النظام السعودي يخسر.. إنه ينتحر!
ربما يلمس المتتبع للسياسة الخارجية السعودية أن السعوديين مصابون بالهستيريا، وهم يفقدون توازنهم على الساحتين الإقليمية والدولية، ويؤلبون ضدهم دولاً وشعوباً وأمماً. يبدو أنهم يفقدون صوابهم ويقبلون على مغامرات غير محسوبة، وتنتهي إلى تصرفات سادية لا طائل منها سوى إلحاق الأذى بالآخرين، وتدمير بناهم وتمزيق أواصرهم وتفريق شملهم.
حاصروا أنفسهم بكابوس اسمه إيران، وفزعوا وانهارت أعصابهم واشتعلت في رؤوسهم نيران الحقد والانتقام وارتعدت فرائصهم لينافسوا الصهاينة في تبني الإرهاب والإرهابيين في أنحاء العالم، فلا هم راغبون في التخفيف من حدته، ولا هم قادرون على مواجهته، وهم يتصرفون كمن أعجزته مشاق الحياة وفضل الانتحار.
أشعل السعوديون بتحريض وتشجيع أميركي حربا ضروسا بين العراق وإيران بحجة حماية ما سمي بالبوابة الشرقية للوطن العربي. ألحقت الحرب دماراً هائلاً بالبدين، وحصدت نفوس مئات الآلاف من شبابهما، واستنزفت الطاقات المالية العربية وخاصة طاقات دول الخليج التي مولت الحرب لصالح العراق. وانتهت الحرب بهزيمة كل أطرافها باستثناء الأميركيين والصهاينة.
كانت إيران شيعية قبل قيام الثورة الإيرانية، ولم يناصبها السعوديون العداء لأن حاكمها آنذاك كان إحدى أدوات السياسة الأميركية في الخليج والمنطقة العربية. هناك من الإيرانيين من استعمل خطاب الفتنة بين السنة والشيعة لكنهم لم يكونوا ممثلين للنظام الإيراني، لكن العرب استعملوا خطاب الفتنة رسمياً وكتعبير عن توجهات الحكام العرب |
لقد كانت أميركا -ومعها الصهاينة- تهدف لقتل الثورة الإيرانية في مهدها، وإبعاد الخطر الذي كان يمكن أن يترتب على نجاحها. وهكذا خسرت إيران لأنها كانت تتطلع إلى غد أفضل وتحسين ظروف الشعب الإيراني المعيشية، والسير قدما في طريق التطوير، فساهم العرب في كبح تطلعاتها وأجبروها على إنفاق أموالها على حرب تنطوي على كل ضرر.
كما خسر العراق لأن إيران بقيت صامدة ولم ينهر نظامها السياسي، وبلدان العرب -وعلى رأسها السعودية- خسرت لأن خزائنها المالية استنفذت. أما أميركا والصهاينة فقد تلذذوا بسيل الدماء العربية والإيرانية واستنزاف أموالهم النفطية.
واستمر السعوديون في إثارة الفتنة الشيعية السنية وكأنهم حماة أهل السنة، في حين أنهم ابتعدوا كثيرا عن الله سبحانه وتعالى، وتبنوا فكرا إرهابيا وجماعات إرهابية كانت وما زالت أشد من أساء للدين الإسلامي.
طبعا يتهم السعوديون إيران بأنها هي التي تثير الفتن الدينية والطائفية في المنطقة، لكنني لم أجد ادعاء السعوديين صادقا، مع أنني كاتب أول كتاب عن الثورة الإيرانية في العالم، وتتبعت ردود فعل الدول تجاهها، وكنت أجد دائماً أن العرب عادوا الثورة الإيرانية منذ البداية، وأخذوا يستعملون فتنة السنة والشيعة لتحشيد الرأي العام العربي ضد إيران.
كانت إيران شيعية قبل قيام الثورة الإيرانية، ولم يناصبها السعوديون والعرب العداء لأن حاكمها آنذاك كان إحدى أدوات السياسة الأميركية في الخليج والمنطقة العربية. هناك من الإيرانيين من استعمل خطاب الفتنة بين السنة والشيعة لكنهم لم يكونوا ممثلين للنظام الإيراني، لكن العرب استعملوا خطاب الفتنة رسمياً وكتعبير عن توجهات الحكام العرب.
وبرر بعض العرب عداءهم لإيران بناء على ظنهم أن إيران تعمل على السيطرة على الوطن العربي وتوجيهه وفق أهوائها هي. وهذا تبرير ينقصه العقل والمنطق. أميركا تسيطر على أغلب البلدان العربية منذ عام 1945، ولم نسمع قادة البلدان العربية المحكومين أميركياً يدافعون عن استقلال العرب. وواضح أن المسألة لا تتعلق باستقلال العرب وسيادتهم، وإنما تتعلق بمن يدوس هامات العرب ويتحكم فيهم.
السعوديون -ومعهم العديد من الأنظمة العربية- يقاتلون إيران التي تقع ضمن دائرة الظن، لكنهم لا يأتون على ذكر الهيمنة الغربية التي يعبر عنها الواقع العربي المرير. يدعي العرب أن الإيرانيين يتحكمون الآن في أربع عواصم عربية (بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء)، وهذا ادعاء بحاجة إلى الكثير من الأدلة والبراهين، وليس إلى التهييج والخطاب الغوغائي.
لم تكن السعودية -التي ينتمي نظامها السياسي إلى العصور الظلامية الجاهلية- تعمل على إقامة الديمقراطية في سوريا، ولو كانت كذلك لبدأت بنفسها. النظام السعودي لا يعرف معنى الديمقراطية ولا يريد أن يعرفها، والأميركيون الذين يهيمنون على الحياة السعودية لا يعملون على إقامة الديمقراطية في المجتمعات العربية |
إذا كانت طهران قد عرضت على بيروت التسليح المجاني، وبيروت رفضت أو لم تعلن قبولها للعرض؛ فكيف تسيطر إيران على لبنان؟ وإذا كانت صنعاء تتعرض للهجوم السعودي منذ زمن طويل، ولم يثبت توريد إيران أسلحتها لليمن؛ فأين السيطرة الإيرانية؟ والعراق تعد لتحرير الموصل ولا نرى قوات إيران تتدخل بل نرى قوات تركيا.
أما دمشق فحكاية أخرى؛ فقد تدخلت السعودية -ومعها أغلب دول الخليج- في الصراع الداخلي السوري وأججت المشاعر وزادت لهيب الفتيل، وضخت كميات هائلة من المال والسلاح من أجل استمرار القتال وإلحاق الآلام بالشعب العربي السوري. لا أظن أن السعودية توهمت في لحظة أنها ستحقق انتصارا في سوريا، لكن بديلها لبقاء بشار الأسد كان إحراق سوريا وتشريد شعبها.
لم تكن السعودية -التي ينتمي نظامها السياسي إلى العصور الظلامية الجاهلية- تعمل على إقامة الديمقراطية في سوريا، ولو كانت كذلك لبدأت بنفسها. النظام السعودي لا يعرف معنى الديمقراطية ولا يريد أن يعرفها، والأميركيون الذين يهيمنون على الحياة السعودية لا يعملون على إقامة الديمقراطية في المجتمعات العربية، وحجتهم في الدفاع عن حرية الشعب السوري ليست مقبولة، وهي ليست سوى مجرد دعاية سياسية.
فهل السعودية تحرص على حرية الشعب السوري ولا تحرص على حرية الشعب العربي في الجزيرة العربية؟ وماذا عن حريات الشعوب العربية في الإقطاعيات العربية الأخرى؟ هل ستشعل السعودية حروباً أخرى دفاعاً عن حرية العرب؟ وهل ستوجه قدراتها العسكرية صوب فلسطين لتحرير الشعب الفلسطيني؟
السعودية توجه لومها باستمرار لنظام بشار الأسد على اعتبار أنه المسؤول الأول عن تدمير سوريا وإزهاق نفوس الناس، لكن هل هذا يشكل مبرراً لاستمرار ضخ المال والسلاح والجنود إلى الجماعات المعارضة وإذكاء نيران حرب لن تنتصر فيها السعودية؟
ليبيا أيضا ليست بمنأى عن جرائم آل سعود؛ فقد حرضوا الدول الغربية ضد معمر القذافي، واستدعوا القوات الأجنبية للحرب، واستعملوا الجامعة العربية لتعطي الغزاة مبرراً شرعياً لانتهاك الأرض العربية. وما زالت السعودية ودول عربية أخرى تضخ الأموال في ليبيا لاستمرار الدمار والخراب.
وفي اليمن تعيث السعودية فسادا فتنشر الدمار والقتل وسفك الدماء، ومن أبشع ذلك الجريمة الأخيرة التي اقترفها الطيران الأميركي/السعودي ضد صالة عزاء. شعب اليمن فقير جداً، ودائماً يبحث عن أرض صلبة للوقوف على أقدامه، ولم تجد السعودية أسهل من فتح حرب على بلد عربي ضعيف يفتقر إلى الموارد والداعمين والمساندين.
السعودية تعيث فسادا في اليمن فتنشر الدمار والقتل وسفك الدماء، ومن أبشع ذلك الجريمة الأخيرة التي اقترفها الطيران الأميركي/السعودي ضد صالة عزاء. شعب اليمن فقير جداً، ودائماً يبحث عن أرض صلبة للوقوف على أقدامه، ولم تجد السعودية أسهل من فتح حرب على بلد عربي ضعيف يفتقر إلى الموارد والداعمين والمساندين |
إنها تجرب أسلحتها -التي أنفقت المليارات الغزيرة على شرائها من أهل الغرب وبالأخص الولايات المتحدة– في هذا الشعب الأعزل، والعالم يلوذ بصمت رهيب، كما أن الجامعة العربية لا تحرك ساكنا، بل هي في الغالب من المتآمرين.
والسعودية تآمرت من أجل تخفيض أسعار النفط نكاية بإيران وروسيا. أرادت إفقار هاتين الدولتين لأنهما لا تركعان لأميركا، لكنها في النهاية أفقرت نفسها ومن معها من الدول النفطية. لقد أفادت بذلك المستهلكين الأفراد أصحاب العربات والسيارات، لكنها ألحقت أضراراً كبيرة بشعوب عديدة تصدر أنظمتها النفط والغاز.
والسعودية تدخل أحياناً في مغامرات البورصات العالمية فتفقد جزءاً كبيراً من ثرواتها، وبدل أن تستثمر هذه الثروة في بلدان عربية وأفريقية فإنها توفرها للذين يشترون النفط؛ إنها تعيد للدول الغربية أموالها عبر البورصات وشراء السلاح. ولو استخدمت السعودية هذه الأموال لتطوير القاعدة التقنية في البلاد العربية؛ لاستطاع العرب تطوير قدراتهم الاقتصادية والعسكرية واستقلوا عن سلاح أهل الغرب.
السعودية تُجْرم بحق العرب وبالذات بحق شعوب الجزيرة العربية، وهي توّلد لنفسها دائماً أعداء جدداً؛ إنها تعادي العرب والمسلمين، ولا يهمها سوى رضا أميركا وإسرائيل. ومن يعادي الناس يعادي الله، ومن عادى الله باء بغضب منه وأصبح أسير الفشل المستمر. ربما تظن السعودية أن لها أصدقاء.. ظاهريا: نعم، لكن هؤلاء ليسوا مواليَ لآل سعود، وإنما هم عبيد المال الذين يبحثون عن مصالح جيوبهم وأمعائهم.
السعوديون ينتحرون، ولا يبدو أنهم يبالون. ربما يظنون أنهم سينتصرون، وسيُخضعون منتقديهم وأعداءهم؛ وهذا وهم. السعوديون يخسرون في مختلف الجولات، خسروا في أفغانستان، وهم يخسرون في العراق وسوريا، وخسروا أمام حزب الله عام 2006، وأمام حماس 2008/2009 و2012.
وهم أيضا يخسرون في اليمن، كما خسروا معركة النووي الإيراني، وفشلوا في إشعال الفتن الطائفية في لبنان والعراق، وتوفيقُ الله سبحانه لن يكون أبداً من نصيب المعتدين. الهستيريا تصيب آل سعود منذ 1979، فقد كرسوا كل جهودهم لإسقاط النظام الإيراني ظنا منهم أن النظام في إيران عفوي وغوغائي فاقد للقدرة والإرادة. ربما قاسوا إيران سياسيا وفق مقاساتهم السياسية الخاصة بهم؛ فلم يصيبوا الهدف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.