بين القصف والخيام المحترقة والباردة.. مآسي أطفال بالشمال السوري
سيلا الوافي
آخر فصول هذا الوضع المأساوي وفاة تسعة أشخاص -بينهم أطفال- جراء البرد الشديد وانعدام وسائل التدفئة.
يروي منصور وليد الحمادي للجزيرة نت مصير ابن عمه مصطفى الحمادي الذي قضى نحبه مع زوجته أمون وطفلته هدى (12) عاما وحفيدته حور (ثلاثة أعوام)، في بقايا خيمة اللجوء المهترئة.
انتهى الأمر بالأربعة إلى هذا المصير المحتوم بعد رحلة نزوح بدأت منذ سبعة أشهر، منذ خروجهم من قريتهم "كفرومة" بريف معرة النعمان الغربي ومرورا بمدينة بنش في ريف إدلب التي باتت هدفا لطائرات نظام الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا، وصولا إلى مخيم قرية كِلي بريف إدلب الشمالي الذي كان وجهتهم الأخيرة.
يصف وليد حال ابن عمه قبل موته قائلا "نتيجة وضعهم المعيشي السيئ وانعدام السكن، لجأ مصطفى إلى صنع ما يشبه الخيمة عبر استخدام أسياخ حديدية، أحكم إغلاقها وأوقد مدفأته أمام اشتداد البرد، لينعم مع أسرته بليلة دافئة، ولكن في صباح اليوم التالي استيقظ الجميع على نبأ وفاتهم اختناقا بدخان المدفئة".
البرد والتهجير
ويقول للجزيرة نت مدير المكتب الإعلامي في مدينة صوران جنوب مدينة حلب عبد القادر محمد -الذي كان شاهدا على وفاة التوأمين يوسف وصفا- إن التشرد والبرد والتهجير القسري الذي يعايشه السوريون هو سبب هذه الكارثة التي حلت بالأسرة.
نزح أبو يوسف إدريس والد التوأمين من قريته في ريف حلب الغربي بعد الحملة العسكرية التي شهدتها المنطقة، وانتهى إلى غرفة نائية في أرض طينية على أطراف قرية صوران، ليقضي طفله يوسف البالغ من العمر ثمانية أشهر نتيجة البرد القارس وتلحق به توأمته صفا بسبب الجوع والبرد.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين بصور وقصص الأطفال الذين قضوا نحبهم نتيجة البرد والاختناق والحروق في المخيمات، ولكل من هؤلاء قصة مختلفة في التفاصيل، متشابهة في المعاناة.
ونشر الطبيب العامل في مشفى عفرين بريف حلب حسام عدنان -عبر حسابه على فيسبوك- تفاصيل وفاة الطفلة "إيمان أحمد ليلى"، وهي من مهجري الغوطة الشرقية وتبلغ من العمر سنة واحدة.
يقول عدنان "حين وصلت الطفلة إلى المستشفى كانت قد فارقت الحياة بسبب توقف قلبها وجهازها التنفسي، وذلك لأن والدها قطع عدة كيلومترات سيرا على الأقدام بين الثلوج والرياح، غير مبالٍ بتقطع الطرقات لإنقاذ طفلته المريضة التي لم تقوَ على مجابهة البرد بجسدها الغض".
والثلاثاء الماضي، توفي الطفل عبد الوهاب أحمد الرحال -البالغ من العمر سبعة أشهر والمهجر من مدينة خان شيخون- في مخيم الجزيرة بقرية أطمة الحدودية في ريف إدلب الشمالي، بسبب البرد القارس وانعدام وسائل التدفئة.
كما أعلن الإعلامي والسياسي السوري عمر مدنية عبر حسابه على تويتر وفاة الطفل أحمد محمد ياسين البالغ من العمر ثلاث سنوات وهو من نازحي معرة النعمان، نتيجة البرد القارس وموجة الصقيع التي تضرب شمال سوريا، في ظل شح وندرة المساعدات الإنسانية كتأمين المأوى ووسائل التدفئة ومواد التغذية الخاصة بالأطفال الرضع.
نداءات دون جدوى
وأعربت الشبكة السورية لحقوق الإنسان -في بيان صحفي نشرته الخميس- عن وفاة 167 مدنيا سوريا بينهم 77 طفلا و18 امرأة، بسبب البرد في شمال سوريا منذ مارس/آذار 2011 حتى 31 يناير/كانون الثاني 2020.
ووجهت الشبكة نداءً عاجلا لإغاثة قرابة 700 ألف مهجّر قسريا بسبب الهجمات التي يشنها الحلف الروسي الإيراني السوري على شمال غرب سوريا، في ظل موجة البرد التي تضرب المنطقة.
وأشارت الشبكة إلى أن حالات الوفاة ترجع للتشريد والنزوح والحصار، حيث لا غذاء ولا دواء، والإقامة في خيام بدائية لا تقي البرد القارس لغياب وسائل التدفئة اللازمة.
بدوره يؤكد مدير فريق منسقي الاستجابة في الشمال السوري محمد حلاج -للجزيرة نت- أن أعداد المخيمات في الشمال السوري وصلت إلى 1259 مخيما في شمال غرب سوريا، نتيجة للحملة العسكرية التي يشنها النظام وسوريا.
ويتخلل هذه المخيمات النظامية 348 مخيما عشوائيا غير قابل للسكن، يقطنها حوالي 181 ألف نسمة، وقد زادت أعدادها هذه السنة (أي فقط خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط) بمعدل 106 مخيمات، بزيادة نحو ستين ألف نسمة زيادة بحسب الحلاج.
ويوضح أن غالبية حالات الوفاة كانت بسبب انخفاض درجات الحرارة وسوء استخدام وسائل التدفئة التي ينتج عنها اشتعال الحرائق، بالإضافة إلى الاختناق بالغازات السامة الناتجة عن عمليات حرق مواد غير صالحة للتدفئة.
ويشير الحلاج إلى أن هناك حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، خاصة أدوات التدفئة، للتقليل من حجم هذه الكوارث.