مخاوف من تلوث المياه.. نهر سيتيت يحمل للسودان جثث التيغراي وفظائع الحرب في إثيوبيا

قال إثيوبيون بولاية كسلا السودانية إنهم انتشلوا عشرات الجثث لأشخاص من قومية التيغراي الإثيوبية طافية بنهر سيتيت الذي يجري بين البلدين، في حين قالت الحكومة الإثيوبية على تويتر إن هذه الشهادت كاذبة وروّجتها جبهة تحرير شعب تيغراي.

انتشال إحدى الجثث على الضفاف السودانية من نهر سيتيت (الجزيرة نت)

شرق السودان – "لقد توقفوا عن رمي الجثث في نهر سيتيت لأنها طفت حتى السودان وفضحتهم أمام العالم، لكن القتل في غرب إقليم تيغراي الإثيوبي لم يتوقف"، هكذا فسّر رئيس الجالية الإثيوبية بولاية كسلا السودانية توقف رؤية الجثث في النهر.

وحتى الأسبوع الماضي انتشل قرويون على ضفاف نهر سيتيت بولايتي كسلا والقضارف السودانيتين -أقصى شرقي البلاد- عشرات الجثث لأشخاص من قومية التيغراي الإثيوبية.

وسيتيت نهر موسمي يجري بين السودان وإثيوبيا حيث يعرف باسم تكزي.

وعلى مدى أيام صدم سكان 4 قرى على النهر عثورهم على جثث طافية دفعتها أمواج النهر إلى الضفاف الصخرية.

ويروي رئيس الجالية الإثيوبية بولاية كسلا قبرو تنساي -الذي أشرف على انتشال الجثث ودفنها مع ممثلين للشرطة والجيش والأهالي- الحالة التي وجدوا عليها الضحايا الذين ارتكبت بحقهم انتهاكات جسيمة، على حد تعبيره.

قرويون بولايتي كسلا والقضارف السودانيتين انتشلوا عشرات الجثث لأشخاص من قومية التيغراي الإثيوبية (الجزيرة نت)

جثث مقيدة

وطبقا لقبرو تنساي في حديث للجزيرة نت، فإن الجثث مُثّل بها لدرجة بتر الأطراف وتشويه الأعضاء.

وأظهرت صور حصلت عليها الجزيرة نت والتقطت بدافع التوثيق للانتهاكات التي ارتكبت بحق الضحايا، جثثا مجردة من الملابس ومقيدة الأيدي والأرجل وبعضها مبتور من منتصف الجسد وأخرى فصل الرأس فيها عن بقية الجسد.

وتحدث تنساي -وهو من قومية التيغراي- عن أن الجيش الإثيوبي ومليشيات الأمهرة ارتكبوا فظائع بحق مئات المعتقلين التيغراي في بلدة حمرا غربي الإقليم، شملت تقييد الضحايا والقذف بهم في نهر سيتيت أو تصفيتهم رميا بالرصاص وقذفهم في النهر.

وأحصى 47 جثة انتشلت، منها 5 جثث لنساء في قرى ود كوتو وتبوسيب والجيرة وإدريس على بعد نحو 50 كيلومترا جنوبي حمداييت (نقطة التقاء الحدود الإثيوبية والإريترية مع حدود السودان).

إعلان

وكان حساب على موقع "تويتر" تديره الحكومة الإثيوبية قال إن "الروايات المتداولة عن الجثث على وسائل التواصل الاجتماعي كانت بسبب حملة دعائية كاذبة في تيغراي".

شهود عيان تحدثوا عن تشويه للجثث وثقوب جراء الرصاص (الجزيرة نت)

حملة اغتيالات

وحسب شهود عيان للجزيرة نت، فإن الأهالي بقريتي الحيرة وتبوسيب التابعتين لولاية كسلا انتشلوا جثتين يوم الجمعة الماضي من نهر سيتيت، ثم 3 جثث يوم السبت.

وقال الشهود إن الجثث الأخيرة كانت ضمن عشرات الجثث التي انتشلها الأهالي وعليها آثار تعذيب وثقوب جراء الرصاص كما أن بعضها وجد مقيدا، ودُفنت الجثث بإشراف رئيس الجالية الإثيوبية وممثلين للشرطة والاستخبارات العسكرية.

وأبلغ مدير مركز استقبال اللاجئين في حمداييت يعقوب محمد يعقوب الجزيرة نت أن الجيش الإثيوبي ومليشيات الأمهرة الموالية له تستهدف التيغراي العابرين لنهر سيتيت منذ 25 يوليو/تموز الماضي.

ويقول إن القناصة التابعين للقوات الإثيوبية استهدفوا نحو 150 لاجئا من التيغراي كانوا بصدد عبور نهر سيتيت إلى السودان ما أدى إلى مقتل 10 منهم في الحال جرفهم تيار النهر القوي في موسم الأمطار.

ويشير إلى أن 35 لاجئا من هؤلاء نجوا من رصاص القناصة وتمكنوا من العبور إلى حمداييت، وأخبروا أن مليشيات الفانو والولغاييت التابعة للأمهرة نفذت إعدامات بحق 55 شخصا من التيغراي رميا بالرصاص أو بتقييدهم بالحبال وإلقائهم في النهر.

وطبقا ليعقوب، فإن الجيش الإثيوبي على الضفة الشرقية للنهر -مقابل حمداييت- عزز قواته وتسليحه -في ما يبدو- خوفا من توغّل لاجئين للالتحاق بجبهة تحرير تيغراي بعد الانتصارات التي حققتها أخيرا.

ناجون يروون القصة

وروى لاجئون جدد من التيغراي بحمداييت للجزيرة نت قصصا مروعة عن إطلاق القوات الإثيوبية النار على رفاقهم في أثناء عبور نهر سيتيت.

إعلان

وحسب اللاجئ موز تولومريام "26 سنة" الذي كان أحد الناجين الذين عبروا النهر رغم نيران القناصة، فإنه مع 9 فارّين آخرين تمكنوا من الاختباء خلف أحد التلال على شاطئ النهر ورأوا قوة من الجيش تعتقل نحو 30 من التيغراي.

ويضيف "كانوا يجلسونهم على الأرض واختاروا 3 منهم أطلقوا عليهم النار ورموهم في النهر".

ويؤكد مدير مركز استقبال اللاجئين في حمداييت أن بعض الفارّين من المناطق الغربية بإقليم تيغراي وتحديدا من بلدتي حمرا وأدباي (عند حدود السودان) غرقوا لدى عبورهم نهر سيتيت بسبب قوة التيار هذه الأيام.

ولدى إثيوبيا سد على نهر سيتيت المسمى بـ"تكزي" بين الإثيوبيين، كما أن السودان شيّد سدا على هذا النهر ونهر عطبرة، معروفا باسم "مجمع سدي أعالي عطبرة وسيتيت".

مدير مركز استقبال اللاجئين بحمداييت السودانية: إن بعض الفارين من إقليم تيغراي غرقوا لدى عبورهم نهر سيتيت (الجزيرة نت)

توثيق الانتهاكات

ويقول رئيس الجالية الإثيوبية بولاية كسلا إن "رمي الجثث في نهر سيتيت توقف لأن السلطات الإثيوبية باتت تخشى فضحها في العالم بعد أن حمل التيار هذه الجثث إلى السودان".

ويؤكد الراجح أن أعدادا أخرى من الجثث لم تنتشل لأن الروايات تتحدث عن عدد أكبر للقتلى، إذ إن الجثث المنتشلة حملها التيار إلى ضفاف النهر.

ويشير إلى أن آلافا من التيغراي يعتقلهم الجيش الإثيوبي ومليشيات الأمهرة في مخازن الذرة بحمرا القريبة من حدود السودان، كما أن تصفية التيغراي مستمرة في الطرق المؤدية إلى السودان.

ويذكر أنهم وثقوا الانتهاكات التي تعرضت لها الجثث الواصلة إلى السودان عبر نهر سيتيت بفتح بلاغات لدى الشرطة السودانية، وتصوير الجثث على الحالة التي وصلت بها من قيود بالحبال وبتر للأطراف وتشويه للأعضاء التناسلية.

ويقول إن منظمات دولية منها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" وثقت أيضا لهذه الجرائم باعتبارها أدلة تؤكد الانتهاكات التي تعرض لها التيغراي.

إعلان

احتمال تلوث النهر

ونأت السلطات السودانية عن التعليق على جثث الإثيوبيين المنتشلة من نهر سيتيت داخل أراضيها، في حين يتخوف مسؤولون ومواطنون في محلية ود الحليو التابعة لولاية كسلا من احتمال تلوث مياه النهر بسبب الجثث المتعفنة والمتحللة.

ويقول مصدر مسؤول في محلية ود الحليو للجزيرة نت إن من المرجح تلوث مياه النهر، وهو ما يتطلب تدخل السلطات الاتحادية بإيفاد فريق لفحص المياه.

وحسب عبد الهادي عبد القادر القيادي في قوى الحرية والتغيير -الائتلاف الحاكم- بود الحليو، فإن مياه نهر سيتيت من المؤكد تعرضها للتلوث جراء الجثث التي قذفت في النهر وتلك الجثث في العراء على الأودية داخل إقليم تيغراي، التي جرفتها مياه الأمطار إلى السودان.

ويناشد عبد القادر الحكومة الانتقالية في الخرطوم إرسال فريق لفحص مياه نهر سيتيت حيث توجد محطة مياه مغاريب التي تغذي القرى "9 و10 و11".

وينوّه إلى أن معدل الإصابة بالإسهالات ارتفع بالتزامن مع ظهور الجثث في النهر، إذ كان كل من يرد النهر لجلب مياه الشرب يبلغ عن وجود جثة أو أكثر.

ويوضح للجزيرة نت أنه بعد فتح سد أعالي نهري عطبرة وسيتيت أصبح الوضع أفضل بجريان النهر لأنه كان مثل بحيرة راكدة قبل فتح أبواب السد.

المصدر : الجزيرة

إعلان