كيف أحكم الرئيس الصيني قبضته القوية على ترمب؟
سيشهد العالم قريباً اختباراً تاريخياً للإرادة بين الصين والولايات المتحدة، وهما قوتان عظميان وقائداهما يعتبر كل منهما نفسه عظيما. وبعبارة أخرى؛ ستنشب المعركة حول التجارة. لكن القيادة الإستراتيجية لشرق آسيا والنظام الدولي على المحك.
وحسب واقع الحال؛ فإن الصين تحظى بموقف أقوى مما يدركه كثيرون. والسؤال هو عما إن كان لدى الرئيس الصيني شي جين بينغ الثقة الكافية لإثبات ذلك. إذ لم يكن اختبار الإرادة خيار الصين، لكنه لم يكن خيارا مفاجئا.
تتوافق الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخراً على واردات الفولاذ والألمنيوم والسلع الصينية الأخرى مع علامته الاقتصادية القومية. كما يعكس قراره بقبول دعوة كوريا الشماليةلإجراء محادثات ثنائية بشأن برنامجها النووي أسلوبَ التحدي ذاته، الذي طبقه في تهديداته السابقة للشمال بالحرب.
قد تختار الصين ألا تقاوم حرب ترمب التجارية على الإطلاق. مع تقديمها تنازلات رمزية يمكنها أن تقنع ترمب بالتراجع، مثل اتفاق لاستيراد الغاز الطبيعي المسال الذي تنتجه الولايات المتحدة. ولكن إذا كان الرئيس الصيني شي يشكّ في أن إظهار القوة سيعزز مكانة الصين الدولية، بينما يقوض مكانة الولايات المتحدة؛ فقد يقرر التصرف وفقًا لذلك |
سيكون الاختبار القادم تاريخيًا لأنه سيكشف عن نقاط القوة والمواقف الحقيقية للقوة المتصاعدة في العالم تجاه البلدان الضعيفة. وبغض النظر عن النتيجة؛ فإن هذا الاختبار من شأنه أن يشكل العالم طوال عقود قادمة.
على الصعيد التجاري؛ يمكن أن يعني الفائض الثنائي الكبير للصين مع الولايات المتحدة أنها ستخسر أكثر من حرب تجارية، لأن لديها المزيد من الصادرات التي تقضي بمعاقبتها إجراءاتُ ترمب الجديدة. إذ غالباً ما يقال إن دول الفائض ستكون دائماً الخاسر الأكبر في أي تصعيد للتعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز.
لكن هذا الافتراض يتجنب نقاطا متعددة؛ وبعبارة أخرى فإن الصين اليوم أكثر مرونة من الناحية الاقتصادية لآثار حرب التجارة مما كانت عليه من قبل؛ فقد انخفضت التجارة كنسبة من نشاطها الاقتصادي الإجمالي إلى النصف في العقد الماضي، فهبطت من أكثر من 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى 30٪ اليوم.
وعلاوة على ذلك؛ تتمتع الصين بمزايا متعددة من حيث السياسة الداخلية والدبلوماسية الدولية. وباعتبارها دولة دكتاتورية؛ فإن الصين تستطيع تجاهل احتجاجات العمال والشركات التي ستعاني من الرسوم الجمركية الأميركية.
وفي الولايات المتحدة، حيث ستُنظّم انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني القادم؛ فإنها ستتصاعد فيها احتجاجات المصدرين والمستوردين والمستهلكين الذين يواجهون تكاليف أعلى بشكل متزايد.
وبالطبع؛ قد يتجاهل ترمب أيضا الاحتجاجات المناهضة لحربه التجارية، إذا كان مقتنعا بأن التغلب على الصين سيُرضي ناخبيه الأساسيين، ويمكّنه من الفوز بإعادة انتخابه عام 2020. لكن من المرجح أن يكون للجمهوريين في الكونغرس موقف مختلف، خاصة إذا كانت ولاياتهم أو محافظاتهم من بين تلك التي تم تحديدها من قبل تعريفات الاستيراد الصينية.
وفيما يتعلق بالدبلوماسية الدولية؛ فإن حرب ترمب التجارية ستساعد الصين على تقديم نفسها كمدافع عن النظام الدولي القائم على القواعد والمؤسسات المتعددة الأطراف (مثل منظمة التجارة العالمية)، ولكن لن تحذو جميع الدول حذو الصين.
وبالإضافة إلى ذلك؛ لا تعترف منظمة التجارة العالمية بالصين كاقتصاد سوق، وذلك لمشاركة الحكومة الصينية المهمة في الصناعة والسرقة المزعومة للملكية الفكرية.
لكن الصين ستتاح لها فرصة لتلعب دور الضحية، في حين تقول إن الولايات المتحدة تشكل الآن أكبر تهديد لنظام التجارة العالمي الذي ساعدت في تأسيسه. وإذا استمرت الحرب التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة، فإن موقف الصين سيصبح أقوى، حيث ستعاني دول أخرى من الآثار المدمرة للرسوم الجمركية التي فرضها ترمب.
في قضية المحادثات المرتقبة بين كوريا الشمالية وأميركا؛ تعتبر الصين هي الرابحة؛ ففي حال وصلت المحادثات إلى طريق مسدود، فإن بكين ستُجبر كيم على المشاركة في المفاوضات وتضع أميركا في موقف "الرافض". وإذا وافقت الولايات المتحدة على أي تنازلات عسكرية؛ فإن ذلك سيعزز موقف الصين الإستراتيجي |
وفي الواقع؛ قد تختار الصين ألا تقاوم حرب ترمب التجارية على الإطلاق. مع تقديمها تنازلات رمزية تقنع ترمب بالتراجع، مثل اتفاق لاستيراد الغاز الطبيعي المسال الذي تنتجه الولايات المتحدة، ووعد بتقديم ضمانات جديدة لحقوق الملكية الفكرية.
ولكن إذا كان الرئيس الصيني شي يشكّ في أن إظهار القوة سيعزز مكانة الصين الدولية، بينما يقوض مكانة الولايات المتحدة؛ فقد يقرر التصرف وفقًا لذلك.
إن قضية كوريا الشمالية أكثر تعقيدًا، لكن هنا أيضا ستكون للصين ميزة. وحتى إذا لم تحرز المحادثات المرتقبة تقدما حقيقيا، فإن الصين تبدو فعلا وكأنها مواطنة عالمية جيدة. فخلال العام الماضي؛ كانت تضغط على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ليقبل التفاوض مع ترمب.
ومن خلال المشاركة في فرض عقوبات اقتصادية منسقة ضد نظام كيم، وبحسب ما ورد عن الحد من صادرات النفط الحيوية -وغيرها من الضروريات- إلى الشمال؛ فإن الصين لعبت دورها في جلب كيم إلى طاولة المحادثات.
والسؤال الأساسي هو: ما إن كانت كوريا الشمالية مستعدة للتخلي عن برنامجها للأسلحة النووية، والذي يعد ثمرة العمل طوال أكثر من 30 سنة. وكما تعلم الصين جيدا؛ فإن كوريا الشمالية لن تتخلى أبدا عن أسلحتها النووية، دون إجراء تغييرات كبيرة في التوازن العسكري بشبه الجزيرة الكورية وخارجها.
ومن المرجح أن يعرض كيم نزع سلاحه النووي بشرط أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من كوريا الجنوبية، وربما من اليابان أيضًا. وباستثناء ذلك؛ فإنه لن يشعر بالأمان الكافي للاستغناء عن الردع النووي الذي راهن عليه لبقاء نظامه.
ومن جانبه؛ لن يتمكن ترمب من قبول مثل هذا الشرط. وفي أفضل الأحوال؛ يمكن أن يوافق على عملية يمكن من خلالها مناقشة مثل هذه التحركات غير العادية في وقت لاحق.
وفي كلتا الحالتين تعتبر الصين هي الرابحة؛ ففي حال وصلت المحادثات إلى طريق مسدود، فإن بكين ستُجبر كيم على المشاركة في المفاوضات وتضع أميركا في موقف "الرافض". وإذا وافقت الولايات المتحدة على أي تنازلات عسكرية؛ فإن ذلك سيعزز موقف الصين الإستراتيجي. والسؤال الحقيقي الوحيد بالنسبة للرئيس شي هو ما إن كان يريد أن يعلن وضع الصين كقوة عظمى الآن أم في يوم ما مستقبلا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.