دمتَ حيًّا سيدي الرئيس الشهيد
نعم دمتَ حياً، وهل يموت الشهداء؟ دمت حيا لأنهم قتلوك بعد أن يئسوا من إجبارك على الاستسلام والاعتراف بالانقلابيين ومغتصبي الشرعية، ودفعت حياتك ثمنا لهذه الشرعية فصدق فعلُك قولَك بعد أن قلت: "الشرعية ثمنها حياتي".
دمت حياً لأن استشهادك أضاء طريق الملايين، وبث روح المقاومة في نفوسهم سعيا لاستعادة مجد ثورتهم وكرامة وطنهم، وفتح بابا جديدا للعمل الوطني لن يُغلق إلا بإعادة الأمور إلى نصابها في مصر.
دمت حياً لأن روحك ستظل تسري في نفوسنا حتى نلقاك، آملين أن نكون أهلاً للأمانة التى حملتها عنا سنوات، وأودعتها اليوم بين أيدينا بعد أن اغتالتك يد الغدر والخيانة التي اختطفت مصر وثورتها بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، ولا تزال تختطفها، وتبيع الأرض، وتهدر الثروة، وتهتك الأعراض، وتستبيح الدماء، وتشرد الأبناء.
دمت حياً، يا رفيق الرحلة الطويلة التي تجاوزت ربع قرن، كنت فيها بالنسبة لي مثالاً للجدية والوفاء والإخلاص والتفاني، ونموذجاً للبذل والعطاء، ونبراساً للقيم النبيلة والأخلاق الكريمة.
واليوم -ونحن نحتفل بك- تمرّ سيرتك العطرة أمامي مشرقة، وأنا أتذكر الكثير من المواقف والأزمات التي عشناها معاً، وكيف كنتَ صلداً صلباً في مواجهتها، والأوقات المختلفة بحُلْوها ومُرّها.
وكيف لي أن أنسى يوم اجتماع الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة التي رشحتك للرئاسة في حال استبعاد المهندس خيرت الشاطر، وكنت رافضا لهذا الترشيح متحرّجا منه، ولكنك قبلت بعد إلحاحنا بأن هذا تكليف وليس تشريفا، وقبلته على هذا الأساس قبولا بالأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقك.
دمتَ حياً لأن روحك ستظل تسري في نفوسنا حتى نلقاك، آملين أن نكون أهلاً للأمانة التى حملتها عنا سنوات، وأودعتها اليوم بين أيدينا بعد أن اغتالتك يد الغدر والخيانة التي اختطفت مصر وثورتها بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، ولا تزال تختطفها، وتبيع الأرض، وتهدر الثروة، وتهتك الأعراض، وتستبيح الدماء، وتشرد الأبناء |
أو أنسى عندما سألك أحد المذيعين المحسوبين على الثورة المضادة إن كنت تدرك ما أنت مقبل عليه من تحديات؟ في نبرة تهديد لا يخطئها أحد؛ فقلت إنك تدرك أن كل من يتصدى لهذه المهمة في هذا التوقيت سيكون كالمُقدم على الانتحار، ولكنك تتقبل هذه المسؤولية استجابة للتحدي وإيمانا بحتمية القيام بالواجب.
أو أنسى أنك -رغم هذا- خضت المعركة الانتخابية باقتدار، وأقنعت المصريين بأن يضعوك في المركز الأول بين باقي المرشحين في كلتا الجولتين الانتخابيتين.
أو أنسى يوم وقفت كالأسد مدافعا عن أهل غزة أمام العدوان الصهيوني الغاشم في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، واستطعت باقتدار وقف آلة العدوان واحتواء الأزمة بجهد أشاد به العالم كله.
إنني اليوم -سيدي الشهيد- أحتفل مع الملايين في العالم أجمع، ممن أصبحتَ لهم رمزاً وقدوة، بقيمك ومبادئك وثباتك وصمودك ونضالك، في مواجهة قوى الفساد والاستبداد والتسلط والخيانة والتآمر.
سيدي الشهيد؛ لقد كان اختيارك لي وزيراً -قبل وقوع الانقلاب العسكري الغاشم الذي شهدته مصر في يوليو/تموز 2013- وساماً على صدري، وجاء تكليفي بوزارة التخطيط والتعاون الدولي أمراً ببذل المزيد من الجهد والعطاء في ميدان جديد من ميادين ثورتنا، رغبة في إعادة بناء هذه الوزارة وتعزيز دورها في استعادة دور مصر الحضاري في الإطارين الإقليمي والدولي، ولكن كان للخونة والمنقلبين رأي آخر يقضي بوقف المسيرة، بتواطؤ كبير من أعداء الثورة في الداخل والخارج.
لقد عشنا معاً شهوراً وسنوات نتناقش ونتحاور ونفكر معاً، قبل ثورة يناير وبعدها، وكان لي شرف الوجود معك وأنت رئيس لحزب الحرية والعدالة، أميناً له في محافظة الجيزة، بعد تأسيسه ليكون المظلة الرسمية للمشاركة في العملية السياسية، والمساهمة في الوصول إلى التوافق السياسي مع كل القوى السياسية والكيانات والتيارات التي أفرزتها الثورة، رغم ما يواجهه هذا الأمر من تحديات.
وهنا لا أنسى موقفك الكبير الذي يدل على سداد في الرؤية والبصيرة، وقدرة على احتواء الكثيرين، بعد إعلان نتيجة الإعادة في انتخابات مجلس الشعب بعد الثورة في دائرة الدقي والعجوزة وامبابه التي كنت أنا منافساً فيها، ودعمك لفكرتي بعدم الطعن في النتائج، رغم كثرة الشواهد التي كانت بين أيدينا على وجود ثغرات كبيرة في العملية الانتخابية برمّتها، وكان ما تحقق من عدم الطعن أفضل عشرات المرات من الطعن، من صورة ذهنية إيجابية ترسخت لدى الكثيرين بعد ذلك عن رؤيتنا وأهدافنا الأكبر والأسمى.
ومع ترشيحكم من قبل الحزب للمشاركة في الانتخابات الرئاسية؛ كان طبيعياً أن تزيد الضغوط والتحديات التي يمكن أن تترتب عن هذا الترشح، مقارنة بكل المراحل التي سبقتها، سواء بالنسبة لكم أو بالنسبة لنا كحزب جديد وليد.
ولكن تشهد كل المواقف التي عشناها معاً على كمّ الجهد والإصرار والعطاء الذي بذلتَه، رغم تحديات الوقت أحياناً، والأزمات التي صنعتها كل قوى الثورة المضادة في مواجهة هذا الترشح، حتى كان الحصاد يوم إعلان النتيجة التي أكدت الإرادة الشعبية الحقيقية للمصريين، إذا ما أتيحت لهم الفرصة للمشاركة الجادة والحقيقية في انتخابات حرة ونزيهة، على طريق مسار ديمقراطي يتوِّج جهدهم وجهادهم في ميادين الثورة.
ومع اليوم الأول لكم في حكم مصر، ورغم كل التحديات والصعوبات التي عشناها قبل الثورة؛ كان هذا اليوم في تاريخ مسيرتنا معاً على المستوى المؤسسي أو على المستوى الشخصي- يوما فاصلا مشهودا، ولمَ لا وقد أصبحت هذه الصعوبات وتلك التحديات أشد وطأة وأكثر تعقيداً وتشابكاً؟
ولكنك -سيدي الشهيد- كنت دائماً أهلاً لها في مختلف الميادين وعلى كل المستويات، سواء في هذا الحجم الهائل من الزيارات الخارجية الذي قمت به خلال العام الأول من رئاستك قبل أن ينقلبوا عليك، أو الوفود الخارجية التي استقبلتها، أو المؤتمرات والفعاليات الداخلية والخارجية التي كنت فيها عنواناً لمصر الحرة الجديدة، وتعبيراً عن قيم ثورتها الشعبية.
أو في حجم الجولات الميدانية الداخلية لمعظم محافظات مصر، وحرصك الدائم على الوجود المباشر بين المواطنين في كل مناسباتهم، والانفتاح والتفاعل مع كل الرموز والشخصيات السياسية والكيانات والمؤسسات الحكومية والمدنية، الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية.
لقد كنتَ -سيدي الرئيس الشهيد- دائماً أهلاً لمواجهة التحديات والصعوبات في مختلف الميادين وعلى كل المستويات، سواء في هذا الحجم الهائل من الزيارات الخارجية الذي قمت به خلال العام الأول من رئاستك قبل أن ينقلبوا عليك، أو الوفود الخارجية التي استقبلتها، أو المؤتمرات والفعاليات الداخلية والخارجية التي كنت فيها عنواناً لمصر الحرة الجديدة، وتعبيراً عن قيم ثورتها الشعبية |
وكذلك سعيك المستمر نحو الانفتاح على الجميع، رغم ما تعرضت له من إساءات من كثيرين وحملات تشويه مخططة وممنهجة من قوى الثورة المضادة والداعمين لها والساعين في ركابها، فلم تكن يوماً من أيام رئاستك رئيسا لفصيل أو تيار دون آخر، ولكنك أصبحت -وبحق ويشهد الله- رئيساً لكل المصريين.
ورغم كل محاولات المضادين لثورتنا وقيمها ومبادئها النيل من دورك ومكانتك، والتعامل معك كأنك رئيس للإخوان، فحتى بعد أن اغتالوك حرصوا على دفنك في مقابر مرشدي الجماعة لترسيخ هذه الصورة عند البعض؛ فإن الله ردّ عليهم مكرهم، وجعل منك ليس فقط زعيماً وطنياً مصرياً، بل رمزاً إنسانياً وقائداً عالمياً.
ولقد تجاوزت في ذلك كثيرا ممن سبقوك من نماذج الإنسانية العالمية، مثل نلسون مانديلا الذي خرج من سجنه فأصبح رئيساً، بينما أنت -سيدي الرئيس- دخلتَ السجن رئيساً وخرجتَ منه شهيداً، وليس هناك في تاريخ البشرية أعظم من الشهادة في سبيل الحق والحرية والعدالة والمساواة، والدفاع عن سيادة الأرض وكرامة الوطن والمواطن.
ما زلت أذكر -سيدي الرئيس- عندما التقيتُ بكاترين أشتون مبعوثة المجتمع الدولي في اليوم التالي لذهابها إليك في محبسك، لإقناعك بالتنازل وقبول الأمر الواقع، لكنها لم تقصّ علي ما حدث بينكما، إلا أنها ذكرت أنك رجل شديد الذكاء وتدرك ما يحدث جيدا رغم سجنك معزولا عن العالم.
ولم أدرك ما قصدتْه بهذه الجملة إلا بعدها بعدة أشهر، عندما ذكر أحد محاميك أنك قلت له إن أشتون طلبت منك التنازل على أساس أن كل من يطالبون بعودتك في الميادين خمسون ألف شخص فقط، فقلت لها لو كانوا خمسين ألف شخص لما جئتِ إليّ اليوم.
لقد أصبحتَ بعد استشهادك -سيدى الرئيس- مثالاً للصمود والإرادة الوطنية الصادقة والمخلصة، وستبقى دماؤك الطاهرة نوراً تسترشد به الأجيال القادمة في سعيها نحو الحرية والكرامة.
وأعاهدك -سيدي الرئيس الشهيد -بإذن الله- ألا يهدأ لي بال حتى يتم التحقيق في مقتلك، ويدان قاتلك الحقيقي الذي نعرفه جميعا، بعد زمن يطول أو يقصر، ويأذن الله أن تقام عدالته في الأرض قبل أن ينصب ميزان عدالة السماء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.