر في محافظة بابل (جنوب بغداد)، قائلًا "إنها معسكر لفصائل مسلحة، وكل كتل ائتلاف إدارة الدولة لا يستطيعون دخولها"، في إشارة إلى التحالف السياسي الذي شكّل الحكومة، ويجمع تحالف الإطار التنسيقي وتحالفي السيادة وعزم والحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.
تعهدات سياسية
من جانبه يرى عضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي داخل راضي، أن حديث رئيس البرلمان عن مصير المغيبين يعدّ جزءًا من التزاماته التي قطعها لجماهيره، مبينًا أن هناك اتفاقًا بين القوى السياسية التي شكّلت الحكومة على إنهاء ملف المغيبين والنازحين، بما سيشكّل عامل استقرار ونهاية لهذا المشهد المأساوي، الذي نالت المحافظات الجنوبية نصيبها منه أيضًا.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد راضي أن الاتهامات الموجهة لفصائل الحشد الشعبي مجرد حديث إعلامي لم يصدر عن جهة سياسية رسمية، وأن الموضوع برمته يعدّ خلافًا سياسيًا يمكن حلّه في يوم من الأيام، لا سيما بعد اتفاق جميع الأطراف على أن يكون هناك تفاهم حول العملية السياسية، حسب قوله.
على الجانب الآخر، يقول القيادي في حزب تقدّم الذي يتزعمه الحلبوسي عدلي الكرخي، إن إعلان تصفية المغيبين من قِبل الحلبوسي في هذا الوقت لا يحمل دلالة معينة، بقدر ما استند إلى الصراحة وتقارير المنظمات الدولية والجهات الأمنية المحلية وشهادات بعض ذوي المختفين قسريًا.
وفي حديثه للجزيرة نت، بيّن أن قضية المغيبين التي تكررت منذ النظام السابق وإلى الآن، يمكن أن يحسمها وينظمها تشريع قانون خاص بها، ومن ثم وفي ظل الحرص الكبير على تشريع القانون الخاص بالمغيبين ومحاولات عرقلته -حسب الكرخي- فإن هناك مطالبات بأن يتم تشريعه في إطاره العام دون شموله فئة معينة.
وحول ما يتعلق بالمقابر الجماعية، أوضح أنه لا تزال هناك 200 مقبرة لم يتم فتحها، ومن شأن التحقيق فيها معرفة مصير 90٪ من المغيبين، لافتًا إلى أن القانون "المعلّق" بمجلس النواب يتضمن عقوبات على المتورطين بتلك الجرائم، على أساس أنه ستكون هناك تحقيقات حول المسؤولين عن التغييب عند إقراره.
مدى الاختصاص
وعن مدى اختصاص الحلبوسي بالقضية، يعتقد الكرخي أن الحلبوسي رئيس للبرلمان وممثّل للمحافظات التي غُيّب أبناؤها، ولذا فمن البدهي أن يتطرّق لهذا الموضوع وتقديم الإجابة عن الأسئلة التي تتعلّق بهم، مشيرًا إلى أن هناك تحركات فعلية جرت مع مؤسسة الشهداء لتعويض ذويهم، حسب تصريحه.
في غضون ذلك، يرى عضو مجلس النواب السابق وعضو الهيئة السياسية في المشروع العربي بزعامة خميس الخنجر إياد الجبوري، أن الحديث عن تصفية المغيبين يحتاج إلى دلائل، وأن أي حديث غير مدعوم بأدلة قد لا يكون دقيقًا، مبينًا للجزيرة نت أن إعلان الحلبوسي عن تصفية المغيبين في هذا الوقت، قد يكون نابعًا من شعوره بـ "الخوف" من التحالف المنافس، الذي تم تأسيسه مؤخرًا بمحافظة الأنبار، والذي تبنّى هذه القضية.
وكانت محافظة الأنبار قد شهدت في سبتمبر/أيلول الماضي، تشكيل تحالف سياسي جديد "تحالف الأنبار الموحّد" يرأسه السياسي جمال الكربولي الذي لديه خلافات حادة مع الحلبوسي، وأن التحالف الجديد يضم عددًا من الشخصيات العشائرية والسياسية السنية البارزة، التي سبق أن شغلت مناصب عدة: نوابًا برلمانيين، ووزراء بالحكومة.
معاناة مستمرة
في السياق، يقول ليث الكبيسي -من ذوي المختفين قسريًا- إنه فقد اثنين من ذويه، وأن دور رئيس مجلس النواب يجب أن يكون ممثلًا لصوتهم وجابرًا لخواطرهم؛ من خلال دفع الحكومة والقضاء للقيام بتقصٍّ للحقائق.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى أن ورقة المغيبين باتت تستخدم موسميًا خلال الانتخابات والتفاوض بين الخصوم والحلفاء، ولإثبات بطولة لم تتحقق، مؤكدًا أن هذا النهج سيتسبب بإزاحة المتاجرين بها عن كراسيهم مستقبلًا، حسب تعبيره.
وحول تعويضات المغيبين، يعلّق الكبيسي "لا يزال الحديث عن ذلك مستمرًا، لكن لا يوجد شيء ملموس حتى الآن، لأسباب قضائية تتعلّق بإيقاع الجزاءات بحق المتورطين، وحسم الإجراءات القانونية من شهادات الوفاة وغيرها"، معبّرًا عن أمله في العدالة التي يؤكد أن التوافقات السياسية تمنع تحقيقها.
في المقابل، قال مسؤول إعلام مؤسسة الشهداء مالك السرّاج، إن المحكمة الاتحادية أصدرت قرارًا ينص على أن كل من أبلغ عن حادثة لدى المؤسسة الأمنية في محل الحادث أو ضمن موقع سكنه الجغرافي، وبعد انقضاء مدة عامين على الإبلاغ، فإن عليه أن يتقدم بطلب لفرع مجلس القضاء في منطقته، كي يتم ترويج معاملته داخل المحكمة للحصول على قرار قضائي، ومن ثم قرار تمييز.
وأوضح السراج -في تصريحه للجزيرة نت- أنه "وبعد هذه المراحل سيتم النظر في احتساب المفقود شهيدًا أو متوفيًا، بعد ذلك يتم تحويل ملف الشهيد إلى مؤسسة الشهداء لترويج معاملته، التي تأخذ مجراها مثل سائر المعاملات التي تستقبلها المؤسسة".