أقاليم إثيوبيا في ظل كر وفر.. مَن يضع من بين الكماشة؟
يستمر القتال بإثيوبيا مع ضعف المبادرات الدولية والإقليمية لوضع حد لمعاناة المدنيين الذين يحتاجون للمساعدات وتُقدرهم الأمم المتحدة حتى الآن بنحو 26 مليون نسمة، وهو رقم يقترب من ربع سكان البلاد.
أعادت "جبهة تحرير تيغراي" مساء أمس الأحد السيطرة على مدينة "لاليبيلا" التاريخية، ذات المكانة الدينية الكبيرة لدى المسيحيين الأرثوذكس من الإثيوبيين، بعد 11 يوما من إعلان الحكومة المركزية عن إخراج المتمردين من المدينة.
يأتي هذا التطور في ظل تقدم القوات الحكومية واستعادتها مدينتي "كمبلوتشا" الصناعية و"ديسي" الحصينة، وإبعاد الخطر عن العاصمة أديس أبابا، والتقدم باتجاه "ولدايا" وسط إقليم أمهرة، والواقعة على طريق بري يربط الإقليم بعاصمة إقليم تيغراي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأميركا وروسيا والصين وآخرون بالوكالة.. كيف أصبحت إثيوبيا ساحة صراع دولي؟
رغم تقدم قوات الحكومة وتراجع عناصر تيغراي.. هل من نهاية قريبة للحرب في إثيوبيا؟
في ندوة بإسطنبول.. خبراء وباحثون أفارقة يناقشون الصراع الدائر في إثيوبيا
هذا الواقع يثير التساؤل التالي: لماذا اختار كل طرف التحرك بردة فعل على منافسه ولكن في طريق مغاير، وكأنّها لعبة شطرنج ينتظر المنافس تحريك اللاعب الآخر للقطعة ليرد عليها؟
الجغرافيا تتحدث
عقب إحكام التيغراي سيطرتهم على إقليمهم شمالي إثيوبيا في يونيو/حزيران الماضي، وتصريح رئيسهم دبرصيون جبرا ميكائيل في أغسطس/آب الماضي "سنذهب إلى أعدائنا حيث هم"، ساد الظن أن الهجوم سيكون على إقليم أمهرة بسبب مشاركة قواته الخاصة والمليشيا المعروفة محليا باسم "فانو" في القتال إلى جانب الحكومة.
ولذا، أطلق حاكم أمهرة وقتها نداءً إلى كل قادر على حمل السلاح للتوجه إلى ميدان القتال، وتم حشد عشرات الآلاف من المقاتلين على الحدود بين أمهرة وتيغراي.
لكن بخلاف التوقعات، انطلق التيغراي نحو إقليم العفر، وتوغّلوا فيه بهدف قطع شريان الحياة عن البلاد، المتمثل في الطريق البري ومسار سكة حديد الرابط بين أديس أبابا وميناء جيبوتي، والذي تمر عبره حوالي 95% من صادرات وواردات إثيوبيا، وفقا للتقديرات الحكومية.
واتجه التيغراي جنوبا إلى أمهرة عبر جبهة "غانشا" و"لاليبيلا"، وسيطروا عليها، ومنها ساروا نحو "ديسي" و"كمبلوتشا"، وأصبحوا على الطريق الرئيسي نحو العاصمة، مما جعل الدول المختلفة تطلق النداءات لرعاياها بمغادرة البلاد في أقرب فرصة. وبات الجميع يترقّب اقتحام أديس أبابا، ويضع سيناريوهات لذلك.
لكن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خلع رئيس الوزراء آبي أحمد زيه المدني وخرج للقتال، وظن البعض أنه سيدافع عن العاصمة، إلا أن الصور التي بثها الإعلام الرسمي أظهرت آبي أحمد في إقليم العفر. وسرعان ما تقهقرت قوات التيغراي خارجه بعد أن كانت قربية من مدينة "ميلي" الإستراتيجية المشرفة على طريق أديس أبابا-جيبوتي.
وسلكت القوات الحكومية الطريق ذاته من العفر إلى أمهرة، واستعادت "لاليبيلا" و"غانشا" وعددا من البلدات. وقبل أن تصل "ديسي"، أعلنت جبهة تيغراي الانسحاب من المنطقة والعودة إلى وسط إقليم أمهرة في مدينة "ولدايا".
الأسلوب ذاته عند الطرفين
يبرر الجنرال تدسي هايلي، الذي عمل في الجيش أثناء حكم منغستو، واقع الكر والفر بأن التيغراي عندما سلكوا طريق "لاليبيلا" كانت خطتهم تفادي المواجهة مع قوات أمهرة التي احتشدت في انتظارهم على حدود الإقليمين. وهذا أعطاهم ميزة المباغتة، فسيطروا سريعا على عدد من المدن.
لكن -يقول هايلي للجزيرة نت- قوات الحكومة اتبعت الأسلوب ذاته، وفاجأتهم من العفر بقوّتها الرئيسية، وفي الوقت ذاته خرجت لهم بقوة كبيرة من العاصمة. وفي حال عدم الانسحاب، كانوا سيجدون أنفسهم في وسط كماشة من القوات الحكومية، خصوصا وأن هذه البلدات تقع على طريق طويل واحد.
ولكن ماذا فعل التيغراي؟ انسحبوا وعادوا مرة أخرى عبر الطريق الذي سلكوه قبل 4 أشهر، وإذا استمروا في التقدم فيمكنهم أن يعزلوا مدينتي "بحر دار" و"قوندر" في أقصى شمالي أمهرة عن بقية البلاد.
وكان تادسي وردي تسفاي (ولد وردي) قائد جبهة تيغراي، شدد في أول ظهور إعلامي له على أن انسحابهم جاء لتحقيق أهداف إستراتيجية.
وبعد هذه النقلة من التيغراي، ينتظر الإثيوبيون الآن ردة فعل اللاعب الحكومي بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد.
حرب طويلة
أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي خلال العام الماضي أن فرض القانون لن يستغرق وقتا طويلا، وكاد أن يكون حديثه صحيحا، إذ سيطرت قواته خلال 60 يوما على كل إقليم تيغراي. لكن بعد مضي 4 أشهر، تغيّر الأمر باستعادة التيغراي عاصمة الإقليم ميكيلي في مايو/أيار الماضي. والآن، يتكرر السيناريو ذاته بتبادل السيطرة على المدن في إقليمي أمهرة والعفر.
ولعل هذا ما جعل مركز "ستراتفور" (Stratfor)، القريب من أجهزة المخابرات الأميركية، يقول إن تقدم القوات الحكومية السريع لا يؤشر على نهاية قريبة للحرب.
ويلفت الخبير العسكري السوداني أحمد عبد الكريم النظر إلى نقطة ستطيل أمد المواجهات، إذ يقول للجزيرة نت إن "مشاركة قوات أمهرة منذ البداية فتحت باب الصراع التاريخي بين القوميتين على سيادة إثيوبيا، مما جعل العداء يرتفع بينهما. كما أن اختيار التيغراي جبهة العفر وضعهم في مواجهة قومية الإقليم أيضا".
وحتى التحالف الذي أُعلن عنه في واشنطن، اعتمد على قوميات أكبرها الأرومو، وعلى أخرى صغيرة في حجمها ولكن لديها مشكلات تاريخية مع أمهرة.
أما الجنرال هايلي فيعتقد أن توسيع ساحات المواجهات سيزيد أعداد الضحايا. وقال إن توسع نطاق المواجهات وفتح جبهات جديدة، خاصة وأن أغلب القتال يجري في مناطق المدنيين، سيضيف مجموعات جديدة لديها مبررات للمشاركة في القتال بسبب تضررها بفقدان أقارب أو ممتلكات، وهؤلاء وقود جديد لإطالة عمر الحرب.
الملايين بلا مساعدات
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) الصادرة يوم السبت، إن آلاف المعلمين وأصحاب المتاجر والطلاب والجنود السابقين انضموا إلى الجيش الإثيوبي. وبالمقابل انضم آلاف المدنيين إلى متمردي التيغراي.
وفي تاريخ إثيوبيا القريب، فإن التحالف الذي أسقط حكومة منغستو هايلا مريام (1974-1991)، بدأ أولى عملياته العسكرية في مايو/أيار 1975، ولم يدخل العاصمة إلا بعد 17 عاما من القتال في مختلف جبهات البلاد.
وخلال هذا العمر الطويل للحرب ضعفت المبادرات الدولية والإقليمية لوضع حد لمعاناة المدنيين في ثاني أكبر بلدان أفريقيا من حيث السكان.
ومع استمرار القتال تزيد معاناة المدنيين الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية والذين تقدر عددهم الأمم المتحدة حتى الآن بنحو 26 مليون نسمة، وهو رقم يقترب من ربع سكان البلاد.