مصر ستخلو من المناطق غير الآمنة قريبا.. فهل انتهت العشوائيات حقا؟

القاهرة – تقول مصر إنها تقترب من إعلان خلوّها من المناطق العشوائية غير الآمنة مع نهاية العام الجاري بعد سنوات من العمل على واحد من أكثر الملفات الشائكة، الذي وجدت فيه الحكومة نفسها وجها لوجه مع سكان تلك المناطق الغاضبين والرافضين مغادرتها.
تحت عنوان "الجمهورية الجديدة.. خالية من المناطق العشوائية"، نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء تقريرا أكد فيه أن مصر ستكون خالية من المناطق العشوائية مع نهاية 2021، ومن المناطق غير المخططة في 2030، وذلك في إطار جهود توفير سكن آمن وكريم لكل المصريين.
وأشار التقرير إلى استفادة 1.2 مليون مواطن من تطوير المناطق غير الآمنة، التي بلغ عددها 357 منطقة بـ25 محافظة، بإجمالي 246 ألف وحدة سكنية، وبتكلفة بلغت 63 مليار جنيه (4 مليارات دولار) هي تكلفة المشروعات والقيمة التقديرية للأرض، حسب التقرير الحكومي.
أزمة مستمرة ومحاولات متعددة
للوهلة الأولى، قد يعتقد البعض أن هذا الإعلان يعني القضاء على العشوائيات نهائيا في مصر، لكن التقرير يركز في الواقع على زاوية محددة هي "المناطق غير الآمنة"، وليس كل المناطق العشوائية، مشيرا إلى أن هناك مناطق عشوائية أكبر، يصفها بالمناطق "غير المخططة".
كما أن العشوائيات الناتجة عن مخالفات البناء داخل المدن يبدو أنها غير قابلة للتغيير، حسب متخصصين تحدثوا للجزيرة نت، لأنها أصبحت جزءا من شكل تلك المدن.
ويعود مشروع الدولة للقضاء على المناطق العشوائية غير الآمنة إلى تاريخ أبعد من عام 2015، فقد أدى مصرع العشرات جراء انهيار صخرة جبلية ضخمة بمنطقة الدويقة العشوائية في القاهرة إلى إصدار القرار الجمهوري رقم 305 لسنة 2008 بشأن إنشاء "صندوق تطوير المناطق العشوائية"، ويهدف الصندوق إلى حصر المناطق العشوائية وتطويرها وتنميتها، ووضع الخطة اللازمة لتخطيطها عمرانيا، وإمدادها بالمرافق الأساسية.
وأتبعت الحكومة حينئذ القرار بقانون البناء الموحد، وهو القانون رقم 119 لسنة 2008، الذي ينظم أعمال البناء والحفاظ على الثروة العقارية، وتضمنت المادة 62 منع مدّ المرافق للمبانى غير الرسمية، إلا بعد إيداع شهادة صلاحية المبنى ومرافقه للإشغال بالجهة الإدارية المختصة بشؤون التخطيط والتنظيم.
المناطق غير المخططة
وعلى صعيد المناطق غير المخططة، ذكر التقرير الحكومي أن من المقرر أن تنتهي الدولة من الأسواق العشوائية والمناطق غير المخططة عام 2030، إذ يبلغ إجمالي مساحة المناطق غير المخططة لعواصم مدن المحافظات 152 ألف فدان (الفدان يساوي 4 آلاف متر مربع)، وتقدّر تكلفة رفع كفاءة البنية الأساسية بها نحو 318 مليار جنيه (الدولار يساوي نحو 15.7 جنيها).
أما الأسواق العشوائية فأشار التقرير إلى أن عددها الإجمالي يبلغ 1105 أسواق، وتشمل 306.3 ألف وحدة بيع، وتبلغ تكلفة تطويرها التقديرية 44 مليار جنيه (نحو 2.8 مليار دولار).
ونقل التقرير عن البنك الدولي تصنيف مصر في مؤشر "سكان العشوائيات كنسبة من سكان الحضر" أنها تعدّ من أقل 13 دولة عالميا، مستعرضا تطور مصر في هذا المؤشر منذ إصداره، فقد سجلت 5.2% عام 2018، و10.6% عام 2014، و13.1% عام 2010، و17.1% عام 2005، و28.1% عام 2000، في حين كانت النسبة الأعلى هي 50.2% عام 1990.
لماذا يرفض السكان البدائل الحكومية؟
لكن جهود الدولة واجهت مقاومة ورفضا شعبيا من قاطني كثير من تلك المناطق العشوائية، اتسمت بالعنف لأسباب متعددة، حسب أمير محفوظ أحد سكان منطقة نزلة السمان أسفل منطقة الأهرامات بالجيزة، التي تستمر فيها عمليات الهدم على قدم وساق، حيث تتعلق أسباب الرفض بغياب الشفافية، وانعدام الثقة بالحكومة ووعودها.
وأضاف محفوظ للجزيرة نت أن هناك أسبابا أخرى تتعلق برفض الأهالي مغادرة أماكنهم، باعتبارها مناطق إستراتيجية تريد الحكومة استغلالها وبناء مشروعات استثمارية كبيرة مكانها، كما في منطقة مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق بالقاهرة ونزلة السمان بالجيزة، وليس كما تقول إن ذلك من أجل توفير سكن ملائم، حسب وصفه.
إلى جانب ارتباط سكان تلك المناطق -والحديث لا يزال لمحفوظ- بتاريخهم الأسري وأعمالهم وأشغالهم، الأمر الذي لا يتوفر في الأماكن الجديدة التي تبدو بعيدة وغريبة وجافة، رغم أنها في المستقبل ربما تكون الأفضل لأبنائهم.
لكن أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة عباس الزعفراني يرى أن الأولوية دائما لأرواح المواطنين عند تطوير المناطق غير الآمنة، مشيرا إلى ضرورة تغير نمط حياة المواطنين من سكن ومقر عمل وغيره، خاصة أن العشوائيات تتضمن علاقة قوية بين السكن والعمل.
نقاط شائكة
النقطة الأكثر جدلا في عملية نقل سكان تلك المناطق إلى أماكن بديلة كانت مسألة "التمليك"، فقد انحصر الاختيار في بعض المناطق بين 5 بدائل، 3 منها تسمح بالبقاء مع دفع قيمة مالية شهرية لاستئجار أو تملك وحدة سكنية في المنطقة بعد تطويرها، أما الاختياران الآخران فهما تلقي تعويض مادي وترك المنطقة، أو الانتقال إلى أماكن سكن جديدة.
وفي ما يخص منطقة نزلة السمان التي تطلّ على أهرامات الجيزة، وأخلتها الحكومة لتطويرها سياحيا، يقول رئيس صندوق تطوير العشوائيات خالد صدّيق -في تصريحات صحفية- إن السلطات تنقل السكان إلى شقق بنظام حق الانتفاع بهدف أن يكون نظاما شبيها بنظام الإيجار القديم السائد بنسبة كبيرة في المنطقة كلها، موضحا أن حق الانتفاع يمنح السكان حق الإقامة لجيلين، أي مدى حياة الساكن ثم وريثه.
درب من الخيال
من جهته، يقول أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا حسام الشاذلي إنه "لا يوجد شك في أن التخطيط الحديث للمدن وإزالة المناطق العشوائية واستبدالها بوحدات سكنية هو أمر قد بدأ يحدث ولا يمكن تجاهله".
لكن الأكاديمي المصري المقيم في الخارج استدرك بالقول "لكن الحقيقة هي أن الحديث عن نهاية العشوائيات والمناطق غير المخططة هو ضرب من الخيال غير الواقعي، فالمناطق العشوائية على امتداد المدن المصرية مثلت أماكن لاستقرار ملايين العائلات التي نزحت من الصعيد والريف المصري".
وأضاف الشاذلي للجزيرة نت "لذلك عندما يأتي النظام اليوم وينتزع تلك الملكيات المقنن غالبها بقانون وضع اليد، ويستبدلها بوحدات سكنية ضيقة بالأقساط فهذا يمثل تدنّيا في جودة الحياة، وضياعا للموارد ولحصيلة سنين طويلة من العمل الشاق للمواطنين، لذلك يفضلون البقاء على المغادرة".
ورأى الشاذلي أن تصريحات النظام في ما يتعلق بالعشوائيات ما هي إلا ورقة أخرى من أوراق الاقتصاد الكلي الساعي لإرسال رسائل مغلوطة للمؤسسات الدولية، بغرض تعليل الاقتراض المستمر والبحث عن قروض جديدة، تنفق بعيدا عن أولويات النهضة والصناعة والتعليم والنقل والصحة، وبعيدا عن حياة المصريين، حسب تعبيره.
حجم المخالفات العقارية
وكشف الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح مشروعات سكنية بديلة للمناطق غير الآمنة، منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن ما يراوح بين (30-40%) من مساحة المباني المقامة في مصر ناتج عن تعدّيات وليست مباني مخططا لها، وأن تراكمها أدى إلى تفاقم أزمة العشوائيات.
وأضاف السيسي أن المباني المقامة على أراض زراعية هي عيب مواطنين في المقام الأول، لأن المحليات لا يمكنها وحدها أن تواجه سباق التعدي الهائل على الأراضي الزراعية، على حد قوله، مشيرا إلى أن حجم مخالفات البناء التي رُصدت في السنوات الثلاث والنصف الماضية بلغ 2.8 مليون مخالفة، مؤكدا أن هذه القضية ليست قضية رئيس ولا حكومة بل هي قضية دولة وشعب.