المحيط الهندي نموذج للنظام العالمي الجديد

قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولورادو الأميركية بيتر هاريس إن العلاقات الجيوسياسية في العالم في القرن الحادي والعشرين تبدأ من المحيط الهندي، وإن النظام السياسي في هذه المنطقة محكوم بأن يكون متعدد الأقطاب.
وأوضح هاريس بمقال له في مجلة ناشيونال إنترست الأميركية أنه مهما يكن شكل النظام العالمي الذي سيظهر في منطقة المحيط الهندي، فإنه يجب أن يتلاءم مع حقيقة أن هناك العديد من القوى الكبرى التي لها مصالح حيوية في هذه المنطقة، ولذلك يجب أن يكون متعدد الأقطاب سواء كانت هذه الأقطاب في حالة صراع أو تعاون.
وسرد الكاتب تاريخ القوى السياسية التي سيطرت على منطقة المحيط الهندي، مشيرا إلى هيمنة الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عنها الشمس من سواحل أفريقيا الشرقية غربا إلى إندونيسيا شرقا وأستراليا جنوبا وشبه الجزيرة العربية والهند شمالا، وذلك حتى منتصف القرن الماضي، ثم أعقبها الوجود الأميركي الذي هيمن على المنطقة تدريجيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أصبح القوة التي لا تضاهيها قوة.
ترسيخ التعدد
وقال هاريس إنه وبعد قرون من الهيمنة الأحادية على منطقة المحيط الهندي، فإن وجودا لتعدد القوى الكبرى في العالم بدأ يترسخ فيها، مدللا على ذلك بإعلان الهند تشييد قاعدة عسكرية لها في جزيرة سيشل بالقرب من الساحل الشرقي لأفريقيا، تطل على الممر التجاري الهام الممتد من قناة موزمبيق إلى بحر العرب.
وأشار إلى إعلان الصين العام الماضي تشييد أول قاعدة عسكرية لها بالمنطقة في جيبوتي، مع الاستمرار في تعزيز وتوسيع قدراتها البحرية ببناء أول حاملة طائرات لها.
بيتر هاريس: بعد قرون من الهيمنة الأحادية على منطقة المحيط الهندي، فإن وجودا لتعدد القوى الكبرى في العالم بدأ يترسخ |
وأضاف أنه ومع الوجود الطاغي للولايات المتحدة في المحيط الهندي وجواره في دييغو غارسيا وجيبوتي والبحرين وغيرها، فإن من الواضح أن هناك ثلاث قوى كبرى تسعى بكل تأكيد لتوسيع قدراتها العسكرية في المنطقة، بالإضافة إلى قوى متوسطة الحجم مثل بريطانيا وفرنسا لها هي الأخرى وجود عسكري ما.
ثلاثة سيناريوهات
واستمر هاريس يقول إن نظرية العلاقات الدولية تحدد ثلاث سيناريوهات للعلاقات بين القوى في المحيط الهندي: الأول هو التعاون بين هذه القوى لمكافحة القرصنة والحفاظ على الاستقرار الجيوسياسي وحماية مسارات التجارة البحرية، ووصف هذا السيناريو بأنه حلم الأكاديميين الليبراليين الذين يرون قليلا من تعارض المصالح في رؤى هذه القوى لمستقبل المنطقة.
والثاني هو أن منطقة المحيط الهندي ستصبح مركزا لمنافسة القوى الكبرى، بل مركزا لصراع فعلي استنادا إلى عدم الثقة واختلاف المصالح بين هذه القوى، وقال إن هذا السيناريو هو ما يعتقد به الأكاديميون الواقعيون المتشائمون.
نظم جديدة
أما السيناريو الثالث فهو أن المنطقة ستكون مسرحا لنظام عالمي جديد، أو للدقة: لنظم عالمية جديدة، تذهب فيه كل قوة كبرى إلى تنظيم محيط نفوذها المستقل والمتميز عن محيطات القوى المنافسة.
وأوضح أن مثل هذا السيناريو الأخير عرضه شارلس كابشان في كتابة المعنون "عالم لا يهيمن فيه أحد"، وحاجج فيه بأن النظام العالمي القادم سيتصف باللامركزية، التعددية والتعايش.
وقال أيضا إن الحقائق على الأرض تشير إلى وجود تعاون دولي فعلي ضد القرصنة، وفي الوقت نفسه إلى المزيد من العسكرة مع تزايد احتمالات المنافسة وبالتالي الصراع.