دياب من الدوحة: لبنان وصل حافة الانهيار الشامل ونعول على دعم قطر لـ"شبكة الأمان"
توقع دياب أن تسهم دولة قطر في تمويل شبكة الأمان التي ستحال قريبا إلى مجلس النواب اللبناني، إذ بإمكانها أن تضمن دعما للعائلات الفقيرة لمدة سنة، وتسمح أيضا بترشيد الدعم وخفض استعمال الاحتياطي النقدي لمصرف لبنان
فيما بدا أنه نداء استغاثة أخير، حذر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب من أن لبنان قد وصل إلى حافة الانهيار الشامل، وذلك خلال زيارته لقطر في سبيل توفير ما سمّاه "شبكة أمان" للبنانيين، في ظل استمرار التعقيدات التي تحول دون تشكيل حكومة جديدة، وتعمُّق الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وقال دياب، الذي يزور العاصمة القطرية الدوحة في لقاء مع الصحفيين، إن أي حكومة جديدة في لبنان عليها البدء بتطبيق الإصلاحات انطلاقا من الخطة التي وضعتها حكومته، واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بهدف استعادة الثقة الاقتصادية والمالية، بعد عقود من الحروب والهدر والفساد، والسياسات التي شجعت الاقتصاد الريعي.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsما بعد الانفجار: معماريون يتأملون جغرافيا الخوف في بيروت
نصف اللبنانيين يكافحون لتأمين مستلزماتهم الغذائية اليومية
وأمس الاثنين، استقبل أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب والوفد المرافق، بمكتبه بقصر البحر بالدوحة، وأكد الشيخ تميم على دعم بلاده للبنان وشعبها الشقيق، داعيا إلى تغليب المصلحة الوطنية لحل أزمات بيروت.
كما التقى دياب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، كما التقى في مقر إقامته بالدوحة خالد بن محمد العطية نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الدولة لشؤون الدفاع.
وهذه هي الزيارة الأولى لدياب خارج لبنان منذ تشكيل حكومته، وسبق له أن زار الكويت برفقة رئيس الجمهورية لتقديم واجب العزاء بوفاة أميرها الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
وفي 18 فبراير/شباط الماضي، زار رئيس الحكومة اللبنانية المُكلف سعد الحريري الدوحة، بعد زيارة مماثلة أجراها وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لبيروت مطلع الشهر ذاته.
وفي رده على أسئلة الصحفيين، قال دياب إنه سمع من القيادة القطرية ومن المسؤولين كلاما إيجابيا، وإن بيانا سيصدر عن الحكومة القطرية الثلاثاء يتعلق بلبنان، مشيرا إلى أن قطر كانت دوما في صف بلاده.
نفق لبنان المظلم
ويعاني لبنان منذ شهور من أزمة اقتصادية واستقطاب سياسي حاد، حيث لم تتمكن القوى السياسية من تشكيل حكومة منذ استقالة حكومة دياب بعد 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.
وشهد الاقتصاد تدهورا في قيمة الليرة، وتراكم الديون المالية التي تعدت 90 مليار دولار، بينما تتعثر جهود الحكومة من أجل تأمين المشتقات النفطية لتغذية معامل الشبكة الكهربائية، كما فاقم وباء "كوفيد-19" من مظاهر الأزمة المعيشية مع إغلاق المئات من المؤسسات والشركات أبوابها، وصرف عشرات آلاف الموظفين والعمال من وظائفهم.
وقال دياب إنه جاء إلى قطر التي تتسع لكل المحبين بقلب مفتوح، لأن لبنان يعبر نفقا مظلما، واللبنانيون يعانون من العتمة، التي لا تقتصر على الكهرباء فقط، وإنما أيضا في لقمة العيش وفي ظروفهم الاجتماعية وفي مختلف يومياتهم.
وأضاف رئيس حكومة تصريف الأعمال، أن لبنان سيطرق أبواب دول عربية شقيقة أخرى، وقال "أنا أوجه نداء إلى كل الإخوة العرب، وأقول لهم إن لبنان في خطر شديد، ولم يعد يمكنه الانتظار، فقد استنفدنا ما لدينا من إمكانات، وأصبح لبنان من دون حبل أمان".
وأكد أن لبنان يتوق لاستعادة التضامن العربي لا الوقوف على خطوط تماس الخصومة والفراق بين العرب ودفع فواتيرهما، فلا استقرار ولا استقلال للعرب مجتمعين ومنفردين إلا بإعادة الاعتبار للتضامن العربي، ونحن في لبنان، لا مكان لنا إلا كجسر للتواصل بين العرب، فالتضامن العربي يحمي وحدتنا وعروبتنا.
كما دعا دياب إلى تشكيل حكومة وطنية بأسرع وقت ممكن، من أجل استكمال الاصلاحات التي وضعتها حكومته وفق ما تنص عليه المبادرة الفرنسية، وتفعيل المباحثات مع صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن حكومته لم تحكم أكثر من 6 أشهر، لكنها اليوم تجد نفسها تصرف أعمالها لما يقارب 9 أشهر، وملقى على عاتقها معالجة أزمات خلفتها أكثر من 6 حكومات سابقة في لبنان.
وبشأن استمرار حكومته في تصريف الأعمال في ظل غياب أفق واضح لحل أزمة تشكيل الحكومة، قال دياب إن حكومته تصرف أعمالها في الحدود الضيقة بحسب ما ينص عليه الدستور اللبناني في مادته الـ64، ولهذا السبب لم تعقد جلسة لمجلس الوزراء، على الرغم من تحصيل 220 موافقة لعقدها خلال الشهور الماضية.
ومنذ أعلن عن تبني لبنان للمبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون من بيروت، عقب أيام من انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي، ومسلسل تأزيم الساحة السياسية مستمر، بل وصل إلى مرحلة تنذر بالانهيار الشامل للبنان.
وتنص المبادرة الفرنسية على التوافق بين الحريري والرئيس ميشال عون على تشكيل حكومة مصغرة، على أن تتبع ذلك إصلاحات إدارية ومصرفية، إلا أن عوائق تنزيلها على الأرض ظهرت منذ اليوم الأول، بعدما تمسك الحريري برأيه، بألا تتعدى الحكومة 18 وزيرا من المستقلين (غير تابعين للأحزاب)، ودون حيازة أي تيار سياسي للثلث المعطل.
وبينما يريد الحريري تشكيل حكومة تكنوقراط (شخصيات غير حزبية)، يَتهم عون بمحاولة حصول فريقه التيار الوطني الحر وحلفائه وبينهم حزب الله على الثلث المعطل، وهو ما ينفيه الرئيس.
شبكة الأمان
وتوقع دياب أن تقف الدول العربية مع لبنان الذي لم يبخل يوما بتقديم التضحيات الجسام من أجل القضايا العربية، وأن يكونوا شبكة الأمان لحماية أشقائهم اللبنانيين.
وبحسب دياب، يمكن لشبكة الأمان تأمين الحماية لنحو 70% من اللبنانيين، أي ما يقارب 750 ألف عائلة، بالاستناد إلى الدراسات التي أجراها البنك الدولي، خاصة أن نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى هوت فعليا إلى مستوى الفقر.
كما توقع أن تسهم دولة قطر في تمويل هذه الشبكة التي ستحال قريبا إلى مجلس النواب اللبناني، إذ بإمكانها أن تضمن دعما للعائلات الفقيرة لمدة سنة، وتسمح أيضا بترشيد الدعم وخفض استعمال الاحتياطي النقدي لمصرف لبنان.
وظلت قطر تشدد على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة اللبنانية المتعثرة، وتجاوز الخلافات بشأن طبيعة التشكيلة الحكومية منذ تكليف سعد الحريري بها في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقال دياب "إن قطر ظلت دوما داعما كبيرا للبنان، واللبنانيون يحفظون للقطريين أنهم أعادوا إعمار المدن والقرى والمنازل بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم والمدمر على لبنان في عام 2006".
وأضاف لا ينسى اللبنانيون رعاية قطر الكريمة لتفاهم اللبنانيين في اتفاق الدوحة، الذي أنهى أزمة وطنية في عام 2008، كما يحفظون للقطريين أنهم كانوا في طليعة الدول التي هبت فعليا لمساعدة لبنان، بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت في العام الماضي.
وبينما يرى مراقبون أن تعقيدات الشأن اللبناني محكومة بضرورة التوافق بين الأطياف السياسية، يرى آخرون أنها مرتبطة أيضا بأجندات خارجية، لها تأثير كبير في المشهد السياسي والتحولات التي تعيشها المنطقة.