حروب القوى الإقليمية والدولية في إثيوبيا.. ما المصالح التي تحركها؟
حصلت إثيوبيا على نصف المساعدات الأميركية لأفريقيا في فترة الحرب الباردة، لكنها أيضا الشريك الاقتصادي الأكبر للصين في المنطقة. وفي الوقت نفسه، لدى روسيا مخططاتها العسكرية ومساعيها للوصول إلى موارد الطاقة في هذا البلد.
من أزمة الصومال إلى الصراع بين إريتريا وإثيوبيا والحرب الراهنة في هذا البلد، لم تعد الأزمات المتجددة في منطقة القرن الأفريقي حدثا جديدا. إلا أن التدخل الدولي الطاغي -الذي يهيمن على الصراعات ويعقّد مساراتها منذ 30 عاما على الأقل- يتعمق فيها ويتسع.
فما القوى التي تتصارع في المنطقة وتجعلها مسرحا لتصفية حساباتها على حساب الشعوب؟ وما إستراتيجياتها ومصالحها؟ وكيف تخوض قوى إقليمية حروب أفريقيا بالوكالة عن الدول الكبرى؟
ما القوى المتصارعة في إثيوبيا؟
شهدت منطقة القرن الأفريقي تنافسا بين القوى الدولية مبكرا، لما تمثله من أهمية جيوستراتيجية؛ ففي فترة الحرب الباردة كانت مسرحا لصراع القطبين (الاتحاد السوفياتي وأميركا) وحلفائهم من القوى الإقليمية. واليوم نشهد جولة أخرى من التنافس في ظل التداعي الجديد على أفريقيا، من خلال الحرب في إثيوبيا، إحدى أهم الدول المركزية وعاصمة القارة السمراء.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفي ندوة بإسطنبول.. خبراء وباحثون أفارقة يناقشون الصراع الدائر في إثيوبيا
الحرب وارتداداتها.. من إثيوبيا إلى القارة العجوز
"آبي" إثيوبيا.. "مصلح" يواجه الانقلابات أم مستبد ذكي؟سيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
الولايات المتحدة الأميركية وأكبر المساعدات
تعتبر الولايات المتحدة الأميركية إثيوبيا حجر الزاوية في سياستها بأفريقيا، ولذلك كانت أديس أبابا تحصل على النصيب الأكبر من المساعدات الأميركية لبلدان القارة، ويأتي ترتيبها الأول دائما. بل حصلت على نصف المساعدات الأميركية لأفريقيا في فترة الحرب الباردة، وكانت أحد أهم مسارح حربها عبر حليفها في إثيوبيا الإمبراطور هايلي سلاسي.
الصين.. الشريك الاقتصادي الأهم
لم يكن للصين تاريخ في منافسة القوى الكبرى إلا بعد تبنى إستراتيجية "الموارد من أجل التنمية " في أفريقيا، وبناء أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي على مقربة من القاعدة الأميركية.
أما على صعيد إثيوبيا فتعتبر الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لها، ولهذا تتمتع إثيوبيا بمكانة خاصة لدى الصين باعتبارها من أنجح النماذج على مستوى القارة في البرامج التنموية، وتعتبر الصين من أكبر ممولي السلاح لإثيوبيا بعد الخلافات الأميركية مع أديس أبابا مؤخرا.
روسيا
كانت روسيا في عهد الاتحاد السوفياتي أكبر الأقطاب نفوذا في المنطقة، وكان لها قواعد بحرية في كل من الصومال واليمن وإريتريا وفّرت لها موطئ قدم في البحر الأحمر والجزيرة العربية. وتعود روسيا اليوم لاستعادة سمعتها كقوى عظمى إضافة إلى مصالح يفرضها موقع إثيوبيا الجيوسياسي.
ما مجالات التنافس بين القوى الدولية في إثيوبيا؟
يمكن تلخيص مجالات التنافس في العوامل التالية:
العامل الجيوستراتيجي
تتفق الإستراتيجيات المتصارعة على أهمية إثيوبيا من الناحية الجيوسياسية في السياسة الأفريقية، إضافة إلى أهمية الوصول إلى البحر الأحمر كأولوية إستراتيجية.
كما أن دور إثيوبيا في خدمة إستراتيجيات القوى الكبرى في المنطقة كوكيل يخدم مصالحها ينال نصيبا وافرا من الاهتمام، فقد مُنحت إثيوبيا في عهد زيناوي دعما سياسيا وعسكريا ولوجستيا لمحاربة الجماعة المسلحة نيابة عن القوى الغربية. فضلا عن كون إثيوبيا معقل المسيحية ومنطلقها إلى أفريقيا.
العامل الاقتصادي
من أكبر العوامل إثارة للصراع هو المجال الاقتصادي الذي يقلق الولايات المتحدة بعد دخول الصين بمشروع "حزام واحد طريق واحد" الذي ينفذ إستراتيجيتها في إفريقيا، فقد شكلت الدبلوماسية الاقتصادية الصينية ذراعا أساسية للتغلغل في القارة. وقد يتفوق رصيد الصين في هذا الجانب على الولايات المتحدة، وهو ما تخشى نتائجه وتداعياته المستقبلية.
وتفاديا لمخاطر التمدد الصيني، بدأت الولايات المتحدة الأميركية في 2018 حربا تجارية على الصين. أما روسيا فلم تدخل سباق التنافس الاقتصادي مع انشغالها بالمجالات العسكرية والأمنية وموارد الطاقة.
العامل العسكري والتكنولوجي
يشكل التنافس التكنولوجي والعسكري عنوان الصراع الراهن، والذي ربما يستمر طويلا، وتُعتبر هيمنة الصين على تكنولوجيا الاتصالات عالميا في الفترة الأخيرة بالنسبة للولايات المتحدة تهديدا أمنيا متعدد الأبعاد لإمكانية تطوره إلى نفوذ اقتصادي وسياسي يصعب السيطرة عليه مستقبلا.
ومنذ 2017 تخوض الولايات المتحدة حربا باردة ضد الصين. ويعتبر الخبراء أن تقنية الجيل الخامس هي سبب أغلب التوترات بين البلدين في الفترة الأخيرة.
كيف تتنافس القوى الدولية في هذه المجالات بإثيوبيا؟
- تملك الصين 379 مشروعا في إثيوبيا بينما تملك الولايات المتحدة 106 مشاريع، وتُعتبر الصين الشريك الاقتصادي الأول، لذلك سعت أميركا لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع إثيوبيا في السنوات الخمس الأخيرة.
- وتبلغ الديون الصينية لإثيوبيا 13.7 مليار دولار، وتعادل نصف ديون هذا البلد الخارجية، ولهذا تشدد الصين على ضرورة استقرار الأوضاع في إثيوبيا للمحافظة مصالحها الكبيرة.
- وقّعت إثيوبيا مع الصين اتفاقية لتمويل مشروعات البنى التحتية، بالتعاون مع شركة "هواوي" (HUAWEI) و"زد تي إي" (ZTE) للاتصالات، كما أطلقت إثيوبيا أول قمر صناعي باسم "إيرس1" بالاعتماد على التكنولوجيا الصينية، وهو ما يثير حفيظة الولايات المتحدة على مستقبل شراكتها التقليدية مع إثيوبيا.
- زار إثيوبيا عام 2019 كل من "جاك دورس" أحد مؤسسي منصة تويتر و"جاك ما" المؤسس المشارك لمنصة علي بابا، وتمخضن زيارتهما عن توقيع اتفاقية مع مجموعة علي بابا لإنشاء منصة للتجارة العالمية الإلكترونية. وفي ذات الوقت أطلقت الولايات المتحدة مشروعا للصحة الرقمية في إثيوبيا بقيمة 63 مليون دولار.
- أنشأت الولايات المتحدة وكالة مساعدات خارجية عام 2019 لتقديم تمويل ميسّر لمجابهة النفوذ الصيني عالميا، وتقدم قروضا مخفضة لشراء معدات اتصالات بشرط عدم الشراء من الصين.
ما دور القوى الإقليمية في الصراع الإثيوبي؟
تلعب 3 دول دورا مهما في الحرب الدائرة بإثيوبيا. ولكل واحدة أهدفها:
الإمارات:
لعبت القاعدة الإماراتية في ميناء عصب الإريتري دورا حاسما في بداية الحرب بإقليم تيغراي، ولكنها توارت بعد ذلك لتغيّر ساكني البيت الأبيض. وعادت في بداية ديسمبر/كانون الأول الجاري عبر جسر جوي مباشر وغير مباشر غيّر مسار المعركة بدرجة كبيرة لصالح آبي أحمد وحلفائه.
والإمارات حليفة لآبي أحمد، كما أن لديها شراكة اقتصادية كبيرة مع إثيوبيا، إضافة إلى أنها تعمل بالوكالة لصالح بعض القوى الإقليمية.
إريتريا:
لعبت إريتريا دورا أساسيا في تعزيز الموقف العسكري لآبي أحمد منذ بداية الحرب وما تزال، وهو ما عمق الخلافات بين أطراف الحرب ووسع دائرتها. وأصبحت إريتريا طرفا مساندا في الحرب على حساب آخر، ما يصعب الوصول إلى تفاهمات من أجل حل سلمي للصراع.
مصر:
تتهم إثيوبيا مصر مباشرة بدعم مقاتلي أقاليم تيغراي وبني شنقول (القمز)، على خلفية نزاعهما على سد النهضة، وبهدف زعزعة الاستقرار في البلد وإفشال المشروع عبر إضعافها عسكريا وسياسيا لتتراجع عن موقفها المتصلب في قضية سد النهضة. وهو ما نفته مصر في أكثر من مناسبة.