تايوان.. القنبلة الجيوسياسية الموقوتة

A man looks at a giant screen showing news footage of military drills conducted in areas around the island of Taiwan by the Eastern Theatre Command of the Chinese People's Liberation Army (PLA), in Beijing, China May 24, 2024. REUTERS/Tingshu Wang
شاشة عملاقة تعرض لقطات لمناورات عسكرية أجرتها قيادة المسرح الشرقي لجيش التحرير الشعبي الصيني في مناطق حول تايوان (رويترز)

تتعدّد المخاطر التي يشهدها العالم اليوم، وقد حصرها المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع شركة مارش ماكلينان ومجموعة زيورخ للتأمين في تقريره الذي أصدره في 10 يناير/ كانون الثاني 2024 في مخاطر رئيسية أربعة تُعد محل اتفاق أكثر من ثُلثي الخبراء الذين ساهموا في إعداده، وتشمل هذه المخاطر التغير المناخي، التغيرات الديمغرافية، التقنيات التكنولوجية الناشئة، والصراعات والنزاعات الجيوسياسية، وتوظيف التكنولوجيا في إدارتها.

وما يهمنا في هذا المقال النوع الرابع من المخاطر وأخذ قضية تايوان كنموذج للتحليل، إذ تُمثل هذه القضية واحدة من النزاعات الجيوسياسية المحتملة التي يبدو فيها بشكل جلي تشابك التوترات الجيوسياسية والتكنولوجيا كواحدة من أهم المخاطر الأمنية التي تواجه العالم في إطار التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين.

فتايوان اليوم تُعدُ – حسب رأي كثير من المشتغلين في حقل العلاقات الدولية – المكان الأكثر خطورة على وجه الأرض منظورًا إليها من زاوية رغبة القيادة الصينية التي أعربت باستمرار عن عزمها تحقيق إعادة الوحدة مع تايوان، حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة العسكرية وقابلية أن تقود تلك الخطوة إلى اندلاع حرب بينها وبين الولايات المتحدة، وبناءً على تلك الاحتمالية تبرز عدة تساؤلات منها إلى أي مدى تُعتبر الصين جادة في تهديداتها بغزو تايوان؟

وماذا يعني هذا بالنسبة لمعادلة الصراع الإستراتيجي بين القوتين العظميَين في العالم الآن؟ ولماذا تعد تايوان مهمة، ولماذا يجب على أميركا أن تهتم بمصيرها؟ وهل الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن تايوان والحفاظ على التزامها بالسلام والاستقرار في المنطقة؟ وما علاقة هذه المعركة المُحتملة بتحديد موازين القوى العالمية ومن ثم تحديد هوية القوة المسيطرة على النظام الدولي المتوقع تبلوره وتشكُله على خلفية تلك التداعيات؟

الأهمية التنافسية لتايوان

أضفى الموقع الجيوستراتيجي لتايوان بعدًا مُهمًا لهذا المضيق، فضلًا عن أنّ ارتباطها ببحر الصين لعب دورًا بارزًا في رفع قيمتها التنافسية التي تتميز بها. فخليج تايوان يربط بحر الصين الجنوبي في الجنوب ببحر الصين الشرقي في الشمال، والذي يُمثل – بحر الصين الجنوبي- واحدًا من أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم، إذ يُقدر حجم التجارة البحرية التي تعبره سنويًا بما قيمته 3.4 تريليونات دولار، ويشمل ذلك إمدادات الطاقة لحلفاء الولايات المتحدة في الإقليم، وهما اليابان وكوريا الجنوبية، ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، يحتوي مضيق بحر الصين الجنوبي على نحو 11 مليار برميل من النفط المصنف كاحتياطيات "مؤكدة" أو "محتملة".

وتبدو ثمة علاقة واضحة بين السيطرة على تايوان والتحكم في بحر الصين الجنوبي، فالسيطرة على تايوان تمنح الصين الكثير من المزايا الإستراتيجية في إطار سعيها لتغيير معادلة القوة العالمية والتحول من خانة الدولة الكبرى إلى مربع الدولة العظمى، وذلك من قبيل حصولها على قاعدة عمليات متقدمة لمراقبة حركة الملاحة البحرية والسيطرة عليها، وفرض القوة الجوية والبحرية في عمق بحر الصين الجنوبي، بجانب استفادتها مما تمتلكه تايوان من قدرات عسكرية نوعية تحصل عليها من أميركا.

ولعل كبرى الميزات التنافسية التي ستتوفر للصين في حال ضمها تايوان، هي إثبات قوتها العسكرية ونفوذها الدولي الذي ربما قاد لتأسيس نظام دولي جديد قائم على تعدّد الأقطاب بدلًا عن النظام الأحادي الذي تديره الولايات المتحدة الآن.

أما بالنسبة لواشنطن فإنّ تايوان تُمثل أهمية إستراتيجية كبرى من الناحية الأمنية، إذ تتمتع بخليج يقع عند عقدة حاسمة داخل سلسلة الجزر الأولى، والذي يساعدها في ترسيخ شبكة من الحلفاء والشركاء الرئيسيين في منطقة تمتد من الأرخبيل الياباني إلى الفلبين وحتى بحر الصين الجنوبي، وهو أمر بالغ الأهمية لأمن المنطقة وحاسم للدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة في منطقة المحيطين: الهندي والهادئ، وحاسم كذلك لجهة منع الصين من السيطرة على بحر الصين الجنوبي ومن ثم إعلان سيطرتها على آسيا كخطوة رئيسية في تنافسها الإستراتيجي مع الولايات المتحده وشركائها الإقليميين.

لذا فإنّ مصير تايوان سيحدد إلى حد كبير توازنَ القوى الإقليميَّ والدوليَّ، ولهذا فإنّ اهتمام واشنطن بتايوان ينبع من الرغبة في احتواء بكين ومنعها من إقامة بنية تحتية عسكرية تشمل أجهزة المراقبة تحت الماء والغواصات ووحدات الدفاع الجوي على الجزيرة بالشكل الذي يجعلها – الصين – قادرة على الحد من عمليات الجيش الأميركي في المنطقة، وبالتالي قدرته – الجيش الأميركي – على الدفاع عن حلفائه الآسيويين.

النوايا الصينية

لم يعُد خافيًا على المراقبين نية الصين ومساعيها الجادة في ضم تايوان للاعتبارات التي تمت الإشارة إليها، ومن بين أحد أقوى المؤشرات التي تصب في هذا الاتجاه هو ما تم الإعلان عنه في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بأنّ الرئيس الصيني شي جين بينغ سيتولى فترة ولاية ثالثة غير مسبوقة في قيادة الحزب الشيوعي الصيني، ونشير هنا إلى الخطاب الذي ألقاه أمام المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، والذي قال فيه إنّ "إعادة الوحدة الكاملة لبلدنا يجب أن تتحقق، ويمكن تحقيقها بلا شك"، مضيفًا بالقول إنّ جمهورية الصين الشعبية "تحتفظ بخيار اتخاذ جميع التدابير اللازمة".

ويبدو من تصريحات الرئيس الصيني العلنية أنّ الصين تنتظر اللحظة المواتية لضم تايوان، ويجب أن نقرأ تصريحات شي جين في سياقين: الأول يرتبط بحرصه الشديد على إنجاز هذه المهمة بكل الوسائل المتاحة في فترة ولايته الثالثة، والثاني من خلال العمل على أن يتم ذلك في سياق الرؤية الإستراتيجية للصين 2030، فهذا العام يُمثل منعطفًا حاسمًا بالنسبة للصين على صعيد التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي وبناء القدرات العسكرية، فضلًا عن الالتزامات البيئية، وسيكون لهذه التطورات آثار كبيرة ليس فقط على الصين بل وعلى العالم أجمع.

وفي ذات المنحى المرتبط بنية الصين ضم تايوان أفادت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز إبان إحاطتها للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في مايو/ أيار 2022، بأن "الصين تراقب كيف تستجيب دول العالم لروسيا وتفكر في غزو محتمل لتايوان". وعضد هذا المعنى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في المنتدى الأمني بمدينة شانغريلا بسنغافورة في يونيو/حزيران 2022 بالقول " أنا شخصيًا لدي شعور قوي بالإلحاح بأن أوكرانيا اليوم قد تصبح شرق آسيا غدًا".

الإستراتيجية الأميركية

تعتمد الولايات المتحدة على مبدأ تعزيز الردع في مضيق تايوان، وقد أكد إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن في منطقة المحيطين: الهندي والهادئ، للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في 19 سبتمبر/أيلول 2023، أن وزارة الدفاع تعمل مع وكالات حكومية أخرى وحلفاء وأصدقاء؛ لتعزيز الردع عبر مضيق تايوان؛ لضمان السلام والازدهار في منطقة المحيطين: الهندي والهادئ، وترتكز إستراتيجية واشنطن على المبادئ الستة التي تم إقرارها في عام 1982، أثناء المفاوضات بشأن البيان المشترك الثالث بين الولايات المتحدة والصين بشأن مبيعات الأسلحة إلى تايوان، إذ تشمل هذه المبادئ الآتي:

  • عدم تحديد أميركا موعدًا لإنهاء مبيعات الأسلحة لتايوان.
  • لن تغير الولايات المتحدة شروط قانون العلاقات مع تايوان.
  • لن تتشاور الولايات المتحدة مع الصين مسبقًا قبل اتخاذ القرارات بشأن مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان.
  • لن تتوسط الولايات المتحدة بين تايوان والصين.
  • لن تغير الولايات المتحدة موقفها بشأن سيادة تايوان، ذلك أن المسألة هي مسألة يجب أن يقررها الصينيون أنفسهم سلميًا، ولن تضغط على تايوان للدخول في مفاوضات مع الصين.
  • لن تعترف الولايات المتحدة رسميًا بالسيادة الصينية على تايوان.

في السادس عشر من مايو/أيار 2016، اتخذ مجلس النواب الأميركي قرارًا متزامنًا، أعطى فيه الصياغة الرسمية الأولى للضمانات الستة، ليترافق ذلك مع تطور تشريعي مهم، جاء مؤكدًا على الالتزام الأميركي الرسمي بضمان أمن تايوان والتعهد بحمايتها.

ففي أواخر عام 2022، أقر الكونغرس قانونًا حمل مُسمى تفويض الدفاع الوطني لعام 2023، الذي وقع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن، وقد تضمن قسمًا بعنوان "قانون تعزيز مرونة تايوان". إذ يسمح هذا القسم بمنَح وقروض بقيمة 2 مليار دولار سنويًا لتايوان لمدة خمس سنوات، ويسمح بإرسال مليار دولار سنويًا للمخزونات العسكرية إلى تايوان في حالة الطوارئ.

التداعيات

ويبدو أحد أبرز التداعيات المتوقعة جراء احتلال الصين لتايوان هو هيمنتها على آسيا، وسوف يعني ذلك أن يكون لها نفوذ مسيطر على ما يقرب من نصف الاقتصاد العالمي. وبفضل هذه القوة، ستكون قادرة على أن تصبح الدولة الأغنى والأكثر أمنًا اقتصاديًا والأكثر نفوذًا في العالم، ونتيجة لذلك تستطيع أن تحول قوتها الاقتصادية المفترضة إلى تعزيز عناصر قوتها في القطاعات الأخرى، والتي يأتي على رأسها القطاع الأمني والعسكري.

أما بالنسبة للعالم فإن الشركات التايوانية تصنع ما يقرب من 70% من الرقائق الإلكترونية في العالم، ونحو 90% من أكثر الرقائق تقدمًا، وإذا فقد العالم القدرة الإنتاجية لتايوان، فلن يكون بمقدور أية جهة سدّ هذه الفجوة في الأمد القريب، الأمر الذي سيكون له انعكاسات خطيرة ومدمرة على الاقتصاد العالمي، خاصةً المنتجات التي تحتوي على التكنولوجيا تقريبًا، من الهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر والسيارات والطائرات والكثير من الصناعات الدفاعية والطبية.

يُضاف لذلك إمكانية حدوث اضطراب عالمي فيما يتعلق بسلاسل التوريد، الأمر الذي قد يتسبّب في نقص السلع وارتفاع الأسعار عبر مجموعة واسعة من الصناعات. وقد يؤدي هذا إلى توقف الإنتاج وتدهوره، بل وفقدان نسبة كبيرة من الوظائف.

سيناريوهات:

السيناريو الأول: إعادة الوحدة سلميًا في إطار دولة واحدة بنظامين

يعتمد هذا السيناريو على نجاح الصين في إقناع تايوان بقبول إعادة الوحدة بموجب نموذج دولة واحدة ونظامَين، على غرار نموذج هونغ كونغ وماكاو. وقد يتضمن هذا إجراء مفاوضات، وحوافز اقتصادية، وضمانات بالحكم الذاتي لتايوان، ولكن هناك عقبات تجعل منه خيارًا غير محتمل؛ نظرًا لتصاعد الإحساس بالهوية الوطنية التايوانية، وعدم الثقة في الوعود الصينية على خلفية تآكل الحكم الذاتي في هونغ كونغ.

السيناريو الثاني: المحافظة على الوضع الراهن مع الردع والدبلوماسية

يقوم هذا السيناريو على استمرار الوضع الحالي، مع احتفاظ تايوان باستقلالها الفعلي، واستمرار الدعم العسكري الأميركي مع تصاعد حدة الضغط من الجانب الصيني على تايوان دون استخدام القوة، وذلك في إطار تفادي المخاطر المحتملة للصراع مع الولايات المتحدة. وهذا السيناريو يعد الأقرب من بين السيناريوهات المطروحة.

السيناريو الثالث: الصراع العسكري مع التدخل الأميركي المحدود

يعتمد هذا السيناريو على قيام الصين بشن عملية عسكرية محدودة ضد تايوان؛ بهدف الاستيلاء على الجزر النائية أو حصار الجزيرة الرئيسيّة، الأمر الذي سيدفع أميركا للتدخل عن طريق توجيه ضربات عسكرية محدودة، وتقديم المساعدة لتايوان، مع تجنّب الدخول في حرب شاملة مع الصين.

السيناريو الرابع: حرب شاملة بين الولايات المتحدة والصين

يعتمد هذا السيناريو على قيام الصين بغزو تايوان على نطاق واسع، مما يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة. وقد يشمل هذا معارك جوية وبحرية ضخمة، وحربًا إلكترونية، وربما حتى أسلحة نووية.

الخلاصة

تُمثل تايوان منطقة حاكمة ولديها الكثير من الميزات التي تجعلها مؤهلة لحسم صراع النفوذ والقوة بين الشرق بقيادة الصين، والغرب بقيادة الولايات المتحدة على المديَين: المتوسط والبعيد.

ورغم مخاطر أي نوع من أنواع المواجهة بين القوتين، يظل احتمال المواجهة العسكرية الشاملة خيارًا لا مفرّ منه من منظور المدرسة الواقعية الهجومية في العلاقات الدولية ولو على المدى الطويل من واقع أنّ نشوء واضمحلال الإمبراطوريات يظلان محكومين بعوامل القوة وليس قوة القانون.

ويظل الباب مفتوحًا لاختبار صحة ما ذهب إليه إيان إيستون الأستاذ المشارك في معهد الدراسات البحرية الصينية التابع لكلية الحرب البحرية الأميركية في كتابه القيم: "التهديد بالغزو الصيني""The Chinese Invasion Threat" بأنّ الصين كانت تستعد بنشاط لمثل هذا الغزو لسنوات عديدة، وأنها الآن قادرة على شنّ هجوم ناجح.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان